رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 7 يوليو، 2014 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 96 ) باب: في اللــيلـة ســاعــــة يستـــجــــاب فيـــهــا

 

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

391.عن جَابِرٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: «إِنَّ فِي اللَّيْلِ لَسَاعَةً ، لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ ، يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا ، إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ».

 الشرح: قال المنذري: باب: في الليلة ساعة يستجاب فيها .

والحديث رواه مسلم في صلاة المسافرين (1/521) وبوب عليه النووي: باب في الليل ساعة مستجاب فيها الدعاء .

قوْله « إِنَّ في اللَّيْل لَساعَة «فيه: إِثْبات ساعة الإِجابة في كُلّ ليلة , ويَتضَمَّن الْحثّ عَلَى الدُّعَاء في جميع ساعات اللَّيْل، رجاء مُصادفتها، قاله النووي (6/36) .

وقال بعض العلماء: وهذه الساعة قد أخفاها الله تعالى ، ليجتهد العباد في تحريها ، وطلبها في جميع الليل ، كما أخفى ساعة الجمعة ليتحرّاها العباد، ويطلبوها في جميع اليوم.

كذا قال ، والراجح في ساعة الجمعة، أنها الساعة الأخيرة.

     قوله «لا يُوافِقها رَجُل مُسلم يَسأَل اللَّه تعالَى منْ أَمْر الدُّنْيا والْآخرة، إِلَّا أَعْطَاهُ إيَّاه وذلك كُلّ لَيْلَة» وهذا خبرٌعن نبينا صلى الله عليه وسلم بأنّ لنا في كل ليلة دعوة مستجابة، فما سألت الله تعالى من خير فيها، أعطاك إياه، ففيه ترغيب بالدعاء والصلاة وقيام الليل، فكم من الليالي دعوت أيها المسلم وأيتها المسلمة ؟! وكم منها ضيعت؟!

قال الحافظ ابن رجب في معرض كلامه عن قيام الليل: يا قوام الليل اشفعوا في النُوّام، يا أحياء القلوب ترحّموا على الأموات، قيل لابن مسعود رضي الله عنه: ما نستطيع قيام الليل؟ قال: أقعدتكم ذنوبكم .

وقيل للحسن: قد أعجزنا قيام الليل؟ قال: قيدتكم خطاياكم . وقال الفضيل بن عياض: إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار، فاعلم أنك محروم ، كبّلتك خطيئتك.

قال الحسن: إنّ العبد ليذنب الذنب، فيُحرم به قيام الليل . قال بعض السلف: أذنبتُ ذنباً ، فحُرمت به قيام الليل ستة أشهر .

ما يؤهّل الملوك للخلوة بهم، إلا من أخلص في وُدّهم ومعاملتهم، فأما من كان من أهل المخالفة، فلا يؤهلونه، وهذا حال البشر مع البشر، فكيف بحال العبد مع الرب.

إنّ الغنيمة تُقسم على كل منْ حضر الوقعة ، فيعطى منها الرجالة والأجراء والغلمان ، مع الأمراء والأبطال والشجعان والفرسان ، فما يطلع فجر الأجر، إلا وقد حاز القوم الغنيمة، وفازوا بالفخر، وحمدوا عند الصباح السُرى، وما عند أهل الغفلة والنوم خبرٌ مما جرى!». (لطائف المعارف بتصرف).

باب: الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل والإجابة فيه

392.عَنْ أَبِي هُريرة رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: «يَنْزِلُ اللَّهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ، حِينَ يَمْضِي ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ، فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الْمَلِكُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ ، مَنْ ذَا الَّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ ، مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ ، فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُضِيءَ الْفَجْرُ».

 الشرح: قال المنذري: باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل والإجابة فيه .

والحديث أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (1/521) وبوب عليه النووي ما بوب به المنذري.

ورواه البخاري في التهجد (1145) باب الدعاء والصلاة من آخر الليل، وفي الدعوات (6321) باب الدعاء نصف الليل، وفي التوحيد (7494).

     قوله «يَنْزِلُ اللَّهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ «تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما أن الله -جل وعلا- ينزل إلى السماء الدنيا ، ينزل كما يشاء تعالى وكما يليق بجلاله، لا يعلم كيف نزوله إلا هو ، وهو كبقية الصفات ، كما نقول في الاستواء: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة ، كذلك نقول: النزول معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة .

     والدليل قوله تعالى ( ليس كمثله شيءٌ وهو السميع البصير) الشورى: 11. أي: لا يشابهه شيء ولا يماثله أحد من مخلوقاته ، لا في ذاته ولا في أسمائه، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، لأن أسماءه كلها حسنى ، وصفاته كلها كمال، وأفعاله انفرد بها من غير مشارك.  وعلى هذا كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

وهكذا قال أئمة السلف، وأهل السنة والجماعة كمالك، وربيعة، وسفيان الثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد بن حنبل ، وغيرهم من أئمة الإسلام .

فنقول هنا: «ينزل ربنا» ولا نكيف، ولا نمثل، ولا نؤول ولا نعطل، ولا نزيد ولا ننقص، بل نقول «ينزل ربنا إِلَى السَّماء الدُّنيا كُلَّ لَيْلةٍ «كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم ، وهو أعلم الخلق بربه تعالى .

ويجب على كل مسلم، أن يؤمن بهذا النزول إيماناً يقينياً ، على الوجه اللائق بالله تعالى .

فكما قلنا: إنه تعالى يسمع ويبصر، لا كسمع المخلوقين ، ولا كبصر المخلوقين، بل سمعاً يليق بجلاله ، وبصراً يليق بجلاله ، لا يشبه صفات المخلوقين، فهكذا بقية الصفات، فبابها واحد، نثبتها لله -تعالى- على الوجه اللائق بجلال الله وكماله ، وهو -سبحانه- لا يشابه خلقه في شيءٍ من صفاته .

ولا يصح تحريف معنى الحديث، بأن يفسر بأن المراد هو نزول أمره، أو نزول رحمته ، أو نزول ملَك من مﻼئكته، فإن هذا باطل؛ لوجوه ذكرها العلماء:

- الوجه الأول: أن هذا التأويل، يخالف ظاهر الحديث؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- أضاف النزول إلى الله تعالى، والأصل أن الشيء إنما يضاف إلى من وقع منه، أو قام به، فإذا صُرف إلى غيره، كان ذلك تحريفًا يخالف الأصل، ونحن نعلم أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أعلم الناس بالله ، وأنه -صلى الله عليه وسلم- أفصح الخلق وأحسنهم بياناً، وأنه أصدق الخلق فيما يخبر به عن الله تعالى ، فليس في كﻼمه شيء من الكذب، ولا يمكن أن يتقوّل على الله تعالى شيئًا، لا في أسمائه، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، ولا في أحكامه، ثم هو عليه الصﻼة والسﻼم لا يريد إلا الهداية للخلق ، فإذا قال: «ينزل ربنا» فإنّ أي قائل يقول بخﻼف ظاهر هذا اللفظ، كأن يقول: المراد: ينزل أمره، أو تنزل ملائكته، فهو مخالف لكلامه صلى الله عليه وسلم، فنقول له: أأنت أعلم بالله من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فالرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: «ينزل ربنا»، وأنت تقول: ينزل أمره، أم أنك أنصح للأمة منه؛ حيث خاطبهم بما يريد خﻼفه؟! ومن خاطب الناس بما يريد خﻼفه غير ناصح لهم.

- الوجه الثاني: أن نزول أمره أو رحمته، لا يختص بهذا الجزء من الليل ، بل أمره ورحمته ينزلان كل وقت.

     فإن قيل: المراد به نزول أمر خاص، ورحمة خاصة، وهذا لا يلزم أن يكون كل وقت . فالجواب: أنه لو فرض صحة هذا التقدير والتأويل، فإن الحديث يدل على أن منتهى نزول هذا الشيء ،هو السماء الدنيا، وأي فائدة لنا في نزول رحمة إلى السماء الدنيا، من غير أن تصل لنا حتى يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم  عنها؟!

- الثالث: أن الحديث دل على أن الذي ينزل يقول: «أنا الملك من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له»، وهذا لا يمكن أن يقوله أحدٌ سوى الله تبارك تعالى، والله أعلم.

     قوله: «حِينَ يَمْضِي ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ»  وفي رواية «حين يبقى ثلث الليل» قال عياض: وهو الذي تظاهرت عليه الأخبار بلفظه ومعناه ، كذا قاله شيوخ الحديث، ويحتمل أن يكون النزول بالمعنى المراد بعد الثلث الأول، وقوله «من يدعوني بعد الثلث الأخير» . قال النووي: ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أعلم بأحد الأمرين في وقت فأخبر به ، ثم أعلم بالآخر في وقت آخر فأعلم به  ، وسمع أبوهريرة الخبرين فنقلهما جميعا ، وسمع أبو سعيد خبر الثلث الأول فقط فأخبر به مع أبي هريرة ( 6/37).

     قوله: «أنا الملك، أنا الملك»  التكرار للتأكيد والتعظيم . قوله: «مَنْ ذا الَّذي يَدْعُوني فأَسْتَجيبَ له ، مَنْ ذا الَّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ ذَا الَّذي يَسْتَغْفِرُني فأَغْفِرَ لَهُ، فلَا يَزالُ كذلك حتَّى يُضِيءَ الْفَجْرُ «فيه: الترغيب بالأعمال المذكورة، من الدعاء والاستغفار، وسؤال الله -عز وجل -الحاجات على اختلافها في هذا الوقت.

وفيه: دليل على امتداد وقت الرحمة واللطف، واستجابة الدعاء، إلى إضاءة الفجر .

وفيه: الحث على الدعاء والاستغفار في جميع الوقت المذكور، إلى إضاءة الفجر.

وفيه: أنّ آخر الليل، أفضل للصلاة والدعاء والاستغفار من أوله.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك