رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 10 أغسطس، 2014 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 99 ) بـاب: فـــــي صــــــــلاة الـــوتـــــر

 

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

394.عن عائشةَ رضي الله عنها قالتْ: مِنْ كُلِّ اللَّيْلِ قَدْ أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَانْتَهَى وِتْرُهُ إِلَى السَّحَرِ.

 الشرح: قال المنذري: باب: في صلاة الوتر. والحديث أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (1/512) وبوب عليه النووي: باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي  صلى الله عليه وسلم في الليل، وأن الوتر ركعة، وأن الركعة صلاة صحيحة. وأخرجه البخاري في الوتر (996) باب ساعات الوتر.

     قوله «مِنْ كُلِّ اللَّيْلِ قَدْ أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم » أي: كل ساعات الليل هو وقتٌ للوتر، بعد دخول وقته، وهو يبدأ بالفراغ من صلاة العشاء، ويمتد إلى صلاة الفجر، كما جاء في مسند الإمام أحمد: أن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: خطب الناسَ يوم جمعة فقال: إن أبا بصرة حدثني: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ الله زادَكم صلاةً، وهي الوتر، فصلُوها فيما بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر.....» إسناده صحيح. وقال عنه ابن رجب في فتح الباري (9/ 146) إسناده جيد.

وفي قوله «إنّ الله زادَكم صلاةً» دليلٌ على اختصاص هذه الأُمة بصلاة الوتر، وهو من فضائلها على الأمم السابقة. وفيه: جواز الإيتار في جميع أوقات الليل.

قولها «فَانْتَهَى وِتْرُهُ إِلَى السَّحَرِ أي كان آخر أمره صلى الله عليه وسلم أنه يوتر في السَحر، وهو آخر الليل قبيل الصبح. وقيل: أوله: الفجر الأول.

وفي رواية لمسلم: عنها قالت: «منْ كلّ الليل قد أوترَ رسولُ الله، من أول الليل، وأوسطه وآخره، فانتهى وتره إلى السحر».

واعلم أنّ الأفضل في الوتر وصلاة الليل: الثلث الأخير منه؛ لأنه وقت نزول الرب -جل وعلا- للسماء الدنيا، كما في الحديث الذي في الصحيحين، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، وقد تقدم.

ولا معارضة بين وصية النبي  صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة ولأبي ذر بالوتر قبل النوم، وبين قول عائشة هاهنا «فانتهى وتره إلى السحر»؛ لأن وصيته لأبي هريرة لإرادة الاحتياط، والثاني لمن علم من نفسه قوة.

كما في حديث جابر رضي الله عنه الآتي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ خافَ ألا يقومَ آخرَ الليل فليُوترْ أوله، ومنْ طَمع أنْ يقوم آخره، فليوترْ آخرَ الليل، فإنّ صلاةَ آخرِ الليل مشهودةٌ، وذلك أفضل» وقال أبو معاوية: محضورة.

وقال الحافظ: ويحتمل أنْ يكون اختلاف وقت الوتر، باختلاف الأحوال، فحيثُ أوترَ في أوله، لعله كان وجعاً، وحيث أوتر وسطه، لعله كان مسافراً، وأما وُتره في آخره، فكأنه كان غالب أحواله، لما عرف من مواظبته على الصلاة في أكثر الليل، والله أعلم.

ومن أوتر أوْ قام أول الليل، أو أوسطه، فلا مانع من ذلك، وفي كل خيرٍ، غيرَ أن آخر الليل أفضل؛ لأنه الأمر الذي استقرّ عليه فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، كما في هذا الحديث:» فانتهى وتره إلى السَحر».

وإذا صلى الوتر أول الليل، ثم قام من آخره، فله أنْ يُصلي من الليل ما شاء، من غير إعادة للوتر، فقد ورد النهي عن الجمع بين وترين في ليلة واحدة، فعن قيس بن طلق قال: زارنا أبو طلق بن عليّ رضي الله عنه في يومٍ من رمضان، فأمسى بنا وقام بنا تلك الليلة، وأوتر بنا، ثم انحدر إلى مسجد فصلى بأصحابه حتى بقي الوتر، ثم قدَّم رجلاً فقال له: أوترْ بهم، فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا وِتران في ليلة». رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي.

وإذا قلنا بهذا، فكيف الجواب عن قوله صلى الله عليه وسلم : «اجْعَلُوا آخِرَ صلاتِكُمْ بِاللَّيلِ وِتْراً»؟

 فنقول: إن هذا هو الأفضل لمن طمع في القيام آخر الليل، كما تقدّم.

ثم هو أمرُ إرشادٍ، لا أمر وجوب؛ لأن الوتر ليس بواجب أصلاً.

وقد ذهب أكثر أهل العلم:  إلى أن الوتر لا يكون إلا بعد صلاة العشاء، سواء جُمعت جمع تقديم مع المغرب، أو أخّرت إلى منتصف الليل، وأما قبل صلاة العشاء، فلا يصح على الراجح.

ومن نام عن وتره أو نسيه، فله صلاته بعد الشروق إلى قبل صلاة الظهر، ركعتين ركعتين، كما في حديث عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا فاتته الصلاة من الليل، من وَجَعٍ أو غيره، صلى من النهار ثِنْتي عشرةَ ركعة.

  باب: في الوتر وركعتي الفجر

395.عن أَنسِ بنِ سِيرِينَ قال: سأَلْتُ ابنَ عُمَرَ رضي الله عنه قلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّكْعَتَيْنِ قبل صَلَاةِ الْغَدَاةِ، أَُُطِيلُ فيهما الْقراءةَ؟ قَال: كان رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، ويُوتِرُ بِرَكْعَةٍ، قال قُلْتُ: إِنِّي لَسْتُ عن هذا أَسْأَلُكَ! قَال: إِنَّكَ لَضَخْمٌ، أَلَا تَدَعُنِي أَسْتَقْرِئُ لَكَ الْحَدِيثَ، كَان رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، وَيُوتِرُ بِرَكْعَةٍ، وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ، كَأَنَّ الْأَذَانَ بِأُذُنَيْهِ.

 الشرح: قال المنذري: باب: في الوتر وركعتي الفجر. والحديث أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (1/519) وبوب عليه النووي: باب صلاة الليل مثنى مثنى، والوتر ركعة من آخر الليل. وأخرجه البخاري في الوتر (995) باب ساعات الوتر.

أنس بن سيرين هو الأنصاري، أخو محمد، تابعي ثقة، مات  سنة 18 وقيل: 20 هـ، روى له الستة.

قوله «كان رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، ويُوتِرُ بِرَكْعَةٍ» أي: هذا هو هديه وعادته في صلاة الليل، أنه كان يصلي ركعتين ركعتين، ثم يوتر بركعة واحدة، يختم بها صلاته.

وهذا الحديث: من الأحاديث الكثيرة التي تدل على جواز الإيتار بركعةٍ واحدة، خلافاً لمن منعه، كأبي حنيفة رحمه الله وأصحابه.

قوله: «إنك لضَخمٌ» إشارة إلى الغباوة والبلادة، وقلة الأدب. قالوا: لأن هذا الوصف يكون للضخم السمين غالباً، ويكون قليل الفهم، وإنما قال له ذلك ؛ لأنه قَطع عليه الكلام، وأعْجله قبل تمام حديثه.

ويستفاد من هذا أيضا: جواب السائل، بأكثر مما سأل عنه، إذا كان مما يَحتاج إليه، قاله الحافظ (2/487).

قوله «ويُصَلِّي ركْعَتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ» أي: يصلي قبل صلاة الفجر ركعتين، وهي سنة الفجر.

قوله: «أَلَا تَدَعُنِي أستقرئ لك الحديث» أستقرئ هو بالهمزة من القراءة، ومعناه: ألا تتركني أذكر لك الحديث، وآتي به على وجهه بكماله.

قوله: «ويُصلي ركعتين قبل الغداة، كأن الأذان بأذنيه» قال عياض: المراد بالأذان هنا: الإقامة، هو إشارة إلى شدة تخفيفها بالنسبة إلى باقي صلاته صلى الله عليه وسلم .

وقال الحافظ: فالمعنى أنه كان يُسرع بركعتي الفجر، إسراع من يسمع إقامة الصلاة، خشية فوات أول الوقت، ومقتضى ذلك: تخفيف القراءة فيهما انتهى.

  باب: منْ خافَ ألا يقومَ من آخر الليل فليُوتر أوّله

396.عن جابِرٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ، ومَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ، فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ، فإِنَّ صلَاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ، وذلِكَ أَفْضَلُ».

 الشرح: قال المنذري: باب: منْ خافَ ألا يقومَ من آخر الليل فليُوتر أوّله.

والحديث أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (1/520) وبوب عليه النووي بما بوب به المنذري.

قوله «مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ» وفي الرواية الأخرى له «فليُوتر ثم ليَرقد»، وقوله «ومَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ، فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ» فيه كما سبق: أن الليل كله محلٌ للوتر، وأن آخر الليل أفضل.

وفيه: دليل صحيح صريح على أن تأخير الوتر إلى آخر الليل أفضل، لمن وثق بالاستيقاظ آخر الليل، وأنّ من لا يثق بذلك، فالتقديم له أفضل.

وعليه يحمل الأحاديث المطلقة، كحديث «أوصاني خليلي ألا أنامَ إلا على وتر» فهو محمول على من لا يثق بالاستيقاظ.

قوله «فإن صلاة آخر الليل مشهودة» وفي الرواية الأخرى «فإنّ قراءةَ آخرَ الليل محضورةٌ» أي: أنها تشهدها ملائكة الرحمة وتحضرها.

وقوله «وذلك أفضل» وفيه دليل آخر على تفضيل صلاة الوتر وغيرها آخر الليل.

 192- باب: أوتروا قبل أن تصبحوا

 عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه : أَنَّ النَّبِيَّ  صلى الله عليه وسلم قَال: «أَوْتِرُوا قَبْلَ أَنْ تُصْبِحُوا».

 الشرح: قال المنذري: باب: أوتروا قبل أنْ تصبحوا. والحديث أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (1/520) وبوب عليه النووي: باب صلاة الليل مثنى مثنى، والوتر ركعة من آخر الليل.

قوله «أوتروا قبل أنْ تصبحوا» فيه دليل: على أن وقت الوتر ينتهي بطلوع الفجر؛ لأنه من صلاة الليل، وبه قال جمهور العلماء، وللأدلة الكثيرة في الباب.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك