رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 22 يوليو، 2014 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 98 ) باب: جامع صلاة الليل ومن نام عنه أو مرض

 

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

 

تتمة الكلام على حديث الباب:

قوله «فقُلْتُ أَنْبِئِينِي: عن قيامِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَتْ: أَلَستَ تَقْرَأُ {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ}(المزمل: 1) قلْتُ: بلَى، قالتْ: فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ افْتَرَضَ قيامَ اللَّيْلِ في أَوَّلِ هَذه السُّورَةِ، فَقَامَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأَصحابُهُ حَوْلًا، وأَمْسَكَ اللَّهُ خَاتِمَتَهَا اثْنَيْ عشرَ شَهْرًا في السَّمَاءِ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ في آخرِ هذه السُّورَةِ التَّخْفِيفَ، فَصار قيامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا بَعْدَ فَرِيضَةٍ «قوله {يا أَيُّها الْمُزَّمِّلُ} قال ابن عباس والضحاك والسدي (يا أيها المزمل) يعني: يا أيها النائم. فيأمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم في هذه الآية أنْ يترك التزمّل، وهو التّغطي في الليل، وأنْ ينهض إلى القيام لربه عز وجل، وهو من صفات عباده الصالحين، وأوليائه المتقين، كما قال تعالى عنهم: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} (السجدة: 16).

وكان صلى الله عليه وسلم ممتثلاً ما أمره الله تعالى به من قيام الليل، وقد كان واجباً عليه وحده، كما قال تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} (الإسراء: 79). فقوله (نافلة لك) أي: لتكون صلاة الليل زيادة لك في علو قدرك، ورفعة درجاتك.

وقيل: (نافلة لك) فرضاً عليك بالخصوص، لكرامتك على الله تعالى، جعل وظيفتك أكثر من غيرك، ليكثر ثوابك، وتنال بذلك المقام المحمود، وهي الشفاعة العظمى في عرصات القيامة، التي يحمدك عليها الأولون والآخرون.

وههنا بيّن له مقدار ما يقوم، فقال تعالى: {قم الليل إلا قليلاً * نصفه أو انقص منه قليلاً} (المزمل: 2 - 3)، أي: انقص من النصف، (أو زد عليه) أي: يكون نحو الثلثين.

وقوله تعالى (نصفه) بدل من الليل {أو انقص منه قليلاً  أو زد عليه} (المزمل: 4)، أي: أمرناك أنْ تقوم نصف الليل، بزيادة قليلة أو نقصان قليل، لا حرج عليك في ذلك.

     وقد روى ابن أبي حاتم - كما في تفسير ابن كثير -: عن سعيد بن هشام قال قلت: لعائشة أخبرينا عن قيام رسول الله  صلى الله عليه وسلم ؟ قالت: ألست تقرأ (يا أيها المزمل) قلت: بلى، قالت: فإنها كانت قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم  وأصحابه حتى انتفخت أقدامهم، وحبس آخرها في السماء ستة عشر شهراً، قال: فأنزل الله تخفيفها بعد في آخر السورة.

     وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى (قُم الليلَ إلا قليلاً * نصفه أو انقص منه قليلاً) فشقّ ذلك على المؤمنين، ثم خفف الله -تعالى- عنهم ورحمهم فأنزل بعد هذا {عَلِم أنْ سيكونُ منكم مرضى وآخرون يَضربُون في الأرض يَبتغونَ من فضل الله} إلى قوله تعالى: {فاقرءوا ما تيسّر منه} (المزمل: 20)، فوسّع الله تعالى وله الحمد، ولم يضيق.

قوله «قلْتُ: يا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْبِئِينِي عن وِتْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، «أي: كيف كان يصلي الوتر، وكم كان؟

     قوله «فقالتْ: كُنَّا نُعِدُّ لَهُ سِوَاكَهُ وطَهُورَهُ، فَيَبْعَثُهُ اللَّهُ ما شاءَ أَنْ يَبْعَثَهُ مِنْ اللَّيْلِ، فَيَتَسَوَّكُ ويَتَوَضَّأُ «السِّواك: مأخوذ من «ساك» إذا دَلَك. وقيل: من جاءت الإبل تتساوك، أي: تتمايل هزلاً. ويُقال: استاك وتسوّك، واستنّ وشاص فاه. وهو استعمال عود أو نحوه في الأسنان ليذهب بالصفرة وغيرها. ويُطلق السِّواك على الفعل، وعلى العود الذي يُستاك به.

قال الإمام النووي: ويستحب أن يستاك بعود من أراك، وبأى شئ استاك مما يزيل التغير حصل السواك، كالخرقة الخشنة والسعد والأشنان... والمستحب أنْ يستاك بعودٍ متوسط، لا شديد اليبس يجرح، ولا رطب لا يزيل. انتهى.

وأصلح ما اتخذ منه السواك، هو من شجر الأراك.

والسواك مُستحب، ويتأكد في مواضع، ومنها:

1 – عند قراءة القرآن؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : «إن العبد إذا تسوّك ثم قام يصلي، قام الملك خلفه، فتسمّع لقراءته فيدنو منه - أو كلمة نحوها - حتى يضع فاه على فيه، فما يخرج من فيه شيء من القرآن، إلا صار في جوف المَلَك، فطهروا أفواهكم للقرآن». رواه البزار، وأورده الألباني في الصحيحة برقم 1213.

وقال علي رضي الله عنه : «إنّ أفواهكم طُرق للقرآن، فطيّبوها بالسِّواك» رواه ابن ماجة.

2 – عند دخول الإنسان منزله؛ فقد سُئلت عائشة رضي الله عنها: بأي شيء كان يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك. رواه مسلم.

وهذا أدب نبوي يتمثّل فيه حسن معاشرة الأهل، فيبدأ بالسِّواك أول ما يدخل بيته.

3 – عند النوم؛ لأن الإنسان إذا نام وفي أسنانه شيء من بقايا الطعام أو الشراب، أثّر ذلك على أسنانه ولثته، وربما أضرّه.

فضلا عن أنه صلى الله عليه وسلم كان ينام مع أزواجه في فراش واحد، فيكره أن توجد منه رائحة.

4 – عند الاستيقاظ من النّوم، كما في حديث الباب هنا، قالت عائشة رضي الله عنها: كُـنّـا نُعِدّ له سواكه وطهوره، فيبعثه الله ما شاء أنْ يبعثه من الليل، فيتسوّك ويتوضأ. رواه مسلم.

قال الإمام النووي رحمه الله: قولها: «كنا نعدّ له سواكه وطهوره» فيه استحباب ذلك، والتأهب بأسباب العبادة قبل وقتها، والاعتناء بها. قولها: «فيتسوّك ويتوضأ» فيه استحباب السواك عند القيام من النوم. انتهى.

5 – بعد الأكل؛ لعدم بقاء شيء من بقايا الطعام على الأسنان، فيُسبب الروائح الكريهة.

6 – بعد الوتر من الليل؛ فقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يُصلي بالليل ركعتين ركعتين، ثم يَنصرف فيَستاك» . رواه أحمد والنسائي وابن ماجة عن ابن عباس. قال ابن حجر: إسناده صحيح، وقال المنذري: رواه ابن ماجة ورجاله ثقات.

قال أبو شامة: يعني وكان يتسوّك لكل ركعتين، وفي هذا موافقة لما يفعله كثيرٌ في صلاة التروايح وغيرها. قال العراقي: مقتضاه أنه لو صلى صلاة ذات تسليمات، كالضحى والتروايح، يستحب أنْ يستاك لكل ركعتين، وبه صرح النووي. (فيض القدير5/224).

7 – عند تغيّر رائحة الفم، لئلا يتقذّر الناس من الإنسان، ثم ينفروا منه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكره أن توجد منه الرائحة الكريهة من بدنه أو من فمه أو من ثوبه.

8 – 9- عند الوضوء، عند الصلاة، كما سبق في كتاب الوضوء.

ومن أجْـلِ ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم  يُوكل ابن مسعود رضي الله عنه بالسِّواك، حتى عُرِف رضي الله عنه بصاحب السِّواك، كما في صحيح البخاري.

     قوله: «وَيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ، لَا يَجْلِسُ فِيها إِلَّا فِي الثَّامِنَةِ، فَيَذْكُرُ اللَّهَ ويَحْمَدُهُ ويَدْعُوهُ، ثُمَّ يَنْهَضُ ولا يُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّ التَّاسِعَةَ ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَذْكُرُ اللَّهَ ويَحْمَدُهُ ويَدْعُوهُ، ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعُنَا، ثُمَّ يُصَلِّي ركْعَتَيْنِ بعد ما يُسَلِّمُ وهو قَاعِدٌ، وتلْكَ إِحْدَى عَشْرَةَ ركْعَةً يا بُنَيَّ» سبق الكلام عليه، وأنه كان يفعله أحيانا، والأكثر من فعله أنه كان يصلي ركعتين ركعتين.

قولها: «فَلَمَّا سَنَّ نَبِيُّ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم ، وأَخَذَهُ اللَّحْمُ» فلما سن، وفي بعض النسخ: لما أسن، وهو المشهور في اللغة، وأَخَذَهُ اللَّحْمُ: أي سمن لكبره.

قولها: «أَوْتَرَ بِسَبْعٍ، وصَنَعَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِثْلَ صَنِيعِهِ الْأَوَّلِ، فَتِلْكَ تِسْعٌ يا بُنَيَّ وكَان نَبِيُّ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم إِذا صَلَّى صلَاةً، أَحبَّ أَنْ يُداومَ عليها، وكَان إِذا غَلَبَهُ نَوْمٌ أَو وَجَعٌ عن قيامِ اللَّيْل، صلَّى مِنْ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عشرة ركْعَةً» وقد مضى الكلام على أنّ أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها، وإنْ قل.

     قولها: «ولَا أَعْلَمُ نَبِيَّ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ في لَيْلَةٍ», بل قد نهى عنه، فعن عبد اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي اللهُ عنهما، قَال: كُنْتُ أَصُومُ الدَّهْرَ، وأَقْرَأُ الْقُرْآنَ كُلَّ لَيْلَةٍ، قَال: فَإِمَّا ذُكِرْتُ لِلنَّبِيّP، وإِمَّا أَرْسَلَ إِلَيَّ فَأَتَيْتُهُ، فقَال لي: «أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ الدَّهْرَ، وتَقْرَأُ الْقُرْآنَ كُلَّ لَيْلَةٍ؟!» فقلْتُ: بلى، يا نبيَّ اللهِ، ولم أُرِدْ بذلك إِلَّا الْخيرَ، قال: «فإِنَّ بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ من كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» قُلْتُ: يَا نَبِيَّ الله، إنِّي أُطيقُ أَفْضلَ مِنْ ذلك، قال: «فإِنَّ لِزَوْجِكَ علَيك حَقًّا، ولِزَوْرِكَ علَيك حَقًّا، ولِجسدك عَلَيك حَقًّا» قال: «فصُمْ صومَ دَاوُدَ نَبِيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَإِنَّهُ كان أَعْبَدَ النَّاس» قال قُلْتُ: يا نَبِيَّ الله، وما صَوْمُ دَاوُدَ؟ قال: «كان يصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا» قال: «واقْرأ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ» قال قلْتُ: يا نبِيَّ الله، إِنِّي أُطيقُ أَفْضلَ مِنْ ذلك، قَال: «فَاقْرَأْهُ في كُلِّ عِشْرِينَ» قال قُلْتُ: يا نبيَّ الله، إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذلك، قَال: «فَاقْرَأْهُ فِي كُلِّ عَشْرٍ» قَالَ قلتُ: يا نَبِيَّ اللهِ، إِنِّي أُطيقُ أَفضل مِنْ ذلك، قَال: «فَاقْرأْهُ في كُلِّ سَبْعٍ، ولَا تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا» قَال: فَشَدَّدْتُ، فَشُدِّدَ عَلَيَّ. قَال: وقَال لي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : «إِنَّك لا تَدري لعلَّك يَطولُ بك عُمْرٌ» قال: فصرتُ إِلَى الَّذي قال لي النَّبيُّ صلَّى الله علَيه وسلَّم، فَلَمَّا كَبِرْتُ، وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ قَبِلْتُ رُخْصَةَ نَبِيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم . صحيح مسلم (2/ 813).

وروى عبد الله بن عمرو أيضا: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لم يَفقه مَنْ قرأ القرآن في أقلَّ من ثلاث». رواه أحمد وأبو داود والترمذي والدارمي، وصححه الألباني.

وما نُقل عن بعض السلف أنه كان يقرأ القرآن في ليلة، محمولٌ على عدم علمهم بذلك، والله أعلم.

قولها: «ولا صلَّى ليلَةً إلَى الصُّبْحِ» أي: ما كان من عادته ولا هديه صلى الله عليه وسلم أنه كان يُصلي الليل كله فلا ينام، ولا يأكل، ولا يتحدث مع أهله، لم يعرف عنه ذلك.

قولها: «ولا صام شهرا كَاملًا غيرَ رمضانَ» أي: إنْ صام من الشهر ما صام، لا بد أنْ يُفطر بعضه، إلا رمضان.

وفي ذلك: إثبات الاقتصاد في العبادات، وترك الغلو والمبالغة والانهماك فيها، فهذه هي السنة النبوية.

قال: «فانْطلَقْتُ إِلَى ابن عباس فحدَّثْتُه بحدِيثها، فقال: صدقَتْ، لَو كُنْتُ أَقْرَبُها أَو أَدْخُلُ عليها، لأَتَيْتُهَا حتَّى تُشَافِهَني بِهِ» فيه: استحباب الحصول على السند العالي للحديث، وحرص الصحابة رضوان الله عليهم على ذلك، وفضيلة السماع.

قوله: «قال قلْتُ: لو علمتُ أَنَّك لَا تَدْخُلُ عليها، ما حَدَّثْتُكَ حديثَها» رعاية لها رضي الله عنها، وطيب خاطرها، فإنها أم المؤمنين، وزوجة رسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم ، فقد كان بينها وبين ابن عباس رضي الله عنهما شيء بسبب واقعة الجمل.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك