رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 16 سبتمبر، 2014 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 104 ) باب: ما يقرأ في صلاة الفجر يَوْمِ الْجُمُعَةِ

 الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

406.عن ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ  صلى الله عليه وسلم كان يَقْرَأُ في صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ {الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (السجدة:1-2). و{هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} (الإنسان:1)، وأَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَقْرَأُ في صلَاةِ الْجُمُعَةِ: سُورَةَ (الْجُمُعَةِ والْمُنَافِقِونَ).

الشرح: قال المنذري: باب: ما يقرأ في صلاة الفجر يومِ الْجُمُعَةِ. والحديث رواه مسلم في الجمعة (2/599) وبوب عليه النووي: باب ما يقرأ في يوم الجمعة. والحديث قد رواه البخاري في كتاب الجمعة (891) باب ما يُقْرأ في صلاة الفجر يومَ الجمعة.

قال الزين ابن المنير: مناسبة ترجمة الباب لما قبلها - وهو لبس أحسن ما يجد والطيب والسواك - أنّ ذلك من جملة ما يتعلق بفضل يوم الجمعة، لاختصاص صبحها بالمواظبة على قراءة هاتين السورتين.

ويومُ الجمعة هو أفضل الأيام، كما سبق، وهو عيد الأسبوع، فلذا خصه الشرع بجملة من الفضائل والخصائص، والأعمال الصالحة والقربات.

قوله «أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَقْرَأُ في الفجر يوم الجمعة» في رواية كريمة والأصيلي «في الجمعة في صلاة الفجر».

والمراد أنه كان يقرأ في كل ركعة بسورة، وكذا بيّنه مسلم بلفظ «(الم تَنْزيل) في الركعة الأولى، وفي الثانية: (هلْ أتَى عَلى الإنسانِ)».

وفيه دليل: على استحباب قراءة هاتين السورتين، في هذه الصلاة من هذا اليوم، لما تُشعر صيغة «كان» من مواظبته صلى الله عليه وسلم على ذلك، أو إكثاره منه.

وقال ابن دقيق العيد في الكلام على حديث الباب: ليس في الحديث ما يقتضي فعل ذلك دائما اقتضاء قويا! هكذا قال!

     فرد عليه الحافظ ابن حجر بقوله: وأما دعواه أنّ الناس تركوا العمل به فباطلة؛ لأنّ أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين، قد قالوا به، كما نقله ابن المنذر وغيره، حتى إنه ثابت عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف والد سعد، وهو من كبار التابعين من أهل المدينة، أنه أمّ الناس بالمدينة بهما في الفجر يوم الجمعة، أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح، وكلام ابن العربي يُشعر بأن ترك ذلك أمرٌ طرأ على أهل المدينة، لأنه قال: وهو أمرٌ لم يعلم بالمدينة؛ فالله أعلم بمن قطعه كما قطع غيره اهـ.

قال: وقد اختلف تعليل المالكية بكراهة قراءة السجدة في الصلاة، فقيل: لكونها تشتمل على زيادة سجود في الفرض، قال القرطبي: وهو تعليل فاسد بشهادة هذا الحديث.

وقيل: لخشية التخليط على المصلين، ومن ثم فرّق بعضهم بين الجهرية والسرية؛ لأن الجهرية يُؤمن معها التخليط، لكن صحّ من حديث ابن عمر: أنه صلى الله عليه وسلم قرأ سورة فيها سجدة، في صلاة الظهر، فسجد بهم فيها، أخرجه أبو داود والحاكم، فبطلت التفرقة.

ومنهم من علّل الكراهة: بخشية اعتقاد العوام أنها فرض، قال ابن دقيق العيد: أما القول بالكراهة مطلقاً، فيأباه الحديث، لكن إذا انتهى الحال إلى وقوع هذه المفسدة، فينبغي أنْ تُترك أحيانا لتندفع، فإنّ المستحب قد يترك لدفع المفسدة المتوقعة، وهو يحصل بالترك في بعض الأوقات اهـ.  وسُئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: عن الصلاة يوم الجمعة بالسجدة، هل تجب المداومة عليها أم لا؟

     فأجاب: الحمد لله، ليست قراءة (الم) (تنزيل) التي فيها السجدة، ولا غيرها من ذوات السجود واجبة في فجر الجمعة، باتفاق الأئمة، ومن اعتقد ذلك واجباً، أو ذمّ من ترك ذلك، فهو ضالٌ مخطئ، يجب عليه أن يتوب من ذلك باتفاق الأئمة، وإنما تنازع العلماء في استحباب ذلك وكراهيته، فعند مالك: يكره أنْ يقرأ بالسجدة في الجهر! والصحيح: أنه لا يكره، كقول أبي حنيفة والشافعي وأحمد؛ لأنه قد ثبت في الصحيح: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سجد في العشاء بـ (إذا السماء انشقت). وثبت عنه في الصحيحين: أنه كان يقرأ في الفجر يوم الجمعة (الم) (تنزيل) و (هل أتى).

     قال: وعند مالك: يكره أنْ يقصد سورةً بعينها، وأما الشافعي وأحمد فيستحبون ما جاءت به السُنّة، مثل «الجمعة والمنافقون» في الجمعة، و«الذاريات واقتربت» في العيد، و(ألم تنزيل) و(هل أتى) في فجر الجمعة. لكن هنا مسألتان نافعتان: إحداهما أنه لا يُستحب أنْ يقرأ بسورة فيها سجدة أخرى باتفاق الأئمة، فليس الاستحباب لأجل السجدة، بل للسورتين والسجدة جاءت اتفاقاً، فإن هاتين السورتين، فيهما ذكر ما يكون في يوم الجمعة من الخلق والبعث.

الثانية: أنه لا ينبغي المداومة عليها؛ بحيث يتوهم الجُهّال أنها واجبة، وأن تاركها مسيء، بل ينبغي تركها أحياناً، لعدم وجوبها، والله أعلم».

وقال: «النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ السورتين كلتيهما ، فالسُنة قراءتهما بكمالهما». مجموع الفتاوى (24 / 204 - 206).

قلت: وإذا لم يستطع الإتيان بهما، أتى بما يستطيع، لقوله صلى الله عليه وسلم «وما أمرتكم به، فأتوا منه ما استطعتم» متفق عليه.

     وقال الحافظ ابن حجر: فائدتان: الأولى: لم أرَ في شيء من الطرق التصريح بأنه صلى الله عليه وسلم سجد، لما قرأ سورة تنزيل السجدة في هذا المحل، إلا في كتاب الشريعة لابن أبي داود: من طريق أخرى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: غدوتُ على النبي [ يوم الجمعة في صلاة الفجر، فقرأ سورة فيها سجدة فسجد. الحديث، وفي إسناده من ينظر في حاله.

وللطبراني في الصغير: من حديث علي «أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في صلاة الصبح في تنزيل السجدة » لكن في إسناده ضعفا.

     الفائدة الثانية: قيل الحكمة في اختصاص يوم الجمعة بقراءة سورة السجدة، قصد السجود الزائد، حتى إنه يستحب لمن لم يقرأ هذه السورة بعينها، أنْ يقرأ سورة غيرها فيها سجدة! وقد عاب ذلك على فاعله غيرُ واحد من العلماء، ونسبهم صاحب (الهدي) - يعني ابن القيم - إلى قلة العلم ونقص المعرفة، لكن عند ابن أبي شيبة بإسناد قوي: عن إبراهيم النخعي أنه قال: يُستحب أنْ يقرأ في الصبح يوم الجمعة بسورة فيها سجدة.

وعنده من طريقه أيضا: أنه فعل ذلك فقرأ سورة مريم.  ومن طريق ابن عون قال: كانوا يقرؤون في الصبح يوم الجمعة، بسورة فيها سجدة.

وعنده من طريقه أيضا قال: وسألت محمدا - يعني ابن سيرين - عنه فقال: لا أعلم به بأسا.  قال: فهذا قد ثبت عن بعض علماء الكوفة والبصرة، فلا ينبغي القطع بتزييفه! كذا قال! ولا يخفى ما فيه.

قال: وقد ذكر النووي في «زيادات الروضة» هذه المسألة، وقال: لم أر فيها كلاماً لأصحابنا، ثم قال: وقياس مذهبنا: أنه يكره في الصلاة إذا قصده اهـ.

وقد أفتى ابن عبد السلام قبله بالمنع، وببطلان الصلاة بقصد ذلك، قال صاحب المهمات: مقتضى كلام القاضي حسين الجواز.

وقال الفارقي في (فوائد المهذب): لا تستحب قراءة سجدة غير تنزيل، فإنْ ضاق الوقت عن قراءتها، قرأ بما أمكن منها ولو بآية السجدة منها، ووافقه ابن أبي عصرون في كتاب (الانتصار)، وفيه نظر (الفتح).

     وسورتا السجدة والإنسان، تشتركانِ في جملةٍ من المعاني العظيمة الجليلة، منها: قصة خلْق الإنسان، وتذكيره بهذه النعمة، ثم حياته وموته، ثم بعثه يوم القيامة، وغير ذلك، فكان من حِكمة الشارع الحكيم التذكير بذلك، والإنسان محتاج إلى تَكرار التذكير؛ لئلا ينسى أصلَه، فيكفر بالخالق أو يجحد حقه، أو يبغي على الخلق ويتكبر.

     قال الإمام ابن القيم قي الزاد: وسمعتُ شيخَ الإِسلامِ ابنَ تَيْميّة يقولُ: إنّما كان النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقرأُ هاتينِ السّورتينِ في فجرِ الْجُمُعةِ؛ لأَنّهُما تَضمّنتا ما كان ويكونُ في يومها، فإِنّهما اشتملَتَا علَى خَلْقِ آدمَ، وعلَى ذِكْرِ الْمَعَادِ، وحَشْرِ الْعباد، وذلك يكونُ يومَ الْجُمعةِ، وكأن في قراءَتِهما في هذا الْيومِ تَذْكيرا للأُمّة بما كان فيه ويكونُ، والسّجْدةُ جاءَتْ تَبَعًا ليستْ مقْصُودَةً حتّى يقصدَ الْمُصَلّي قراءَتها حيثُ اتّفَقَتْ. اهـ.

وكذا قال الحافظ: إنّ الحكمة في هاتين السورتين: الإشارة إلى ما فيهما من ذكر خلق آدم، وأحوال يوم القيامة؛ لأن ذلك كانَ، وسيقع يوم الجمعة، ذكره ابن دحية في العلم المشهور، وقرّره تقريراً حسنا.

- فائدة: ومما جاء في فضل صلاة الفجر يوم الجمعة:

قوله صلى الله عليه وسلم : «أفضلُ الصلواتِ عند الله، صلاةُ الصُبح يوم الجُمعة، في جماعة» رواه أبو نعيم في الحلية والبيهقي في الشعب (انظر السلسلة الصحيحة 1566).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك