رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 3 يونيو، 2014 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 91 ) دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل



قال النَّوويُّ: ومعنى سُؤَاله صلى الله عليه وسلم  الْمغفرةَ، مع أَنه مَغْفُورٌ لَه، أَنَّهُ يَسأَلُ ذلك تَواضعًا وخُضُوعًا، وإشْفَاقًا وإِجْلَالًا، ولِيُقْتَدَى به فِي أَصل الدُّعَاء وَالْخُضُوعِ

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

باب :  384.عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيَّامُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَمَنْ فِيهِنَّ، أَنْتَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَقَوْلُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَأَخَّرْتُ، وَأَسْرَرْتُ وَأَعْلَنْتُ، أَنْتَ إِلَهِي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ».

الشرح :  قال المنذري : باب : دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل .

وقد أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (1/532-534)، وبوب عليه النووي: باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه.

ورواه البخاري في كتاب التهجد (1120) باب التهجد بالليل، وقوله عز وجل: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً}(الإسراء: 79).

 ‏قوْله: «كَانَ إِذا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ»، قَال الحافظ: ظاهرُ السِّيَاقِ أَنَّه كَان يقُولُه أَوَلَ ما يَقُومُ إلى الصَّلاة، وترجمَ علَيه ابنُ خُزَيْمَةَ الدَّليل عَلَى أَنَّ النبيَّ[ كان يقولُ هذا التَّحْميدَ، بعد أَنْ يُكَبِّرَ، ثُمَّ ساقَهُ منْ طَرِيق طاوُس عن ابنِ عبَّاسٍ قَال: كَان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ لِلتَّهَجُّدِ، قَالَ بعدما يُكَبِّرُ: «اللَّهُمَّ لَك الْحَمْد» انْتَهَى‏.

‏وقوله: «لَك الْحَمْد» ‏تَقْديمُ الْخَبَرِ فيه، يدُلُّ عَلَى التَّخْصِيصِ ‏.

‏قوله: «أَنْتَ نُورُ السَّموَاتِ والأَرضِ» ‏‏أَي: مُنَوَّرُهُمَا، وخالقُ نُورهما.

و(النور) من أسماء الله تعالى وصفاته، وقد أضاف الله تعالى النور إلى نفسه، إضافة الصفة إلى موصوفها، في قوله تعالى: {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا}(الزمر : 69)، وكذا في قوله: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ}(النور : 35).

وقال ابنُ عباس: هَادِي أَهْلَهُمَا.

وهو لا ينافي ما سبق، بل هو من معاني كونه نور السموات والأرض سبحانه وتعالى.

وقَال أَبو الْعالية: «مُزَيِّنُ السَّمواتِ بالشَّمسِ والْقَمر والنُّجُوم، ومُزَيِّنُ الأَرضِ بالْأَنْبِياء والْعُلَماء والأَوْلياء».

وَقَال ابنُ بَطَّالٍ: «أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ» أَي: بنُورك يَهتَدي مَنْ في السَّمَاوات والْأَرضِ.

قوله: «أَنْتَ قَيَّامُ السَّمَوَاتِ والْأَرْضِ» وفي رِواية: «قَيِّمُ» وفي أُخرى «قَيُّومٌ» وهي من أَبنية الْمُبالغة، والياء أَصلها مِنْ الْواو: قَيْوَامٌ وقيوُومٌ، بوزن: فَيْعَالٍ وفَيَعُولُ.

والقيومية من صفات اللَّه تعالى، و(الْقَيُّومُ) منْ أَسماء اللَّه تَعالى، وهو الْقَائمُ بنفْسه مُطْلَقًا لا بغيره، وهو مع ذلك يقَومُ بِهِ كُلُّ موجود، حتى لَا يُتَصوَّر وُجودُ شيءٍ، ولا دوامُ وُجوده إِلَّا بِهِ تعالى، كَذَا في النهاية.

فهو سبحانه الْقَائمُ بأُمورِ الْخَلْق كلهم، ومُدبِّرُ هذا الْعالَم في جميعِ أَحواله وأزمانه.

‏قوله: «أَنْتَ ربُّ السَّمَواتِ والْأَرضِ ومَنْ فيهِنّ»،‏ الرَّبُّ يُطْلَقُ في اللُّغَة علَى: الْمالكِ، والسَّيِّد،ِ والْمُدَبِّرِ، والْمُرَبِّي، والْمُنْعِمِ، والْقَيِّمِ, وَلَا يُطْلَقُ غَيْرَ مُضافٍ إِلَّا على اللَّهِ تَعالى، وإذا أُطْلقَ علَى غيرِهِ أُضِيف، فَيُقال: رَبُّ كَذَا ، كرب الدار ورب المال ورب الأسرة.

‏قوله: «أَنْتَ الْحَقُّ»  ‏أَيْ: الْمُتحَقِّقُ الْوُجُود، الثَّابتُ بلا شكٍّ فيه، الدَّائمُ الْبَاقِي ، وما سواهُ في مَعْرِضِ الزَّوال .

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هذا الْوصفُ له سبحانه وتعالَى بالحقيقة، خاصٌّ بِهِ، لَا ينبغي لغيرِه، إِذْ وُجودُه بنفسه، فلم يسبقْهُ عدمٌ، ولَا يَلْحَقُهُ عَدَمٌ، بِخلَافِ غَيْرِهِ. وقال ابنُ التِّينِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: أَنْتَ الْحَقُّ بالنِّسبة إِلَى منْ يُدَّعى فيه، أَنهُ إِلهٌ أَو بمعنى: أَنَّ مَنْ سَمَّاك إِلَهًا، فقد قال الْحَقُّ ‏(الفتح).

‏قوله: «وَوَعْدُك الْحَقُّ» ‏‏أَي: الثَّابتُ, وعَرَّفَ الْحقَّ في «أَنت الْحَقُّ، ووعْدُك الْحَقُّ»، ونَكَّرَ في الْبَوَاقي؛ لأنَّ وعْدَهُ مُخْتَصٌّ بالْإِنجاز، دُون وعدِ غيره، إِمَّا قصدًا، وإمَّا عجزًا، تعَالى اللَّهُ عَنْهُمَا، قاله الطِّيبِيُّ بنحوه.

وَالتَّنْكيرُ أيضا في الْبَوَاقي للتَّفْخيم .

 ‏قوله: «ولقاؤُك حقّ» ‏‏اللقاءُ الْبَعثُ، أَو رُؤيةُ اللَّه تَعالى, وقيل: الْموت، وأَبطله النَّوويُّ, واللِّقَاءُ وما ذُكرَ بعدهُ، داخلٌ تحتَ الْوعدِ، لَكنَّ الْوعدَ مَصْدَرٌ، وَمَا ذُكر بعده هو الْموعودُ بِهِ، ويُحْتملُ أَنْ يكون من الْخاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ‏.

قوله: «والْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌ» فيه: أنهما موجودتان الآن.

‏قوله: «والساعة حقٌّ» ‏أَي: يومُ الْقيامة, وأَصلُ السَّاعة الْقطْعةُ من الزَّمان، وَإِطْلَاقُ اسم الْحقِّ على ما ذُكِرَ مِنْ الْأُمُورِ، مَعْنَاهُ: أَنَّهُ لَا بد من كونها، وَأَنَّهَا مما يجِبُ أَنْ يُصدَّقَ بها، وَتَكْرَارُ لَفْظِ حَقٍّ لِلْمُبَالَغَة في التَّأْكيد. ‏قوله: «اللَّهُمَّ لك أَسلَمت» ‏أَي: اسْتَسْلَمْت وانْقَدْت لِأَمْرِك وَنَهْيِك.

‏ قوله: «وَبِك آمَنْت» ‏ ‏أَيْ صَدَّقْت بِك وَبِكُلِّ مَا أَخْبَرْت وَأَمَرْت وَنَهَيْت. ‏

‏ قوله: «وعلَيك تَوَكَّلْت» ‏أَي: فوَّضت الْأَمرَ إلَيك، واثقا بك، معتمداً عليك في أموري.

‏ قوله: «وإلَيك أَنَبْت» ‏‏أَي: أطعتُ ورجعت إلى عبادتك، أَي: أَقبلْت علَيها, وقيل: معنَاه رجعت إِلَيك في تَدْبِيرِ أَمري، أَي فَوَّضْت إِلَيْك. ‏

‏ قوله: «وَبِك خَاصَمْت» ‏ أَيْ بِمَا أَعْطَيْتنِي مِنْ الْبَراهين والْقُوَّة، خَاصَمْت مَنْ عَانَدَ فيك وكَفَرَ بك، وقَمَعْته بالْحُجَّة وبالسَّيْف.

‏ قوله: «وَإِلَيْك حَاكَمْت» أَيْ كُلَّ مَنْ جَحَدَ الْحَقَّ حاكَمْته إِلَيك، وجعلْتُك الْحَاكِمَ بيني وبينه لا غيرك؛ ممَّا كانت تَحاكمُ إليه الْجاهلِيَّةُ وغيرُهم، من صَنَمٍ وكَاهِنٍ ونارٍ وشَيْطَانٍ وغيرها، فلا أَرضى إلَّا بحُكمِك، ولَا أَعْتَمِدُ غَيْرَهُ, وقَدَّم صِلَاتِ هذه الْأَفْعَالِ علَيها، إِشعارًا بالتَّخصيص، وإِفادَةً للحصر.

‏قوله: «ما قَدَّمْت»‏ ‏أَي: قبل هذا الْوقْت، وما أَخَّرْت عنه .

‏ قوله: «وَمَا أَسْرَرْت وَمَا أَعْلَنْت» ‏‏أَي: أَخْفَيْت وأَظْهرْت، أَو ما حَدَّثْت بِهِ نَفْسي، وما تَحَرَّك به لساني.

قوله: «أنتَ إلهي لا إله إلا أنتَ» ثناءٌ على الله عزّ وجل، وإقرارٌ له بالتوحيد.

وفي رواية البخاري «أنت المقدّم، وأنت المؤخر» المقدم لما شاء من الأمور، والمؤخر لما شاء منها. ومنه: أنه جعل الدنيا مقدمة للآخرة.

قال النَّوويُّ: ومعنى سُؤَاله صلى الله عليه وسلم الْمغفرةَ، مع أَنه مَغْفُورٌ لَه، أَنَّهُ يَسأَلُ ذلك تَواضعًا وخُضُوعًا، وإشْفَاقًا وإِجْلَالًا، ولِيُقْتَدَى به فِي أَصل الدُّعَاء وَالْخُضُوعِ، وَحُسن التَّضَرُّعِ فِي هَذَا الدُّعَاءِ الْمُعَيَّنِ.

وفي هذا الْحديث: مواظبتُه صلى الله عليه وسلم في اللَّيْلِ علَى الذِّكْر وَالدُّعاء، وتعظيم اللَّه تعالَى، والاعْتراف بحُقُوقه، والْإِقْرار بصدقِ وَعْده ووعيدِه، والْبَعْث والْجنَّة والنَّار.

واستحباب تقديم الثناء على المسألة عند كل مطلوب اقتداء به صلى الله عليه وسلم ، وغير ذلك . ‏(انظر الفتح).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك