رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 27 مايو، 2014 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 90 ) باب: في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

382.عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: بِتُّ لَيْلَةً عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ ، فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم  مِنْ اللَّيْلِ، فَأَتَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثُمَّ نَامَ، ثُمَّ قَامَ فَأَتَى الْقِرْبَةَ فَأَطْلَقَ شِنَاقَهَا، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءًا بَيْنَ الْوُضُوءَيْنِ، وَلَمْ يُكْثِرْ، وَقَدْ أَبْلَغَ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى، فَقُمْتُ فَتَمَطَّيْتُ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَرَى أَنِّي كُنْتُ أَنْتَبِهُ لَهُ، فَتَوَضَّأْتُ، فَقَامَ فَصَلَّى فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَدَارَنِي عَنْ يَمِينِهِ، فَتَتَامَّتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم  مِنْ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ اضْطَجَعَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ، وَكَانَ إِذَا نَامَ نَفَخَ، فَأَتَاهُ بِلَالٌ فَآذَنَهُ بِالصَّلَاةِ، فَقَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، وَكَانَ فِي دُعَائِهِ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي بَصَرِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا، وَعَنْ يَمِينِي نُورًا، وَعَنْ يَسَارِي نُورًا، وَفَوْقِي نُورًا، وَتَحْتِي نُورًا ، وَأَمَامِي نُورًا، وَخَلْفِي نُورًا، وَعَظِّمْ لِي نُورًا».

قَالَ كُرَيْبٌ: وَسَبْعًا فِي التَّابُوتِ، فَلَقِيتُ بَعْضَ وَلَدِ الْعَبَّاسِ فَحَدَّثَنِي بِهِنَّ، فَذَكَرَ: «عَصَبِي وَلَحْمِي وَدَمِي وَشَعْرِي وَبَشَرِي» وَذَكَرَ خَصْلَتَيْنِ.

 الشرح:  قال المنذري : باب : في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم  ودعائه. وقد أورد فيه حديثان:

- الأول: حديث ابن عبَّاس رضي الله عنهما، وقد أخرجه مسلم في صلاة المسافرين، وبوَّب عليه النووي: باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه. والحديث رواه البخاري في أول الوتر (992) وفي الدعوات (6316)، باب الدعاء إذا انتبه من الليل.

-  قوله: «بِتُّ لَيْلَةً عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ»، وهي ميمونة بنت الحارث الهلالية زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، وخالة ابن عباس رضي الله عنهم، أخت أمه لبابة بنت الحارث زوجة العباس رضي الله عنهم.  قوله: «فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم  مِنْ اللَّيْلِ، فَأَتَى حَاجَتَه»، وفي الرواية الأخرى: «فبال».

- قوله: «ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثُمَّ نَامَ»، قال النووي: هذا الغسل للتنظيف والتنشيط للذكر وغيره. اهـ .

- قوله: «ثُمَّ قَامَ فَأَتَى الْقِرْبَةَ فَأَطْلَقَ شناقها»، الشناق بكسر الشين وتخفيف النون، وهو رباط القربة الذي يشد عنقها وهو الوكاء، فشبه بما يشنق به. وقيل: هو ما تعلّق به في الوتد، ورجح أبو عبيد الأول.

-  قوله: «وضوءاً بين وضوءين»، قد فسره بقوله: «لم يكثر وقد أبلغ»، قال النووي: يعني لم يُسرف ولم يقتر، وكان بين ذلك قواما.

ووقع في رواية عند مسلم «وضوءاً حسنا».

وهو يحتمل أنْ يكون قلّل من الماء مع التثليث، أو اقتصر على دون الثلاث . قوله:  فَقُمْتُ فَتَمَطَّيْتُ» فتمطَيتُ: أي مدّ ظهره، والمطا هو الظهر، والمطية ما يُركب ظهره كالبعير.

- قوله: «كراهيةَ أَنْ يَرَى أَنِّي كُنْتُ أَنْتَبِهُ لَهُ»، قال الحافظ: كأنه خَشي أنْ يترك بعض عمله، لما جرى من عادته صلى الله عليه وسلم  أنه كان يترك بعض العمل خشية أن يفرض على أمته. وفي رواية البخاري: «كراهيةَ أَنْ يَرَى أَنِّي كُنْتُ أتقيه»، قال الخطابي: أي أرتقبه، وفي رواية « أنقبه» من التنقيب وهو التفتيش، وفي رواية: «أبغيه»، أي: أطلبه ، قال الحافظ: وللأكثر «أَرقبه»، وهي أوجه .

- قوله: «فَقَامَ فَصَلَّى فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَدَارَنِي عَنْ يَمِينِهِ»، وهذا من العمل في الصلاة للحاجة، وهو تعليم منه صلى الله عليه وسلم  لابن عباس رضي الله عنه. قوله: «فتتامت»، أي: تكاملت. قوله: «ثم نام حتى نفخ، وكنا نعرفه إذا نام بنفخه»، وفي رواية البخاري: «فنام حتى نفخ وكان إذا نام نفخ»، والنفخ: صوتُ نَفَس النائم.

قوله: «فَأَتَاه بلَالٌ فَآذنهُ بِالصَّلَاة، فَقَام فَصَلَّى ولَم يَتَوضَّأْ»، أي: أعلمه بصلاة الفجر، فقام فصلى صلى الله عليه وسلم  ركعتي الفجر، ولم يتوضأ، وهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم  أنه تنام عيناه ولا ينام قلبه، فليس النوم ناقضاً للوضوء في حقه.

 قوله: «وكان في دعائه»، أي : في صلاته من الليل، وفيه إشارة إلى أن دعاءه كان كثيراً، وكان هذا من جملته.

قوله: «اللهم اجعل في قلبي نوراً»، التنوين فيها للتعظيم، أي: نوراً عظيما، وقد اقتصر في هذه الرواية على ذكر القلب والسمع والبصر، والجهات الست.

قوله: «وعظّم لي نورا» بتشديد الظاء المعجمة، وفي البخاري وأعظم»، أي: اجعله عظيما، وفي رواية للبخاري: وقال في آخره: «واجعلْ لي نوراً»، وفي رواية لمسلم: «واجعلني نورا».

      قال القرطبي: هذه الأنوار التي دعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يمكن حملها على ظاهرها، فيكون سأل الله تعالى أنْ يجعل له في كل عضو من أعضائه نوراً، يستضيء به يوم القيامة في تلك الظُلم، هو ومن تبعه أو من شاء الله منهم، قال: والأولى أنْ يقال: هي مستعارة للعلم والهداية، كما قال تعالى: {فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِنْ رَبِّهِ}(الزمر: 22)، وقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ}(الأنعام: 122)، ثم قال: والتحقيق في معناه: أنّ النور مُظْهر ما نسب إليه، وهو يختلف بحسبه، فنور السمع مظهر للمسموعات، ونور البصر كاشف للمبصرات، ونور القلب كاشف عن المعلومات، ونور الجوارح ما يبدو عليها من أعمال الطاعات.

     وقال الطيبي: معنى طلب النور للأعضاء عضوا عضوا، أنْ يتحلى بأنوار المعرفة والطاعات، ويتعرّى عما عداهما، فإن الشياطين تحيط بالجهات الست بالوساوس ، فكان التخلص منها بالأنوار السادة لتلك الجهات. قال: وكل هذه الأمور راجعة إلى الهداية والبيان، وضياء الحق، وإلى ذلك يرشد قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}(النور: 35) إلى قوله: {نورٌ على نور يهدي الله لنوره من يشاء} انتهى ملخصا (الفتح).

ووقع عند مسلم أيضا (1/529) أنه قال هذا الدعاء، وهو خارج إلى صلاة الصبح.

     قال كريب: «وسبعا في التابوت»، وقد اختلف في مراده بقوله: «في التابوت»؛ فجزم الدمياطي في حاشيته بأن المراد به الصدر ، الذي هو وعاء القلب، وكذا قال ابن بطال والداودي، وزاد ابن بطال: كما يقال لمن يحفظ العلم: علمه في التابوت مستودع، وقال النووي تبعا لغيره: المراد بالتابوت: الأضلاع، وما تحويه من القلب وغيره، تشبيهاً بالتابوت الذي يُحرز فيه المتاع، يعني: سبع كلمات في قلبي ولكن نسيتها.

وجزم القرطبي في (المفهم) وغير واحد بأن المراد بالتابوت: الجسد، أي أن السبع المذكورة، تتعلق بجسد الإنسان، بخلاف أكثر ما تقدم، فإنه يتعلق بالمعاني كالجهات الست، وإنْ كان السمع والبصر من الجسد.

وحكى ابن التين عن الداودي  أن معنى قوله: «في التابوت» أي في صحيفة في تابوتٍ عند بعض ولد العباس. وكذا قال ابن الجوزي: يريد بالتابوت الصندوق، أي سبع مكتوبة في صندوق عنده، لم يحفظها في ذلك الوقت.

وقيل المراد: سبعة أنوار كانت مكتوبة في التابوت الذي كان لبني إسرائيل  فيه السكينة.

قوله: «وذكر خصلتين»، أي تكملة السبعة، والخصلتان قيل: العظم والمخ. وقال الكرماني: لعلهما الشحم والعظم.

  الحديث الثاني:

 383-عن عائشةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم  إِذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ لِيُصَلِّيَ، افْتَتَحَ صَلَاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ.

 الشرح: هذا الحديث الثاني في الباب، وقد أخرجه مسلم في الموضع السابق (1/532).

قولها: «كان رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  إِذا قَام مِنْ اللَّيْلِ لِيُصَلِّيَ، افْتَتَحَ صَلَاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ»، وهذا الحديث يدل على مشروعية افتتاح صلاة الليل بركعتين خفيفتين، لينشط بهما لما بعدهما.

وقد جاء الحث عليهما، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا قام أحدُكم منَ الليل، فليصلّ ركعتين خفيفتين» رواه مسلم (1/532) ورواه أبو داود، وزاد: «ثم ليطوّل بعد ما شاء».

وقد قيل: إنّ هاتين الركعتين، هو الجمع بين روايات عائشة رضي الله عنها المختلفة في حكايتها لصلاته صلى الله عليه وسلم : أنها ثلاث عشرة تارة، وأنها إحدى عشرة أخرى، بأنها ضمت هاتين الركعتين لصلاته من الليل.

     وقال في الأزهار: المراد بهما ركعتا الوضوء، ويستحب فيهما التخفيف لورود الروايات بتخفيفهما قولا وفعلا، والأظهر أن الركعتين من جملة التهجد، يقومان مقام تحية الوضوء؛ لأن الوضوء ليس له صلاة على حدة، فيكون فيه إشارة إلى أن من أراد أمراً، يشرع فيه قليلا ليتدرج.

قال الطيبي: ليحصل بهما نشاط الصلاة، ويعتاد بهما، ثم يزيد عليهما بعد ذلك. (عون المعبود ح/ 1323) .

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك