رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 8 سبتمبر، 2014 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 103 ) بــــاب: فـضــــــــــل يَـــــــــــوْمِ الْــــجُــــمُـــــعَــــــــةِ

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

403.عن أَبي هريرةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم  قال: «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وفيه أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا، ولَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ».

الشرح: قال المنذري: باب: فضل يوم الجُمُعة.

والحديث أخرجه مسلم في كتاب الجمعة (2/585)، وبوب عليه النووي (6/ 141) باب: فضل يوم الجمعة.

قوله «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْه الشَّمْسُ، يَوْمُ الْجُمُعَةِ» فيه فضل يوم الجمعة، ومزيته على سائر الأيام، وأنه أفضل الأيام. واختلف في التفضيل بينه وبين يوم عرفة، والراجح أنه أفضل منه، لصريح الأحاديث فيه، كما سيأتي بعضها. كما تضمن بعض الأسباب التي فُضِّل بسببها يوم الجمعة.

     قوله «فيهِ خُلِقَ آدَمُ، وفِيه أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وفيه أُخْرِجَ مِنْها، ولَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا في يَوْمِ الْجُمُعَة» قال الْقاضي عِياض: الظَّاهِر أَنَّ هذه الْفَضَائِل الْمَعدُودة، ليستْ لِذكْرِ فضِيلَته؛ لأَنَّ إخراج آدَم، وقيام السَّاعة، لا يُعَدّ فَضيلَة، وإنما هو بيان لِما وقعَ فيه مِنْ الأُمُور الْعِظَام، وما سَيَقَعُ، لِيَتَأَهَّب الْعبد فيه بالأعمال الصَّالحة لنيلِ رحمة اللَّه، ودَفْع نِقْمَته.

     وقال أَبُو بكر بن الْعَربيّ فِي كتابه (الأَحْوَذِيّ فِي شَرح التِّرْمذيّ): «الجَميع مِنْ الْفَضَائِل، وخُرُوج آدَم مِنْ الْجَنَّة، هو سَبَب وُجُود الذُّرِّيَّة، وهَذَا النَّسْل الْعَظيم، ووُجُود الرُّسُل والْأَنْبياء، والصَّالحِينَ والأَوْلِيَاء، ولم يَخرُج منها طَرْدًا، بل لِقَضاءِ أَوْطَار ثُمَّ يَعود إِليها، وأَمَّا قيام السَّاعة، فَسَبَبٌ لِتَعْجِيلِ جزاء الأَنْبياء، والصِّدِّيقينَ والأَولياء وغيرهم، وإظْهَار كَرامَتهم وشَرفهم».

ومن الأحاديث في فضل يوم الجمعة:

     ما رواه أوس بن أوس رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَومَ الْجُمُعَةِ، فيه خُلِقَ آدَمُ علَيه السَّلَام، وفيه قُبِضَ، وفيه النَّفْخَةُ، وفيه الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ علَيَّ»، قَالُوا: يا رسول اللَّه، وكَيْفَ تُعْرَضُ صلاتُنَا عليكَ، وقد أَرَمْتَ؟- أَيْ يقُولُون قد بَلِيتَ - قال: «إِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلّ-َ قَدْ حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلام». رواه أبو داود (1047) وصححه ابن القيم في تعليقه على سنن أبي داود (4/273). والألباني في صحيح أبي داود (925).

     وعن أَبِي لُبَابَةَ بنِ عبدِ الْمُنْذِرِ قال: قَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ يومَ الْجُمُعَةِ سَيِّدُ الأَيَّامِ، وأَعْظَمُهَا عند اللَّهِ، وهو أَعْظَمُ عند اللَّهِ مِنْ يَوْمِ الأَضْحَى، ويومِ الْفِطْرِ، فيه خمسُ خِلالٍ: خَلَقَ اللَّهُ فِيهِ آدَمَ، وأَهْبَطَ اللَّهُ فِيهِ آدَمَ إِلَى الأَرْضِ، وفِيهِ تَوَفَّى اللَّهُ آدَمَ، وفيه ساعةٌ لا يَسْأَلُ اللَّهَ فيها الْعَبْدُ شَيْئًا إِلا أَعْطَاهُ، ما لَم يَسْأَلْ حَرَامًا، وفيه تَقُومُ السَّاعةُ، ما مِنْ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ، ولا سمَاءٍ ولا أَرْضٍ، ولا رِياحٍ ولا جبالٍ ولا بَحْرٍ، إِلا وهُنَّ يُشْفِقْنَ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ». رواه ابن ماجه (1084). وحسَّنه الشيخ الألباني.

قال السندي: «يُشْفِقْنَ مِنْ يوْم الْجُمُعَة» مِنْ قِيَام السَّاعَة، وفِيه أَنَّ سَائِر الْمَخْلُوقَات تَعْلَم الأَيَّام بِعيْنها، وأَنَّهَا تَعْلَم أَنَّ الْقِيَامَة تَقُوم يَوْم الْجُمُعَة اهـ

199- باب: في الساعة التي في يَوْمِ الْجُمُعَةِ

 404.عن أَبي هريرةَ قال: قال أَبُو الْقَاسمِ صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً، لَا يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ قَائِمٌ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا، إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ» وقال بِيدهِ: يُقَلِّلُها يُزَهِّدُها.

الشرح: قال المنذري: باب: في الساعة التي في يومِ الْجُمُعةِ. وفيه حديثان:

الحديث الأول: أخرجه مسلم في كتاب الجمعة (2/583 - 584)، وبوب عليه النووي باب: في الساعة التي في يوم الجمعة.  والحديث رواه البخاري في الطلاق (5295) باب: الإشارة في الطلاق والأمور.

قوله «إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً» يدل على أنّ في الجمعة ساعة إجابة، أي: يستجاب فيها الدعاء. «لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله خيراً، إلا أعطاه إياه».

وقد اختلف في تحديد وقت هذه الساعة، على أقوال كثيرة، أصحّها قولان، كما قال الإمام ابن القيم رحمه الله: «وأرجح هذه الأقوال: قولان تضمنتهما الأحاديث الثابتة، وأحدهما أرجح من الآخر:

- الأول: أنها من جلوس الإمام إلى انقضاء الصلاة، وحُجة هذا القول ما روى مسلم في صحيحه (853): عن أَبي بُرْدَةَ بنِ أَبي موسى الْأَشْعَرِيِّ قال: قال لي عبدُ اللَّهِ بنُ عُمر: أَسمعتَ أَباكَ يُحَدِّثُ عن رسول اللَّه -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم- في شأْنِ ساعةِ الْجُمُعةِ؟ قال: قلتُ: نعم ؛ سمعتُهُ يقولُ: سمعتُ رسول اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم- يقُولُ: «هيَ ما بينَ أَنْ يَجلسَ الْإِمَامُ، إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ».

وهو الحديث الثاني في الباب. قال: والقول الثاني: أنها بعد العصر، وهذا أرجحُ القولين، وهو قول عبد الله بن سلام، وأبي هريرة، والإمام أحمد، وخلقٌ.

وحجة هذا القول: ما رواه أحمد في مسنده (7631) عن أَبي سعيدٍ الْخُدْرِيِّ وأَبي هُريرة أَنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم  قال: «إِنَّ في الْجُمُعَةِ ساعةً، لَا يُوافِقُهَا عبدٌ مُسلمٌ، يَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ فيها خَيرًا، إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وهي بعدَ الْعَصْرِ» (وهو حديثٌ صحيح بشواهده).

وروى أبو داود (1048) والنسائي (1389): عن جابر بنِ عبدِ اللَّه عن رسولِ اللَّهِ -صلّى اللَّهُ عليه وسلَّم- قال: «يومُ الْجُمُعَةِ اثْنَتَا عشْرةَ ساعةً، لَا يُوجَدُ فيها عَبْدٌ مُسلمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ شَيئًا، إِلَّا آتَاهُ إِيَّاهُ، فَالْتَمِسُوها آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ» (صححه الألباني).

وروى سعيد بن منصور في سننه: عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن: أنّ ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم  اجتمعوا، فتذاكروا الساعة التي في يوم الجمعة، فتفرّقوا ولم يختلفوا أنها آخر ساعة من يوم الجمعة. (وصحح الحافظ إسناده في الفتح 2/489).

     وفي سنن ابن ماجه (1139): عن عبد اللَّه بنِ سَلَامٍ قال قُلْتُ ورسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  جالسٌ: «إِنَّا لَنَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ: في يَوْمِ الْجُمُعَةِ ساعَةً، لَا يُوافقها عبدٌ مُؤمنٌ يُصلِّي، يَسْأَلُ اللَّهَ فيها شَيْئًا، إِلَّا قَضَى لَه حَاجَتَهُ، قال عبدُاللَّه: فَأَشَارَ إِلَيَّ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم  : أَوْ بَعْضُ سَاعَةٍ، فَقُلْتُ: صدَقْتَ، أَو بَعْضُ سَاعَةٍ. قُلْتُ: أَيُّ سَاعَةٍ هِيَ؟ قَال: هي آخِرُ ساعاتِ النَّهَارِ. قلْتُ: إِنَّها ليستْ سَاعَةَ صَلَاةٍ؟! قَال: بَلَى، إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا صَلَّى ثُمَّ جَلَسَ، لَا يَحْبِسُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ، فَهُوَ فِي الصَّلَاةِ». وصححه الألباني.

     وفي سنن أبي داود (1046) والترمذي (491) والنسائي (1430): من حديث أَبي سَلَمةَ بنِ عبدِ الرَّحمنِ عن أَبِي هُريرةَ قال: قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : «خَيرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يومُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وفِيه أُهْبِطَ، وفِيه تِيبَ عَلَيْهِ، وفيه مَاتَ، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا وَهِيَ مُسِيخَةٌ يومَ الْجُمُعَةِ، مِنْ حِينَ تُصْبِحُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، شَفَقًا مِنْ السَّاعَةِ، إِلَّا الْجِنَّ والْإِنْسَ، وفيه ساعةٌ لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسلمٌ وهو يُصلِّي، يَسأَلُ اللَّهَ حاجةً إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاها» قال كعبٌ: ذلك في كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ؟ فقلتُ: بَلْ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ، قال فقرأَ كعبٌ التَّوراةَ فقال: صَدَقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم . قال أَبوهُريرةَ: ثُمَّ لقيتُ عبدَ اللَّه بنَ سلَامٍ فَحَدَّثْتُهُ بمجلسي مع كَعْبٍ، فقال عبدُ اللَّهِ بنُ سَلَامٍ: قَد علمتُ أَيَّةَ سَاعَةٍ هيَ. قَال أَبُوهُرَيْرَةَ: فَقُلْتُ له: فأَخبرني بِهَا، فَقَال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: هِي آخِرُ ساعةٍ من يومِ الْجُمُعَةِ، فَقُلْتُ: كيف هي آخِرُ ساعةٍ مِنْ يومِ الْجُمُعَةِ، وقد قَال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : «لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وهُوَ يُصَلِّي» وتلْك السَّاعَةُ لَا يُصَلِّي فِيها؟! فَقَال عبدُ اللَّهِ بنُ سلَامٍ: أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «مَنْ جلسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ، فَهُوَ فِي صَلَاةٍ حَتَّى يُصليَ»؟ قال فَقُلْتُ: بَلَى، قال: هو ذَاكَ. قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وفي الصحيحين بعضه. (وصححه الألباني)» انتهى من «زاد المعاد» مختصرا (1/388-393).

قوله: «وقال بِيدهِ: يُقَلِّلُها يُزَهِّدُها» وقال بيده: أي أشار بها، وهو من إطلاق القول على الفعل. وفي البخاري: «ووضع أنملته على بطن الوسطى والخنصر. قلنا: يُزَهِّدُها» أي يقللها، أي: هي ساعة وتنقضي.

الحديث الثاني في الباب:

405. عن أَبي بُرْدَةَ بنِ أَبي مُوسى الْأَشْعَريِّ قال قال: لي عبدُ اللَّهِ بنُ عُمرَ: أَسمعتَ أَباكَ يُحدِّثُ عنْ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم  في شَأْنِ ساعةِ الْجُمُعَةِ، قال قلتُ: نعم، سمعتُهُ يقولُ: سمعتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  يقولُ: «هيَ مَا بينَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ، إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ».

الشرح: الحديث الثاني في الباب، وهو في ساعة الإجابة أيضا. قوله «هيَ مَا بينَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ، إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ» أي: ساعة الإجابة يوم الجمعة تكون حينئذ، وهو قولٌ قوي فيها، قال الإمام ابن القيم: لأن اجتماع المسلمين، وصلاتهم وتضرّعهم وابتهالهم إلى الله تعالى، تأثيراً في الإجابة، فساعة اجتماعهم، ساعةٌ تُرجى فيها الإجابة، وعلى هذا تتفق الأحاديث كلها، ويكون النبي صلى الله عليه وسلم  قد حضّ أمته على الدعاء والابتهال إلى الله تعالى في هاتين الساعتين. انتهى (زاد المعاد 1/394).

وعلى القول بأنها من جلوس الإمام إلى انقضاء الصلاة، لا يعني ذلك أن المأموم ينشغل بالدعاء أثناء الخطبة، ويُعرض عن سماع الخطبة، بل يستمع للخطبة، ثم يُؤمّن على دعاء إمامه فيها، وكذا يدعو في صلاته، في سجوده، وقبل سلامه.

ويكون بذلك قد أتى بالدعاء في هذه الساعة العظيمة، وإنْ أضاف إلى ذلك الدعاء في آخر ساعة بعد العصر، فهو أولى وأفضل وأحسن.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك