رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 20 مايو، 2014 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 89 ) باب: أحب الأعمال إلى الله أدومها


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

380.عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَ قُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، كَيْفَ كَانَ عَمَلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ؟ هَلْ كَانَ يَخُصُّ شَيْئًا مِنْ الْأَيَّامِ؟ قَالَتْ: لَا كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً، وَأَيُّكُمْ يَسْتَطِيعُ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَسْتَطِيعُ.

 الشرح: قال المنذري : باب: أحب الأعمال إلى الله أدومها . والحديث أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (1/541) وبوب عليه النووي: باب فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره.

والحديث رواه البخاري في الصوم (1987) باب: هل يخص شيئا من الأيام.

علقمة هو ابن قيس بن عبدالله النخعي، ثقة ثبت فقيه عابد، روى له الستة.

      قوله : «هل كان يختص من الأيام شيئا؟ قالت: لا»، قال ابن التين: استدل به بعضهم على كراهة تحري صيام يوم من الأسبوع، وأجاب الزين بن المنير: بأن السائل في حديث عائشة، إنما سأل عن تخصيص يوم من الأيام من حيث كونها أياما - يعني لم يرد الشرع بتفضيلها - وأما ما ورد تخصيصه من الأيام بالصيام؛ فإنما خصص لأمر، لا يشاركه فيه بقية الأيام كيوم عرفة، ويوم عاشوراء ، وأيام البيض، وجميع ما عُين لمعنى خاص. (الفتح ).

     وقد ورد في صيام يوم الاثنين والخميس أحاديث صحيحة عدة، منها حديث عائشة رضي الله عنها ولفظه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحرى صيام الاثنين والخميس. أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وصححه ابن حبان. فإنْ ثبت فيهما ما يقتضي تخصيصهما ، استثني من عموم قول عائشة: لا. وكذا غيرهما من الأيام.

قولها: «كان عمله ديمة» بكسر أوله، أي: دائما، قال أهل اللغة: الدّيمة مطر يدوم أياما، ثم أطلقت على كل شيء يستمر.

ويمكن الجمع بين تخصيصه لبغض الأيام وبين قولها: «كان عمله ديمة»،  بأن قولها: «كان عمله ديمة»، معناه: أن اختلاف حاله في الإكثار من الصلاة والنوم أحياناً، والصوم ثم الفطر، كان مستداماً مستمرا، وبأنه[ كان يُوظف نفسه للعبادة دوما، فربما شغله عن بعضها شاغل، فيقضيها على التوالي، فيشتبه الحال على من يرى ذلك

     فقول عائشة: «كان عمله ديمة» منزل على التوظيف، وكذا قولها: «كان لا تشاء أن تراه صائما إلا رأيته» منزل على الحال الثاني. وقيل: معناه: أنه كان لا يقصد نفلاً ابتداء في يوم بعينه فيصومه، بل إذا صام يوما بعينه كالخميس مثلا داوم على صومه. (انظر الفتح 4/236) .

      والحديث فيه: الحث والترغيب في المثابرة على الطاعات، والمداومة على المستحبات، ومما يعين على ذلك وينشط له، الاقتصاد في النوافل، فالغلو في العبادة إلى حدِّ الضجر والضرر، نذيرٌ بانقطاعها، أو بذلها بِكَلَفَةٍ دون خشوع وانشراح قلبٍ، فيفوت بذلك خيرٌ عظيم. وقد ذمّ الله سبحانه من ألِفَ فعل البرِّ والطاعة ثم قطعه، بقوله تعالـى: {ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ۖ فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴿27﴾}(الحديد: 27).

 قال النووي رحمه الله : «القليل الدائم خيرٌ من كثيرٍ ينقطع، وإنما كان خيرًا؛ لأنّ به دوام الإقبال على الله سبحانه، بالطاعة والذكر والمراقبة، وإخلاص النية ، ويثمر القليل الدائم؛ بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافًا كثيرة».

 177- باب : خذوا من العمل ما تطيقون

381.عَن عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهُ أَنَّ الْحَوْلَاءَ بِنْتَ تُوَيْتِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، مَرَّتْ بِهَا، وَعِنْدَهَا رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فَقُلْتُ: هَذِهِ الْحَوْلَاءُ بِنْتُ تُوَيْتٍ، وَزَعَمُوا أَنَّهَا لَا تَنَامُ اللَّيْلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه[: «لَا تَنَامُ اللَّيْلَ؟! خُذُوا مِنْ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ، فَوَاللَّهِ لَا يَسْأَمُ اللَّهُ حَتَّى تَسْأَمُوا».

 الشرح:  قال المنذري: باب: خُذوا من العمل ما تطيقون. والحديث أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (1/542) وبوب عليه النووي: باب أمر من نعس في صلاته، أو استعجم عليه القرآن أو الذكر بأن يرقد أو يقعد حتى يذهب عنه ذلك.

الْحَوْلَاء بنت تُوَيْت صحابية مهاجرة قانتة، ذكرها ابن سعد في الطبقات وقال: أسلمت وبايعت.

 قولها: «أَنَّ الْحَوْلَاءَ بنتَ تُوَيْتِ، مَرَّتْ بِهَا، وعندها رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فقلْتُ: هذه الْحَوْلَاءُ بِنْتُ تُوَيْتٍ، وزعمُوا أَنَّها لَا تنامُ اللَّيلَ»، أي : كانت تُكثر من التهجد بالليل والصلاة، حتى أنها لا تنام، أو تكاد لا تنام.

قوله: «خُذُوا مِنْ الْعَمَلِ ما تُطِيقُونَ»، عام في الصلاة وغيرها من الأعمال الصالحة، من قراءة القرآن والذكر والصوم وغيره.

قوله: «فَوَاللَّهِ لَا يَسْأَمُ اللَّهُ حَتَّى تَسْأَمُوا». وفي الرواية الأخرى: «فإنَّ الله لا يَمَلُّ حتى تملُّوا»، هو من نصوص الصفات، على وجه يليق بالباري سبحانه، لا نقص فيه؛ كنصوص الاستهزاء والخداع والمكر، ولا يشبه أحدا من مخلوقاته.

قال أبو يعلى في إبطال التأويلات (2/370) بتحقيقنا: اعلم أنه غير ممتنع إطلاق وصفه تعالى بالملل لا على وجه السآمة والاستثقال ونفور النفس، كما جاز وصفه بالغضب لا على وجه النفور، وكذلك الكراهة والسخط والعداوة».

 وقال الشيخ محمد بن إبراهيم في «الفتاوى والرسائل» (1/209): «فإنَّ الله لا يَمَلُّ حتى تملُّوا» : من نصوص الصفات، وهذا على وجه يليق بالباري، لا نقص فيه؛ كنصوص الاستهزاء والخداع فيما يتبادر.

قال أبو إسحق الحربي في «غريب الحديث» (1/338): قولـه : «لا يَمَلُّ الله حتى تملوا» : أخبرنا سلمة عن الفراء؛ يقال: مللت أمَلُّ: ضجرت، وقال أبو زيد: ملَّ يَمَلُّ ملالة، وأمللته إملالاً، فكأنَّ المعنى: لا يملُّ من ثواب أعمالكم، حتى تملُّوا من العمل» اهـ.

      قلت: وهذا ليس تأويلاً، بل تفسير الحديث على ظاهره؛ لأنَّ الذين أوَّلُوه كالنووي في «رياض الصالحين». (باب الاقتصاد في العبادة)، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (فصل ما جاء في المِلال)، قالوا: معنى لا يَمَلُّ الله، أي: لا يقطع ثوابه، أو أنه كناية عن تناهي حق الله عليكم في الطاعة.

وقال الحافظ في الفتح: قوله: «لا يمل الله حتى تملوا»: هو بفتح الميم في الموضعين، والملال استثقال الشيء، ونفور النفس عنه بعد محبته، وهو محالٌ على الله تعالى باتفاق.

وقال الإسماعيلي وجماعة من المحققين: إنما أطلق هذا على جهة المقابلة اللفظية مجازا، كما قال تعالى: {وجزاءُ سيئة سيئة مثلها} وانظاره .

قال القرطبي: وجه مجازه أنه تعالى لما كان يقطع ثوابه عمن يقطع العمل ملالاً، عبر عن ذلك بالملال من باب تسمية الشيء باسم سببه.

وقال الهروي: معناه لا يقطع عنكم فضله، حتى تملوا سؤاله، فتزهدوا في الرغبة إليه.

وجنح بعضهم إلى تأويلها، فقيل معناه: لا يمل الله إذا مللتم، وهو مستعمل في كلام العرب، يقولون: لا أفعل كذا حتى يبيض القار، أو حتى يشيب الغراب، ومنه قولهم في البليغ: لا ينقطع حتى ينقطع خصومه؛ لأنه لو انقطع حين ينقطعون، لم يكن له عليهم مزية.

 وقد سئل الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في «مجموعة دروس وفتاوى الحرم» (1/152) : هل نستطيع أن نثبت صفة الملل والهرولة لله تعالى؟ فأجاب: «جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قولـه: «فإنَّ الله لا يَمَلُّ حتى تملوا».

     فمن العلماء من قال: إنَّ هذا دليل على إثبات الملل لله ، لكن ؛ ملل الله ليس كملل المخلوق؛ إذ إنَّ ملل المخلوق نقص؛ لأنه يدل على سأمه وضجره من هذا الشيء، أما ملل الله؛ فهو كمال وليس فيه نقص ، ويجري هذا كسائر الصفات التي نثبتها لله على وجه الكمال، وإن كانت في حق المخلوق ليست كمالاً.

ومن العلماء من يقول: إنَّ قولـه: «لا يَمَلُّ حتى تملوا»؛ يراد به بيان أنه مهما عملت من عمل؛ فإنَّ الله يجازيك عليه؛ فاعمل ما بدا لك؛ فإنَّ الله لا يمل من ثوابك حتى تمل من العمل، وعلى هذا، فيكون المراد بالملل لازم الملل.

ومنهم من قال: إنَّ هذا الحديث لا يدل على صفة الملل لله إطلاقاً؛ لأنَّ قول القائل: لا أقوم حتى تقوم، لا يستلزم قيام الثاني، وهذا أيضاً: «لا يمل حتى تملوا»، لا يستلزم ثبوت الملل لله عَزَّ وجَلَّ.

وعلى كل حال يجب علينا أن نعتقد أنَّ الله تعالى مُنَزَّه عن كل صفة نقص من الملل وغيره، وإذا ثبت أنَّ هذا الحديث دليل على الملل؛ فالمراد به ملل ليس كملل المخلوق. اهـ.

     وقد ورد عن عائشة أيضا أنها قَالَتْ: «لَمْ يَكُنِ النَّبِيُ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ شَهْرًا أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ، فإِنَّه كَانَ يَصومُ شَعبَانَ كُلَّهُ، وكان يَقُولُ: «خُذُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وأَحَبُّ الصَّلاَةِ إِلَى النَّبِي[ مَا دُووِمَ عليه، وإِنْ قَلَّتْ، وكان إِذَا صلَّى صلاَةً دَاوَمَ عليها» رواه البخاري ومسلم ، واللفظ للبخاري.

     وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة لأصحابه وأمته، في الاعتدال والوسطية، مثلما كان في الدّين والخلق، والسلوك والعبادة؛ فقد كان يصوم ويفطر وينام ويقوم ، ويأتي أهله ويجلس مع أصحابه، ويعطي كل ذي حق حقه ؛ فلا يطغى شيء على شيء، بل كل شيء بمقدار واعتدال, وكان عليه الصلاة والسلام يحض أصحابه على الاعتدال والوسطية، وعدم تعمد المشقة في العبادة ، وتكليف النفس ما لا تطيق، وأن يتقي المسلم ربه ما استطاع، فقليلٌ مستمر خير من كثير منقطع؛ فقد نهى عن الوصال في الصيام، وزجر من عزم على صيام الدهر، وكذا من رغب عن سنة الزواج، ومن عزم على قيام الليل كله؟!

     وقد روى أنس رضى الله عنه: أن ثلاَثَةَ رَهْطٍ جاءَوا إلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم  يَسْأَلُونَ عن عبادةِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوها، فقالوا: وأَين نحنُ مِنَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم ؟ قد غُفِرَ لَهُ ما تَقَدَّم من ذَنْبه وَمَا تَأَخَّرَ. قال أَحدُهم: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّى اللَّيْلَ أَبدًا، وقال آخرُ: أَنا أَصُومُ الدَّهْرَ ولا أُفطرُ، وقال آخرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فجاءَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: «أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وكَذَا؟! أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَخْشَاكم للَّهِ، وَأَتْقَاكُم له، لَكِنِّى أَصومُ وأُفْطرُ، وَأُصلِّى وَأَرقُدُ، وَأَتَزوَّجُ النِّساءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي، فَلَيْسَ مِنِّي» رواه البخاري.

     ومما ورد في القصد والاعتدال في العبادة، ما رواه عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما؛ حيث قال: ذُكِرَ لَرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رِجَالٌ يَنْصِبُونَ فِى الْعِبَادَةِ مِنْ أَصْحَابِهِ نَصَباً شَدِيداً، قَال فَقَال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : «تِلْكَ ضَرَاوَةُ الإِسْلاَمِ وَشِرَتُهُ، ولِكُلِّ ضَرَاوَةٍ شِرَةٌ، ولِكُلِّ شِرَةٌ فَتْرَةٌ فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَلأُمٍّ ما هُوَ، ومنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى مَعَاصِى اللَّهِ؛ فَذَلِكَ الْهَالِكُ» حسنه الألباني في الصحيحة في حديث (2850) .

وقوله: «فَلِأَمٍّ»، أي: قصد الطريق المستقيم . «النهاية».

وفي معناه حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا قال: «إن للإسلام شرة، وإنّ لكل شرة فترة، فإنْ كان صاحبها سدّد وقارب فارجوه، وإن أشير إليه بالأصابع فلا ترجوه» (الصحيحة برقم 2850) .

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك