رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 25 أغسطس، 2014 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 101 ) باب: ما جـــــاء في صــــلاة رمضـــــان

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

400. عن عُروةُ بنُ الزُّبيرِ : أَنَّ عائشَةَ رضي الله عنها أَخبرتهُ : أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ ، فَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ فَصَلَّى رِجَالٌ بصَلَاتِهِ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ يَتَحَدَّثُون بذلك، فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ فَصَلَّوْا بِصَلَاتِهِ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ يَذْكُرُون ذلك، فَكَثُرَ أَهْلُ الْمسجِدِ مِنْ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ، فَخَرَجَ فَصَلَّوْا بِصلَاتِهِ، فَلَمَّا كانت اللَّيلةُ الرَّابعةُ ، عَجَزَ الْمَسْجِدُ عن أَهْلِهِ ، فَلَم يَخْرُجْ إِلَيهم رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَطَفِقَ رجالٌ منهم يَقُولون: الصَّلَاةَ فَلَمْ يَخْرُجْ إلَيهم رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، حتَّى خرَجَ لصلاةِ الْفجرِ ، فَلَمَّا قَضى الْفجرَ أَقْبَلَ على النَّاسِ ، ثُمَّ تَشَهَّدَ فَقال : « أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ لم يَخْفَ علَيَّ شَأْنُكُم اللَيلَةَ، ولكنِّي خشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عليكم صلاةُ اللَّيْلِ، فَتَعْجِزُوا عنها» وفي رواية : وذلك في رمضان .

الشرح : قال المنذري : باب: ما جاء في صلاة رمضان .

والحديث أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (1/524 ) وبوب عليه النووي ( 6/41 ) : باب الترغيب في قيام رمضان، وهو التراويح .

وقد رواه البخاري في كتاب التهجد (1129) باب: تحريض النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة الليل والنوافل من غير إيجاب .

وفي كتاب صلاة التراويح (2012 ) فضل من قام رمضان .

قولها: «أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ، فَصَلَّى في الْمسجِدِ فصلَّى رِجَالٌ بصَلَاتِهِ»؛ قال النووي: فيه: جواز النافلة جماعة، ولكن الاختيار فيها الانفراد، إلا في نوافل مخصوصة، وهي العيد والكسوف والاستسقاء، وكذا التراويح عند الجمهور .

وفيه: جواز النافلة في المسجد، وإنْ كان البيتُ أفضل، ولعل النبي صلى الله عليه وسلم إنما فعلها في المسجد ، لبيان الجواز، وأنه كان معتكفاً .

     وفيه : جواز الاقتداء بمن لم ينو إمامته، قال النووي: وهذا صحيح على المشهور من مذهبنا ومذهب العلماء، ولكن إنْ نوى الإمام إمامتهم بعد اقتدائهم، حصلت فضيلة الجماعة له ولهم، وإنْ لم ينوها، حصلت لهم فضيلة الجماعة ، ولا يحصل للإمام - على الأصح -  لأنه لم ينوها، والأعمال بالنيات، وأما المأمومون فقد نووها .

     قولها: «فَأَصْبَحَ النَّاسُ يَتَحَدَّثُون بذلك»؛ أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم البارحة، فرغبوا في ذلك، ولذلك كثروا في الليلة القابلة وازداد عددهم في مسجده صلى الله عليه وسلم، قالت عائشة رضي الله عنها: «فَكَثُرَ أَهلُ الْمسجِدِ مِنْ اللَّيْلَةِ الثَالثَةِ، فَخَرَجَ فصلَّوا بِصلَاتِهِ ، فَلَمَّا كانت اللَّيلةُ الرَّابعةُ، عَجَزَ الْمَسْجِدُ عن أَهْلِه»؛ أي: امتلأ المسجد حتى عجز عن استيعابهم لكثرتهم، رضي الله عنهم، وهذا من حرصهم على الخير ، وحبهم للقربات .

     قولها: «فَلَم يَخْرُجْ إِلَيهم رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَطَفِقَ رجالٌ منهم يَقُولون: الصَّلَاةَ ، فَلَمْ يَخْرُجْ إلَيهم رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، حتَّى خرَجَ لصلاةِ الْفجر»؛ أي: ترك النبي صلى الله عليه وسلم الخروج إليهم، والصلاة بهم، وظنوه نائماً، فكان بعضهم يناديه ويقول: الصلاة! الصلاة! فلم يخرج إليهم ، حتى حانت صلاة الفجر .

قولها: «فَلَمَّا قَضى الْفجرَ أَقْبَلَ على النَّاسِ، ثُمَّ تَشَهَّدَ فَقال: «أَمَّا بَعْد»؛ فيه: استحباب التشهد في صدر الخطبة والموعظة، وفي حديث سنن أبي داود: من حديث أبي هريرة مرفوعا: «كل خُطبةٍ ليس فيها تشهدٌ، فهي كاليد الجَذْماء» .

وفيه : استحباب قول : «أما بعد» في الخُطب ، قال النووي : وقد جاءت به أحاديث كثيرة في الصحيح مشهورة ، وقد ذكر البخاري في صحيحه باباً في البداءة في الخُطبة بـ «أما بعد»، وذكر جملةً من الأحاديث .

وفيه : أنّ السُّنة في الخُطبة والموعظة ، استقبالُ الجماعة.

قولها: « فَإِنَّهُ لم يَخْفَ علَيَّ شَأْنُكُم اللَيلَةَ، ولكنِّي خشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عليكم صلاةُ اللَّيْلِ، فَتَعْجِزُوا عنها». وفي رواية: وذلك في رمضان . أي : تشق عليكم، فتتركوها ، وربما مع قدرتكم عليها .

وهذا من شفقته ورحمته صلى الله عليه وسلم بأمته، كما قال الله عز وجل: {لقد جَاءكم رسُولٌ منْ أنفسكم عزيزٌ عليه ما عَنتمْ حَريصٌ عليكم بالمؤمنين رءوفٌ رحيم } التوبة . 

وكما جاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما سبّح رسول الله صلى الله عليه وسلم سُبحة الضحى قط، وإني لأُسبّحها، وإنْ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدعُ العملَ، وهو يُحبُ أنْ يعملَ به خشيةَ أنْ يعملَ به الناس، فيُفرض عليهم» رواه البخاري (1128).

وفيه: إذا تعارضت مصلحة وخوف مفسدة، أو تعارضت مصلحتان ، اعتبر أهمهما؛ لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم رأى أنْ الصلاة في المسجد مصلحة ، لكن لما عارضه خوف الافتراض عليهم، تركه لعظم المفسدة ، التي تخاف من عجزهم وتركهم للفرض .

وفيه: اعتذار الإمام وكبير القوم، إذا فعل شيئاً خلاف ما يتوقعه منه أتباعه، وكان له فيه عذر، أنْ يذكره لهم، تطييباً لقلوبهم، وإصلاحاً لذات البين، لئلا يَظنوا به ظنَّ السوء .

والحديث فيه: مشروعية صلاة القيام في رمضان جماعة، وكذا صلاة التراويح لأنها من قيام الليل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد فعله وشرعه لأصحابه، وإنما تركه خشية أنْ يفرض عليهم كما سيأتي ذكره، وعلى ذلك اتفق العلماء سلفاً وخلفاً.

     ومما يدل على مشروعيتها أيضا: ما رواه الترمذي (799 ): عن أَبي ذَرَ قال:‏ ‏(صُمْنَا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يُصَلّ بنا حتّى بَقِيَ سَبْعٌ مِنَ الشّهْرِ، فقام بنا حتى ذَهَبَ ثُلُثُ اللّيْلِ، ثُمّ لَمْ يَقُمْ بِنَا في السّادِسَةِ وقَامَ بِنَا في الخَامِسَةِ ، حتّى ذَهَبَ شَطْرُ اللّيلِ ، فَقُلْنَا له : يا رسول الله ، لو نفّلْتَنَا بَقِيّةَ لَيْلَتِنَا هَذِهِ‏ ؟‏ فَقَالَ : « إنّهُ مَنْ قَامَ مع الإمامِ حَتّى يَنْصَرِفَ ، كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ.‏ ثُمّ لَمْ يُصَلّ بِنَا حَتى بَقِيَ ثَلاَثٌ مِنَ الشهْرِ، وصَلّى بِنَا في الثّالِثَة ، وَدَعَا أَهْلَهُ ونِسَاءَهُ، فَقَامَ بِنَا حَتّى تَخَوّفْنَا الفَلاَحَ ، قُلْتُ لَهُ‏ :‏ ومَا الفَلاَحُ‏ ؟‏ قالَ‏:‏ ‏‏السّحورُ‏» ‏‏.‏

- باب: في قيام رمضان والترغيب فيه

401.عن أَبي هُريرة رضي الله عنه قال : كَان رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُرَغِّبُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرهُمْ فِيهِ بِعَزِيمَةٍ ، فَيَقُولُ : « مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم والْأَمْرُ عَلَى ذلك ، ثُمَّ كان الْأَمْرُ عَلَى ذلك في خِلَافةِ أَبي بَكْرٍ، وصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ عَلَى ذَلِكَ.

الشرح : قال المنذري : باب : في قيام رمضان والترغيب فيه . والحديث أخرجه مسلم في صلاة المسافرين ( 1/523 ) وبوب عليه النووي ( 6/41) : باب الترغيب في قيام رمضان، وهو التراويح.

وقد رواه البخاري  في كتاب صلاة التراويح (2009 ) فضل من قام رمضان .

     قوله: «كَان رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُرَغِّبُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ؛ أي: يحثهم عليه. «مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرهُمْ فِيهِ بِعَزِيمَةٍ»؛ أي: بوجوب، قال الإمام النووي رحمه الله: قوله: «من قام رمضان» هذه الصيغة تقتضي الترغيب والندب دون الإيجاب ، واجتمعت الأمة على أن قيام رمضان ليس بواجب ، بل هو مندوب .

قوله: «من قام رمضان إيمانا؛ أي: تصديقاً بأنه حقٌ، معتقداً فضيلته، واحتساباً: أي يريد به وجه الله وحده، لا رؤية الناس ولا غير ذلك، مما يخالف الإخلاص .

قوله: «غفر له ما تقدم من ذنبه» ظاهره يتناول الصغائر والكبائ، وبه جزم ابن المنذر! وقال النووي: المعروف أنه يختص بالصغائر .

قلت: وهو المشهور عند العلماء، أنه مختص بغفران الصغائر دون الكبائر، لقوله تعالى: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم}(النساء: 31) . فوعدهم الله سبحانه إذا اجتنبوا كبائر الذنوب، أنْ يغفر لهم جميع السيئات .

وفي الحديث عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الصلواتُ الخمسُ ، والجُمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان، كفارةٌ لما بينهن ما لم تغش الكبائر» رواه مسلم .

وقال بعضهم: ويجوز أنْ يخفف من الكبائر إذا لم يصادف صغيرة .

     قوله: «فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم والْأَمْرُ عَلَى ذلك، ثُمَّ كان الْأَمْرُ عَلَى ذلك في خِلَافةِ أَبي بَكْرٍ، وصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ عَلَى ذَلِكَ؛ أي: استمر المسلمون على ذلك، وهو أن كل واحد يقوم رمضان في بيته منفردا في عهد أبي بكر رضي الله عنه ، وصدرا من خلافة عمر ، أي : أولها ، حتى جمعهم عمر رضي الله عنه على أُبي بن كعب .

     زاد البخاري ومالك في الموطأ : عن ابنِ شِهابٍ عن عُروةَ بْن الزُّبيرِ عن عبدِ الرَّحْمَن بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ أَنَّهُ قال : خرجتُ مع عُمَرَ بْنِ الْخطَّابِ رضي اللَّه عنه لَيْلَةً في رَمَضَانَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُون ، يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ ، ويُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلاَتِهِ الرَّهْطُ ، فَقَال عُمَرُ : إِنِّي أَرى لو جَمَعْتُ هَؤُلاَء علَى قَارِئٍ وَاحِدٍ ، لَكَان أَمْثَل ، ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، ثُمَّ خَرَجْتُ معه لَيْلَةً أُخْرَى ، والنَّاسُ يُصَلُّون بِصَلاَةِ قَارِئِهِمْ ، قَالَ عُمَرُ : نِعْمَ الْبِدْعَةُ هذه ، والَّتي يَنَامُون عنها أَفْضَلُ مِنْ الَّتِي يَقُومُونَ . يُرِيدُ : آخرَ اللَّيْل ، وكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ».

قال الإمام ابن بطال رحمه الله: وفي جمع عمر الناس على قارئٍ واحد، دليلٌ على نظر الإمام لرعيته، في جمع كلمتهم، وصلاح دينهم.

وقال المهلب: وفيه أنّ اجتهاد الإمام ورأيه في السنن، مسموعٌ منه مؤتمر له فيه، كما ائتمر الصحابة لعمر فى جمعهم على قارئ واحد؛ لأن طاعتهم لاجتهاده واستنباطه طاعة لله تعالى، لقوله: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِى الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ } (النساء : 83)  .

وفيه: جواز الاجتماع لصلاة النوافل، وفيه أن الجماعة المتفقة في عمل الطاعة مرجو بركتها، إذْ دعاء كل واحد منهم يشمل جماعتهم، فلذلك صارت صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة، فيجب أن تكون النافلة كذلك .

     وفيه : أن قيام رمضان سُنة؛ لأن عمر لم يسن منه إلا ما كان رسول الله يحبه، وقد أخبر عليه السلام بالعلة التي منعته من الخروج إليهم، وهى: خشية أنْ يفترض عليهم، وكان بالمؤمنين رحيمًا ، فلما أمن عمر أن تفترض عليهم فى زمانه، لانقطاع الوحي؛ أقام هذه السُنة وأحياها، وذلك سنَةَ أربع عشرة من الهجرة في صدر خلافته .

      قال المهلب: وفيه أن الأعمال إذا تركت لعلة، وزالت العلة، أنه لا بأس بإعادة العمل، كما أمر عمر صلاة الليل في رمضان بالجماعة، وفيه أنه يجب أن يؤم القوم أقرؤهم، فلذلك قال عمر: أُبَى أقرؤنا، فلذلك قدّمه عمر، وهذا على الاختيار إذا أمكن؛ لأنّ عمر قدّم أيضًا تميمًا الدارى ، ومعلوم أن كثيرًا من الصحابة أقرأ منه، فدل هذا أن قوله عليه السلام: «يؤم القوم أقرؤهم» إنما هو على الاختيار .

وقول عمر: نعم البدعة. فالبدعة اختراع ما لم يكن قبل، فما خالف السنة فهو بدعة ضلالة، وما وافقها فهو بدعة هُدى، وقد سُئل ابن عمر عن صلاة الضحى فقال: بدعة، ونعم البدعة .

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك