رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 1 يونيو، 2015 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 138 ) باب: ما جــــــاءَ فـــي صَــــلاة الخـــــوف

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

447. عن جَابِرٍ بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: غَزَوْنَا مع رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قومًا مِنْ جُهَيْنَةَ، فَقَاتَلُونَا قِتَالًا شَدِيدًا، فَلَمَّا صَلَّيْنَا الظُّهْرَ، قَال الْمُشْرِكُون: لو مِلْنَا عليهِم مَيْلَةً لَاقْتَطَعْنَاهُم، فَأَخْبَرَ جِبْرِيلُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذلك، فَذَكَرَ ذلك لنا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، قال: وقالوا: إِنَّهُ سَتَأْتِيهِم صلَاةٌ هي أَحبُّ إِليهم مِنْ الْأَوْلَادِ، فلَمَّا حَضَرَتْ الْعَصْرُ، قال: صَفَّنَا صَفَّيْنِ، والْمُشْرِكُونَ بَيْنَنَا وبينَ الْقِبْلَةِ، قَال: فَكَبَّرَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وكَبَّرْنَا، وركعَ فرَكَعْنَا، ثُمَّ سَجَدَ وسَجَدَ معهُ الصَّفُّ الْأَوَّلُ، فَلَمَّا قَامُوا سَجَدَ الصَّفُّ الثَّانِي، ثُمَّ تَأَخَّرَ الصَّفُّ الْأَوَّلُ وتَقَدَّمَ الصَّفُّ الثَّانِي، فَقَامُوا مَقَامَ الْأَوَّلِ، فَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وكَبَّرْنَا، ورَكَعَ فَرَكَعْنَا، ثُمَّ سَجَدَ وسجد معه الصَّفُّ الْأَوَّلُ، وقَامَ الثَّانِي، فَلَمَّا سَجَدَ الصَّفُّ الثَّانِي، ثُمَّ جَلَسُوا جَمِيعًا، سَلَّمَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم .

قال أَبُو الزُّبَيْرِ: ثُمَّ خَصَّ جَابِرٌ أَنْ قَال: كَما يُصَلِّي أُمَرَاؤُكُمْ هَؤُلَاءِ.

الشرح:  قال المنذري: باب: ما جاء في صلاة الخوف. والحديث أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (1/575) وبوب عليه النووي: باب صلاة الخوف. وحديث جابر رضي الله عنه بالباب، هو في أول مشروعية صلاة الخوف، كما قال العلماء وشراح الحديث. وصلاة الخوف مشروعة بقول الله تعالى: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ۗ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَىٰ أَن تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ ۖ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا} (النساء: 102).

وقد صلاها النبي صلى الله عليه وسلم مرات عدة بأصحابه بصفات مختلفة.

قال الإمام أحمد: ثبت في صلاة الخوف ستة أحاديث أو سبعة، أيهما فعل المرء جاز.

وقال الإمام ابن القيم: «أُصُولُها سِتّ صفات، وأبلغَها بعضُهم أَكْثَر، وهؤلاءِ كلَّما رَأَوْا اخْتلاف الرُّواةُ في قصَّةٍ، جعلوا ذلك وجهًا مِنْ فِعلِ النَّبِيِّ  صلى الله عليه وسلم ، وإِنَّما هو مِنْ اخْتِلاف اَلرُّوَاةِ» انتهى.

قال الحافظ: وهذا هو المُعتَمدُ.

وصفة صلاة الخوف تختلف باختلاف شدة الخوف، وباختلاف مكان العدو، هل هو في اتجاه القبلة أم في جهة أخرى؟

وعلى الإمام أن يختار من الصفات ما هو أنسب للحال، ويحقق المصلحة، وهو الاحتياط للصلاة، مع كمال التحفظ والاحتراس من العدو، حتى لا يهجموا على المسلمين بغتة وهم يصلون.

قال الْخَطَّابيُّ: «صلاة الخَوف أَنواع، صلاها النَّبيّ صلى الله عليه وسلم في أَيَّام مُخْتَلفة، وأَشْكَال مُتَبَايِنَة، يَتَحَرَّى فِي كُلّها ما هو أَحْوط للصَّلاةِ، وأَبْلَغ في الْحراسَة» انتهى شرح مسلم للنووي.

وهو داخل في قول الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (التغابن: 16).

- وهذه بعض صفات صلاة الخَوْف:

الصفة الأولى: إذا كان العدو في غير اتجاه القبلة، فيقسم قائد الجيش جيشه إلى طائفتين، طائفة تصلّي معه، وطائفة أمام العدو، لئلا يهجم على المسلمين، فيصلّي بالطائفة الأولى ركعة، ثم إذا قام إلى الثانية أتموا لأنفسهم، أي: نووا الانفراد وأتموا لأنفسهم، والإِمام لا يزال قائماً، ثم إذا أتموا لأنفسهم ذهبوا ووقفوا مكان الطائفة الثانية أمام العدو، وجاءت الطائفة الثانية ودخلت مع الإِمام في الركعة الثانية، وفي هذه الحال يطيل الإِمام الركعة الثانية أكثر من الأولى لتدركه الطائفة الثانية، فتدخل الطائفة الثانية مع الإِمام، فيصلّي بهم الركعة التي بقيت، ثم يجلس للتشهد، فإذا جلس للتشهد قامت هذه الطائفة من السجود، وأكملت الركعة التي بقيت وأدركت الإِمام في التشهد، فيسلم بهم.

وهذه الصفة هي المذكورة بالآية، قال الله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا} أي: أتموا الصلاة {فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى}، وهي التي أمام العدو {لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُم}.

- وروى البخاري (413) ومسلم (842): عن مالكٍ عن يزِيدَ بنِ رُومَانَ عن صالحِ بنِ خَوَّاتٍ: عَمَّنْ شَهِدَ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يومَ ذَاتِ الرِّقَاعِ صَلَّى صلاةَ الْخَوْفِ: أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ معه، وطَائِفَةٌ وِجَاهَ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِالَّتي معه رَكْعَةً، ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا، وَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ انْصَرَفُوا فَصَفُّوا وِجَاهَ الْعَدُوِّ، وجاءتْ الطَّائِفَةُ الأُخْرى فَصَلَّى بِهِمْ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ مِنْ صَلاتِهِ، ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا، وأَتَمُّوا لأَنْفُسِهم، ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ». قال مالكٌ: وذلك أَحْسَنُ ما سَمِعْتُ فِي صَلاةِ الْخَوْفِ.

الصفة الثانية: إذا كان العدو في جهة القبلة: فإن الإِمام يصفهم صفين ويبتدئ بهم الصلاة جميعاً، ويركع بهم جميعاً ويرفع بهم جميعاً، فإذا سجد سجدَ معه الصفُ الأول فقط، ويبقى الصف الثاني قائماً يحرس، فإذا قام قام معه الصف الأول ثم سجد الصف المؤخر، فإذا قاموا تقدم الصف المؤخر، وتأخر الصف المقدم، ثم صلّى بهم الركعة الثانية، فقام بهم جميعاً وركع بهم جميعاً، فإذا سجد سجد معه الصف المقدم الذي كان في الركعة الأولى هو المؤخر، فإذا جلس للتشهد سجد الصف المؤخر، فإذا جلسوا للتشهد سلم الإِمام بهم جميعاً، وهذه لا يمكن أنْ يكون إلا إذا كان العدو في جهة القبلة.

     روى مسلم (840): عن جابرِ بنِ عبد اللَّهِ رضي الله عنهما قال: شَهِدْتُ مع رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  صلاةَ الْخَوْفِ، فصَفَّنَا صَفَّينِ: صَفٌّ خَلْفَ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم ، والْعدُوُّ بَيْنَنَا وبين الْقِبْلَةِ، فَكَبَّرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وكَبَّرْنَا جميعا، ثُمَّ ركع ورَكَعْنَا جميعا، ثُمَّ رَفعَ رأْسهُ مِنْ الرُّكوعِ ورَفَعْنَا جميعا، ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ والصَّفُّ الَذي يَلِيه، وقامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ في نَحْرِ الْعَدُوِّ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم السُّجُودَ وقامَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ وقامُوا، ثُمَّ تَقَدَّمَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ وَتَأَخَّرَ الصَّفُّ الْمُقَدَّمُ، ثُمَّ ركَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وركَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ ورفَعْنَا جميعاً، ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ والصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ الَّذي كَانَ مُؤَخَّرًا فِي الرَّكعَةِ الأُولَى، وقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي نُحُورِ الْعَدُوِّ، فلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم السُّجُودَ والصَّفُّ الَّذي يلِيه، انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بالسُّجُودِ، فسجدُوا، ثُمَّ سَلَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وسَلَّمْنَا جَمِيعًا».

الصفة الثالثة: إذا كان الخوف شديداً، ونشب القتال، وتلاحم الصفان، ولم يمكن للإمام أنْ يصف المسلمين ويصلي بهم جماعة، ففي هذه الحال يصلي كل مسلمٍ بمفرده، وهو يقاتل، ماشيا على قدميه، أو راكباً، مستقبل القبلة أو غير مستقبلها، وينحني عند الركوع والسجود، ويجعل السجود أخفض من الركوع.

- كما قال الله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} (البقرة:239).

- قال السعدي: «(رِجَالاً) أي: على أرجلكم، (أَوْ رُكْبَاناً) على الخيل والإبل وسائر المركوبات، وفي هذه الحال لا يلزمه الاستقبال - أي: استقبال القبلة - فهذه صلاة المعذور بالخوف» انتهى.

- روى البخاري (943):عن ابنِ عمرَ رضي الله عنهما: عن النَّبِيِّ  صلى الله عليه وسلم أنه قال: «وإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلكَ، فلْيُصَلُّوا قياما ورُكْبَانًا».

- قال الحافظ: «وإِنْ كانوا أَكْثَرَ مِنْ ذلكَ» أَي: إِنْ كان العدُوّ، والمعنى أَنَّ اَلْخَوْفَ إِذا اشْتَدَّ والْعدوّ إِذا كَثُرَ فَخِيفَ مِنْ اَلانْقِسَامِ، لذلك جَازَتْ الصَّلاةُ حِينَئِذٍ بِحَسَبَ الإِمكان، وجازَ تركُ مُراعاة ما لا يُقْدَرُ عليه مِنْ الأَرْكانِ، فَيَنْتَقِلُ عن الْقيامِ إلَى الرُّكُوعِ، وعَنْ اَلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ إِلَى اَلإِيمَاءِ إِلَى غَيْرِ ذَلِك، وبهذا قال الْجمهور» انتهى.

- وروى الطَّبريّ: عن ابن عُمَر قال: إِذا اخْتَلَطوا - يعني في الْقتال - فإِنَّما هو الذِّكْرُ وإِشارة الرَّأْسِ.

- وروى البخاري (4535): عن نافعٍ أَنَّ عبد اللَّهِ بنَ عُمَرَ -رضي اللَّهُ عنهمَا- ذكر صفة صلاة الخوف، ثم قال: فإِنْ كان خَوْفٌ هو أَشَدَّ مِنْ ذلك، صلَّوا رِجالًا قِيَامًا على أَقْدَامِهِم، أَو رُكْبَانًا مُستَقْبِلي القِبلَةِ أَو غيرَ مُسْتَقْبِلِيهَا. قال نافعٌ: لا أُرى عبدَ اللَّه بنَ عمرَ ذَكرَ ذلك إِلا عن رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم .

وقال في المنتقى شرح الموطأ: «فإِنْ كان خَوْفًا هو أَشَدُّ مِنْ ذلك» يعني: خَوفًا لا يُمكنُ معهُ الْمُقَامُ في موضِعٍ، ولا إقَامةَ صَفٍّ، صَلَّوْا رِجالا؛ قِيَامًا علَى أَقْدامهم، وذلك أَنَّ الْخوفَ علَى ضَرْبَيْن: ضَرْبٌ يُمكنُ فيه الاسْتقرارُ وإِقامةُ الصَّفِّ، لكن يُخافُ من ظُهُورِ الْعَدُوِّ بِالاشْتغالِ بِالصَّلاة...

وأَمَّا الضَّرْبُ الثَّاني منْ الْخوفِ: فَهَذَا ألا يُمكنَ معهُ اسْتقرارٌ، ولا إقَامةُ صَفٍّ، مِثْلُ الْمُنْهَزِمِ - أي الهارب من العدو- الْمطْلوبِ، فَهَذَا يُصلّي كَيف أَمكَنَه، رَاجِلا أَو رَاكبًا، قال اللَّهُ تعالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا}» انتهى باختصار. وانظر (الشرح الممتع) للشيخ ابن عثيمين (4/300).

- مسألة: والأصل أنّ صلاة الخوف تكون أربعاً في الحَضر، وثنتين في السفر، فليس للخوف أثر في تقصير الصلاة، وهو قول الجمهور.

وقال ابن عباس: يصلون ركعة واحدة إذا التحم الجيشان، وبه قال عطاء وجابر والحسن ومجاهد والحكم وقتادة وحماد، وإليه ذهب أحمد وغيره.

ومن العلماء من أباح تأخير الصلاة لعذر القتال والمناجزة، كما أخّر النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر يوم الأحزاب، فصلاهما بعد الغروب، ثم صلى بعدهما المغرب والعشاء.

وقال الجمهور: هذا منسوخ بصلاة الخوف، فإنها لم تكن نزلت بعد، فلما نزلت نسخ تأخير الصلاة بذلك. انظر حسن التحرير (1/389) وقد أطال البحث فيه الحافظ ابن كثير.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك