رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 19 يونيو، 2014 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 93 ) باب: صـــــلاةُ الليـــــلِ قائمـــــاً وقاعــــداً

 

 

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

387.عن عائِشةَ رضي الله عنها قالَتْ: ما رأَيْتُ رسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  يَقْرَأُ فِي شَيْءٍ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ جَالِسًا، حَتَّى إِذَا كَبِرَ قَرَأَ جَالِسًا، حَتَّى إِذَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ السُّورَةِ، ثَلَاثُونَ أَوْ أَرْبَعُونَ آيَةً، قَامَ فَقَرَأَهُنَّ، ثُمَّ رَكَعَ.

الشرح: قال المنذري: باب: صلاة الليل قائماً وقاعداً. والحديث أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (1/505)، وبوب عليه النووي: باب جواز النافلة قائماً وقاعدا، وفعل بعض الركعة قائماً وبعضها قاعدا.

وقد رواه الإمام البخاري رحمه الله في كتاب تقصير الصلاة، باب: إذا صلى قاعداً ثم صحّ، أو وَجد خفةً، تمّم ما بقى.

وأورد الحديث عن عائشة رضي الله عنها بلفظ: أنها لم تَـرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم  يُصلي صلاة الليل قاعداً قط، حتى أسنّ، فكان يقرأ قاعداً، حتى إذا أراد أنْ يركع، قام فقرأ نحواً من ثلاثين آية، أو أربعين آية، ثم ركع.

وأورد في الباب أيضا: قول الحسن رحمه الله: إنْ شاء المريض صلى ركعتين قائماً، وركعتين قاعدا.

     قولها «ما رأَيتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم  يَقرأُ في شيءٍ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ جالِسًا» أي: ما كان يقرأ في صلاة الليل جالساً، وهذا كان في أول حياته؛ لأنه كان صلى الله عليه وسلم  يُحب تحقيق العبودية لله تعالى على أكمل ما يكون، حتى قالت عائشة رضي الله عنها: إنّ نبي الله صلى الله عليه وسلم  كان يقوم من الليل، حتى تتفطر قدماه، قالت فقلت: لم تصنع هذا يا رسول الله، وقد غَفَر اللهُ لك، ما تقدّم منْ ذَنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أحبُ أنْ أكون عبداً شكوراً. قالت: فلما كثُر لحمُه صلى جالسا، فإذا أراد قام فقرأ ثم ركع. رواه البخاري.

فهذا يدل على أنه ليس من المستحب أنْ يُصلّي المصلي جالسا، إلا إذا كان له عُذر، أو ثقل،  أو كبُرٍ في السن.

ولذا لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم صلى قاعداً.

وروى أحمد وأصحاب السنن: عن عائشة أيضا قالت: ما رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في شيءٍ من صلاة الليل جالسا قط، حتى دخلَ في السّن - أي كبُر- فكان يجلس فيها، فيقرأ حتى إذا بقي أربعون أو ثلاثون آية، قام فقرأها ثم سجد. 

وإذا استطاع المسلم أو المسلمة أن يصلي أول الصلاة قائماً، ثم تعب وأراد أن يقعد، فله ذلك.

كما يصح التطوع من قعود مع القدرة على القيام، كما يصح أداء بعضه من قعود وبعضه من قيام، لو كان ذلك في ركعة واحدة، فبعضها يكون من قيام وبعضها من قعود، وسواء تقدم القيام أو تأخر، كل ذلك جائز من غير كراهة، ويجلس كيف شاء، والأفضل التربع. 

فعن علقمة قال قلت لعائشة: كيف كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعتين وهو جالس؟ قالت: كان يقرأ فيهما، فإذا أراد أنْ يركع، قام فركع. رواه مسلم.

     وإن صلى التطوع من قعود مع القدرة على القيام، فأجر القاعد حينئذ على النصف من أجر القائم؛ لما روى مسلم: عن عبد اللَّه ابن عمرو قَال: حُدِّثْتُ أَنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: «صلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا نِصْفُ الصَّلَاةِ» قَالَ: فأَتَيْتُه فوجَدْتُهُ يُصلِّي جالسًا، فَوَضَعْتُ يدي على رأْسه، فقال: «ما لَكَ يَا عبد اللَّهِ بن عمرو»؟ قلتُ: حُدِّثْتُ يا رسولَ اللَّهِ، أَنَّكَ قُلْتَ: «صلاةُ الرَّجُلِ قاعدًا على نصفِ الصَّلَاةِ» وَأَنْتَ تُصَلِّي قَاعِدًا؟ قَالَ: «أَجل؛ ولَكنِّي لَستُ كَأَحدٍ مِنْكُم».

     أما إن قعد لعذر، كان له ثواب القائم؛ قال النووي رحمه الله: «معناه: أن صلاة القاعد فيها نصف ثواب القائم، فيتضمن صحتها ونقصان أجرها، وهذا الحديث محمولٌ على صلاة النفل قاعدا مع القدرة على القيام، فهذا له نصفُ ثواب القائم، وأما إذا صلى النفل قاعدا لعجزه عن القيام فلا ينقص ثوابه، بل يكون كثوابه قائما، وأما الفرض: فإن صلاته قاعدا مع قدرته على القيام لم يصح، فلا يكون فيه ثواب بل يأثم به.

قال أصحابنا: وإنْ استحله كفر، وجرت عليه أحكام المرتدين، كما لو استحل الزنا والربا، أو غيره من المحرمات الشائعة التحريم.

وإنْ صلى الفرض قاعداً لعجزه عن القيام، أو مضطجعا لعجزه عن القيام والقعود، فثوابه كثوابه قائماً، لم ينقص باتفاق أصحابنا، فيتعين حمل الحديث في تنصيف الثواب، على منْ صلّى النَّفل قاعداً مع قدرته على القيام.

هذا تفصيل مذهبنا، وبه قال الجمهور في تفسير هذا الحديث».

     وقال: «وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «لستُ كأحدٍ منكم»، فهو عند أصحابنا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، فجُعلت نافلته قاعداً مع القدرة على القيام كنافلته قائما، تشريفا له، كما خصّ بأشياء معروفة في كتب أصحابنا وغيرهم، وقد استقصيتها في أول كتاب «تهذيب الأسماء واللغات». شرح صحيح مسلم (6/14).

وصلاة النافلة يُخفف فيها ما لا يُخفف في الفريضة.

فيجوز أن تُصلّى على الراحلة أو السيارة حال السفر، ولا يُشترط حينئذٍ استقبال القبلة.

ويجوز أنْ تُصلّى جالسا، وإذا صلاها المسلم جالساً من غير عُذر، فله نصف أجر من صلّى قائما، لقوله عليه الصلاة والسلام: «صلاةُ الجالس، على النصف من صلاة القائم». رواه الإمام أحمد.

وقد سأل عمران بن حصين النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل قاعدا، فقال: «صلاتُه قائماً أفضل من صلاته قاعدا، وصلاته قاعدا على النصف من صلاته قائما، وصلاته نائما على النصف من صلاته قاعدا». رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي.

وهذا في صلاة النافلة، يجوز أن تُصلّى النافلة جالسا، ولكن فرق بين أن يكون هذا الفعل جائزا، وبين أن يكون مُستحباً أو مكروها.

أما ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «صَلِّ قائما، فإنْ لم تستطع فقاعداً، فإنْ لم تستطع فعلى جنب». رواه البخاري. فهذا في الفريضة، وقد قال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا }(البقرة: 286).

فإذا لم يستطع المصلي القيام، إما لثقل أو لكبر سن صلّى قاعدا، إما على كرسي أو على الأرض، فإن لم يستطع قاعدا، ُصلّى على جنب.

وهذا في الفريضة، أما النافلة والسُّنة، فله أن يصلّيها قاعدا، ولو لغير عُذر، على التفصيل المتقدّم.

وأما فعل بعض الناس من أنهم يُصلّون واقفين مع وجود المشقة، فإنْ كانت تلك المشقة يسيرة ولا تضر بهم، ولا تؤخّر البرء والشفاء، فلا حرج عليهم، بل هو أخذٌ بالعزيمة.

وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه : لقد رأيتنا وما يتخلّف عن الصلاة إلا منافقٌ قد علم نفاقه، أو مريض، وإن كان المريض ليمشي بين رجلين حتى يأتي الصلاة. رواه مسلم.

بل قد حُمل النبي صلى الله عليه وسلم بين رجلين في مرضه الذي مات فيه، قالت عائشة رضي الله عنها: صلى أبو بكر بالناس، فلما دخل في الصلاة وجد رسول الله[ من نفسه خِفّة، فقام يُهادى بين رجلين، ورجلاه تخطان في الأرض.. رواه البخاري ومسلم.

وأما إذا كان ذلك الفعل يضرّ بهم، فليس هذا من البر ولا يحبه الله، فإن الله يُحب أن تُؤتى رُخصه، كما يحب أن تؤتى عزائمه. كما في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وغيره.

وإذا دخل المسلم أو المسلمة صلاة الفريضة قائماً، ثم تعب وأراد أن يقعد، فله ذلك ولا شيء عليه.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك