رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 17 أغسطس، 2014 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 100 ) باب: فضل قراءة القرآن في الصلاة


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

398.عَنْ أَبِي هريرةَ  رضي الله عنه قال: قَال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ، أَنْ يَجِدَ فِيهِ ثَلَاثَ خَلِفَاتٍ عِظَامٍ سِمَانٍ؟» قُلْنا: نَعَمْ، قال: «فَثَلَاثُ آيَاتٍ يَقْرَأُ بِهِنَّ أَحَدُكُمْ في صَلَاتِهِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلَاثِ خَلِفَاتٍ عِظَامٍ سِمَانٍ».

الشرح: قال المنذري: باب: فضل قراءة القرآن في الصلاة. والحديث أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (1/552) وبوب عليه النووي: باب فضل قراءة القرآن في الصلاة وتعلمه.

قوله «أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ إِذا رَجَعَ إلى أَهْلِهِ» أي: في رجوعه إليهم، وقيل: أي في طريقه، وقال ابن حجر: أي في أهله يعني في محلهم.

قوله «ثلاث خلفات» أي: جمع خلفة بفتح فكسر، من خلفت الناقة، وهي الْحامِل مِنْ النُّوق، وهي مِنْ أَعَزّ أَموال الْعرب.

قال النووي: الخلفات الحوامل من الإبل، إلى أنْ يمضي عليها نصف أمدها، ثم هي عشار، والواحدة خلفة وعشراء.

قوله «عظام» في الكمية، «سِمان» في الكيفية والحال، والتنكير للتعظيم والتفخيم.

قوله «قلنا: نعم» وهذا بمقتضى الطبيعة البشرية، وحبها للأموال.

     قوله «فثلاث آيات» أي: فإذا كنتم تُحبون ذلك، فاعلموا أنّ قراءة ثلاث آيات من القرآن، خيرٌ من ثلاث خلفات، وقال الطيبي: الفاء في «فثلاث آيات» جزاءُ شرطٍ محذوف، فالمعنى: إذا تقرر ما زعمتم أنكم تحبون ما ذكرتُ لكم، فقد صح أنْ يفضل عليها ما أذكره لكم، من قراءة ثلاث آيات، لأن هذا من الباقيات الصالحات، وتلك من الزائلات الفانيات.

قوله «يقرأ بهن أحدكم» الباء زائدة أو للإلصاق.

     قوله «في صلاته» بيان للأكمل، وتقييد للأفضل، ولو قرأ بها خارج الصلاة، فله الأجر المذكور كذلك، كما في الرواية الأخرى له عن عقبة بن عامر: «أَفلا يَغْدُو أَحدُكُم إلَى الْمسجِدِ، فَيَعْلَمُ أَو يَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِنْ كتَابِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ، خيرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ، وثَلَاثٌ خيرٌ لَه مِنْ ثَلَاثٍ، وأَرْبَعٌ خيرٌ لَه مِنْ أَرْبَعٍ، ومِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنْ الْإِبِلِ».

- باب: في النّظائر التي يقرأ سورتين في ركعة

399.عن أَبِي وائِلٍ قال: غَدَوْنَا على عبدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه يَوْمًا بعدَ ما صَلَّيْنَا الْغَدَاةَ، فَسَلَّمْنَا بِالْبَابِ فَأَذِنَ لَنَا، قال:َ فَمَكَثْنَا بالْبابِ هُنَيَّةً، قال: فخرجَتْ الْجَارِيَةُ فَقَالَتْ: أَلَا تَدْخُلُونَ، فدخلْنَا فإِذا هو جالِسٌ يُسَبِّحُ فَقَال: ما منَعَكُمْ أَنْ تَدْخُلُوا، وقد أُذِنَ لَكُمْ؟ فَقُلْنَا: لَا، إِلَّا أَنَّا ظَنَنَّا أَنَّ بعضَ أَهْلِ الْبَيْتِ نَائِمٌ، قال: ظَنَنْتُمْ بِآلِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ غَفْلَةً؟! قال: ثُمَّ أَقْبَلَ يُسَبِّحُ، حتَّى ظَنَّ أَنَّ الشَّمْسَ قد طَلَعَتْ، فقال: يا جارِيَةُ، انْظُرِي هل طَلَعَتْ؟ قَال: فَنَظَرتْ فإِذا هي لم تَطْلُعْ، فَأَقْبَلَ يُسَبِّحُ، حتى إذا ظَنَّ أَنَّ الشَّمسَ قد طَلَعَتْ، قال: يا جارِيَةُ، انْظُرِي هل طَلَعَتْ فَنَظَرَتْ، فإِذا هي قد طَلَعَتْ، فَقَال: الحمدُ لِلَّهِ الَّذي أَقَالَنَا يومنا هذا، فقال مَهْدِيٌّ: وأَحسِبُهُ قال: ولَمْ يُهْلِكْنَا بِذُنُوبِنَا، قال: فَقَال رجُلٌ مِنْ الْقَومِ: قَرأْتُ الْمُفَصَّلَ الْبارِحَةَ كُلَّهُ، قال فقال عبدُ اللَّهِ: هَذًا كَهَذِّ الشِّعْرِ، إِنَّا لقد سَمِعْنَا الْقَرَائِنَ، وإنِّي لَأَحْفَظُ الْقَرَائِنَ الَّتِي كَانَ يَقْرَؤُهُنَّ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، ثَمانِيَةَ عَشَرَ مِنْ الْمُفَصَّلِ، وسُورَتَيْنِ مِنْ آلِ حم.

الشرح: قال المنذري: باب: في النظائر التي يقرأ سورتين في ركعة. الحديث أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (1/564) وبوب عليه النووي (6/106): باب ترتيل القراءة واجتناب الهذّ، وهو الإفراط في السُرعة، وإباحة سورتين فأكثر في ركعة.

والحديث أخرجه البخاري في الأذان (775) باب: الجمع بين السورتين في الركعة.

قوله «فمكَثْنَا بالْباب هُنَيَّةً» هُنَيَّةً: أي قليلاً من الزمان، وهو تصغير هنّة، ويقال: هُنيهة. النهاية.

قوله «ما منَعَكُمْ أَنْ تَدْخُلُوا، وقد أُذِنَ لَكُمْ؟ فَقُلْنَا: لَا، إِلَّا أَنَّا ظَنَنَّا أَنَّ بعضَ أَهْلِ الْبَيْتِ نَائِمٌ» أي: لا مانع لنا، إلا أنّا توهّمنا أنّ بعض أهل البيت نائم فنزعجه. 

قوله «فدخلْنَا فإِذا هو جالِسٌ يُسَبِّحُ» أي: يسبّح الله ويذكره، لا بمعنى أنه يتنفّل، لأن ذلك في وقتٍ يُمنع التنفّل فيه.

قوله «ظَنَنْتُمْ بِآلِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ غَفْلَةً؟!» فيه: مراقبة ابن مسعود رضي الله عنه لأهل بيته، واهتمامه بأمور دينهم.

قوله «ثُمَّ أَقْبَلَ يُسَبِّحُ، حتَّى ظَنَّ أَنَّ الشَّمْسَ قد طَلَعَتْ، فقال يا جارِيَةُ، انْظُرِي هل طَلَعَتْ؟» فيه: قَبول خبر الواحد، وخبر المرأة، والعمل بغلبة الظن مع إمكان اليقين، لأنّ ابن مسعود عمل بقول الجارية وهو مفيد للظن الغالب، مع إمكان اليقين، وهو رؤية الشمس بنفسه.

قوله «الحمدُ لِلَّهِ الَّذي أَقَالَنَا يومنا هذا» أي: صفح عنا، ولم يُؤاخذنا بذنوبنا، وأمهلنا يوماً آخر.

قوله «فَقَال رجُلٌ مِنْ الْقَومِ: قَرأْتُ الْمُفَصَّلَ الْبارِحَةَ كُلَّهُ» ومعنى هذا: أن الرجل يخبر بكثرة حفظه وإتقانه.

والمفصل اختلف في مبدئه، فقيل: من سورة محمد صلى الله عليه وسلم ، وقيل: من سورة الحجرات، وقيل: من سورة ق، وهو الأصح.

وسُمي بذلك: لكثرة الفصل بين سوره بسطر: بسم الله الرحمن الرحيم.

قوله «فقال عبدُ اللَّهِ: هَذًا كَهَذِّ الشِّعْرِ» هذّ الشعر: هو الاسترسال في إنشاده والإسراع فيه، من غير تدّبرٍ في معانيه، وهذا إنكارٌ من ابن مسعود على الرجل، لإسراعه في قراءة القرآن، من غير ترتيلٍ ولا تدّبر له.

وفي رواية أبي داود «أهَذًا كَهَذِّ الشِّعْرِ، ونثراً كنثر الدّقْل» والدقل: هو التمر الرديء، يتناثر متتابعاً من غير ترتيب، فشبّه المُسرع في قراءته بذلك.

أو: أنه ينثر استهانة به.

وفيه: النهي عن الهذّ، والحثُ على الترتيل والتدّبر، وبه قال جمهور العلماء، قاله النووي.

وفي الرواية الأخرى لمسلم «إنّ أقواماً يقرؤون القرآن لا يُجاوز تَراقيهم، ولكن إذا وَقَعَ في القلب فرسخ فيه نفع» والتراقي: هي عظام أعالي الصدر، وهو كناية عن عدم الفهم ! كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم به الخوارج، إذْ قال: «لا يُجاوز حناجرهم» (المفهم 2/454).

فمعناه: إنّ قوماً ليس حظّهم من القرآن، إلا مُروره على اللسان، فلا يُجاوز تراقيهم ليصل قلوبهم، وليس ذلك هو المطلوب! بل المطلوب تعقّله وتدبره بوقوعه في القلب، قاله النووي.

قوله «إِنَّا لقد سَمِعْنَا الْقَرَائِنَ، وإنِّي لَأَحْفَظُ الْقَرَائِنَ الَّتِي كَانَ يَقْرَؤُهُنَّ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم » وفي الرواية الأخرى «لقد علمتُ النظائر التي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بهن» القرائن والنظائر، قيل: هي السور المتقاربة في المقدار.

وقال الحافظ ابن حجر: السور المتماثلة في المعاني، كالموعظة أو الحكم أو القصص، لا المتماثلة في عدد الآي، لما سيظهر عند تعينها.

قال المحب الطبري: كنت أظن أن المراد أنها متساوية في العد، حتى اعتبرتها فلم أجد فيها شيئا متساوياً. (الفتح 2/259).

     قوله «ثَمانِيَةَ عَشَرَ مِنْ الْمُفَصَّلِ» هذا تفسيرٌ من ابن مسعود للنظائر، وقد بينها في رواية أبي داود فقال: «الرحمن والنجم في ركعة، واقتربت والحاقة في ركعة، والطور والذاريات في ركعة، والواقعة ونون في ركعة، وسأل سائل والنازعات في ركعة، وويل للمطففين وعبس في ركعة، وهل أتى ولا أقسم في ركعة، وعم يتساءلون والمرسلات في ركعة، والدخان وإذا الشمس كورت في ركعة «قال أبوداود: هذا تأليف ابن مسعود. أي: هكذا ترتيب السور في مصحفه.

وهذا مفسر لرواية «ثماني عشرة» وزاد في رواية ابن الأعرابي: والمدثر والمزمل في ركعة، فكملت عشرين.

قوله «وسُورَتَيْنِ مِنْ آلِ حم» يعني السور التي أولها (حم)، كقولك: فلان من آل فلان. ويجوز أن يكون المراد (حم) نفسها، كما قال في الحديث «من مزامير آل داود» أي: داود نفسه.

وقوله «وسُورَتَيْنِ مِنْ آلِ حم» دليل على أن المفصل ما بعد آل حم.

فائدة: قال العلماء: أول القرآن: السبع الطوال، ثم ذوات المئين، وهو ما كان في السورة منها مائة آية ونحوها، ثم المثاني، ثم المفصل.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك