رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 22 سبتمبر، 2014 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 105 ) بـــاب: فـــــي غُســـــل الجمعـــــة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

407.عن أَبُي هُريرة قال : بَينما عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ يَخْطُبُ النَّاسَ يومَ الْجُمُعَةِ، إِذْ دَخلَ عُثْمَانُ بنُ عفَّانَ، فَعَرَّضَ بِهِ عُمَرُ فقال: ما بالُ رِجالٍ يَتَأَخَّرُونَ بَعْدَ النِّدَاءِ؟! فقال عُثْمَانُ : يا أَميرَ الْمُؤْمِنِينَ، ما زِدْتُ حِينَ سَمِعْتُ النِّدَاءَ، أَنْ تَوَضَّأْتُ، ثُمَّ أَقْبَلْتُ ، فقال عُمَرُ : والوُضُوءَ أَيضًا؟! أَلَمْ تَسْمَعُوا رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «إِذا جَاءَ أَحدُكُمْ إِلَى الْجُمُعَةِ ، فَلْيَغْتَسِل».

الشرح: قال المنذري : باب : في غسل الجمعة. والحديث أخرجه مسلم في أول كتاب الجمعة ( 2/580 ). ورواه البخاري في كتاب الجمعة (878 ) باب فضل الغسل يوم الجمعة .

قوله «بَينما عُمَرُ بنُ الخطابِ يَخْطُبُ النَّاسَ يومَ الجُمُعَةِ، إِذْ دَخلَ عُثْمَانُ بنُ عفَّانَ في رواية البخاري «إذ دخل رجلٌ من المهاجرين الأولين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ».

قوله: «فَعَرَّضَ بِهِ عُمَرُ فقال: ما بالُ رِجالٍ يَتَأَخَّرُونَ بَعْدَ النِّدَاءِ؟!» وفي رواية البخاري «فناداه عمر : أيةُ ساعةٍ هذه ؟» .

     قوله: « فقال عُثْمانُ : يا أَميرَ الْمُؤمنينَ، ما زِدْتُ حين سَمِعْتُ النِّدَاءَ ، أَنْ تَوَضَّأْتُ ، ثُمَّ أَقْبَلْتُ» في رواية البخاري «إني شُغلتُ فلم أنقلبْ إلى أهلي حتى سمعتُ التأذين». وفيه: الاعتذار إلى ولاة الأمور وغيرهم .

وفيه: إباحة العمل والتصرف يوم الجمعة قبل النداء .

     قوله: «فقال عمرُ: والوُضوءَ أَيضا ؟!» في رواية البخاري: « فلم أزدْ على أنْ توضأت «أي: لم أشتغل بشيءٍ بعد أنْ سمعت النداء إلا بالوضوء، وهذا يدل على أنه دخل المسجد ، في ابتداء شروع عمر في الخطبة» قاله الحافظ .

وقول عُمرُ: «والوُضوءَ أَيضا؟!» إنكارٌ عليه. والمعنى: ما اكتفيت بالتأخر، وتفويت فضيلة التبكير للجمعة، حتى تركتَ الغسل، واقتصرت على الوضوء؟!

وفيه: تفقد الإمام رعيته، وأمرهم بمصالح دينهم، والإنكار على المخالف للسُنة، وإنْ كان كبير القدر، ولو في مجمعٍ من الناس، إذا أُمنت الفتنة، ليرتدع من هو دونه بذلك .

وفيه: جواز كلام الخطيب مع الناس وسؤالهم .

وفيه: الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر في أثناء الخطبة .

ولم يأت في الروايات جوابٌ لعثمان رضي الله -عنه -لعمر -رضي الله عنه-، والظاهر أنه سكت، واكتفى بالاعتذار الأول .

قال الحافظ : وإنما تركَ الغُسل؛ لأنه تعارضَ عنده إدراك سماع الخُطبة، والاشتغال بالغسل، وكلٌ منهما مرغّب فيه، فآثر سماع الخُطبة، ولعله كان يرى فرضيته فلذلك آثره، والله أعلم. انتهى.

ولأن الغُسل ليس شرطاً لصحة الصلاة.

     قوله: «أَلَمْ تَسمعُوا رسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يقولُ: «إِذا جاءَ أَحدُكُمْ إلَى الْجُمُعَةِ، فَلْيَغْتَسلْ «فَلْيَغْتَسلْ»: الفاء للتَّعْقيب, وظاهره أَنَّ الْغُسْل يَعْقُب الْمَجيء , وليس ذلك الْمُراد ، وإنَّما التَّقدير: إذا أَرادَ أَحدكُم المجيء للجمعة فليغتسل, وقد جاء مُصرَّحًا به في رواية مُسلم، ولفظه: «إِذا أَرادَ أَحدُكم أَنْ يأْتي الْجُمُعَة، فَلْيَغْتَسِلْ «ونظير ذلك قولُه تعالى: ( إِذَا نَاجَيْتُمْ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً) المجادلة: 12. فإِنَّ المعنى إذا أَردتُم الْمُناجاة ، بلا خِلَاف بين المفسرين .

     ويُقَوِّي ذلك حديثُ أَبي هريرة وهو بلفظ «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْم الْجُمُعَة ثُمَّ رَاحَ «فهو صريحٌ في تَأْخير الرَّواح عن الغُسل, وعُرِفَ بهذا فساد قول مَنْ حَمَلَه عَلَى ظاهره، واحتُجَّ به على أَنَّ الْغُسْل لليوم لا للصَّلاةِ ! لأنَّ الحديث واحد ومُخَرِّجه واحد . ( انظر الفتح ) .

وفي رواية البخاري: «وقد علمتَ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يأمر بالغسل ؟!» .

     وقد اختلف في وجوب غسل الجمعة، وقد لخّص النووي رحمه الله ذلك في شرح مسلم (133/6) فقال: واختلف العلماء في غسل الجمعة، فحُكي وجوبه عن طائفة من السلف، حكوه عن بعض الصحابة، وبه قال أهل الظاهر، وحكاه ابن المنذر عن مالك، وحكاه الخطابي عن الحسن البصري ومالك، وذهب جمهور العلماء من السلف والخلف وفقهاء الأمصار، إلى أنه سُنةٌ مستحبة ليس بواجب ، قال القاضي: وهو المعروف من مذهب مالك وأصحابه، واحتج من أوجبه بظواهر هذه الأحاديث ، واحتج الجمهور بأحاديث صحيحة منها: حديث الرجل الذي دخل وعمر بن الخطاب يخطب، وقد ترك الغسل ، وقد ذكره مسلم، وهذا الرجل هو عثمان بن عفان، جاء مبيناً في الرواية الأخرى، ووجه الدلالة: أن عثمان فعله وأقره عمر وحاضرو الجمعة، وهم أهلُ الحلّ والعقد، ولو كان واجباً لما تركه ولألزموه.

ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ توضأ، فَبِها ونِعْمت، ومن تغسل فالغسل أفضل» حديث حسن في السنن المشهورة، وفيه دليل: على أنه ليس بواجب .

     ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: «لو اغْتَسلتُم يوم الجمعة»، وهذا اللفظ يقتضي أنه ليس بواجب؛ لأنّ تقديره لكان أفضل وأكمل، ونحو هذا من العبادات. وأجابوا عن الأحاديث الواردة في الأمر به، بأنها محمولة على الندب، جمعاً بين الأحاديث .

وقد ذهب ابن حزم لخلافه، فرجّح الوجوب، وحشد على ذلك الأدلة من السنة؛ حيث قال: «وغُسل الجمعة فرضٌ لازم لكل بالغ، من الرجال والنساء، وكذلك الطيب والسواك .

قال: برهان ذلك: قال صلى الله عليه وسلم «غُسلُ يوم الجمعة واجبٌ على كلّ محتلم، وأنْ يَستنّ ، وأنْ يَمس طيباً» .

     قال: وروينا إيجاب الغسل أيضا مسنداً من طريق عمر بن الخطاب وابنه وابن عباس وأبي هريرة، كلها في غاية الصحة، فصار خبراً متواتراً، وممن قال بوجوب فرض الغسل يوم الجمعة : عمر بن الخطاب بحضرة الصحابة -رضي الله عنهم- لم يخالفه فيه أحدٌ منهم .. إلخ كلامه في كتابه : المحلى (2/8) .

     وكذا مال إليه ابن دقيق العيد في (شرح عمدة الأحكام)؛ حيث قال: ذهب الأكثرون إلى استحباب غسل الجمعة، وهم محتاجون إلى الاعتذار عن مخالفة هذا الظاهر : «غسل يوم الجمعة واجب»، وقد أولوا صيغة الأمر على الندب، وصيغة الوجوب على التأكيد، كما يقال : إكرامك عليّ واجب! وهو تأويلٌ ضعيف ! إنما يُصار إليه إذا كان المعارض راجحاً على الظاهر ، وأقوى ما عارضوا به هذا الظاهر، حديث: «مَنْ توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل» ولا يعارض سنده سند هذه الأحاديث . انتهى .

وحديث : «مَنْ توضأ يوم الجمعة فَبَها ونِعمت» أُعلّ بعنعنة الحسن عن سمرة، والاختلاف فيه .

     فالحاصل أن الأحاديث على أنه واجبٌ، أقوى من الأحاديث التي لا تُفيد ذلك، فينبغي المحافظة على فعله قدر الإمكان، وأيضا لما ورد من الترغيب فيه، ولما في فعله من الخروج من الخلاف المعتبر، والله أعلم .

 وقد سئل فضيلة الشيخ  ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم الاغتسال يوم الجمعة، وهل وردت فيه أحاديث ؟

     فأجاب: الاغتسال يوم الجمعة واجب على كل بالغ عاقل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «غسل الجمعة واجب على كل محتلم «فصرّح النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنه واجب، ومن المعلوم أن أعلم الخلق بشريعة الله رسول الله، ومن المعلوم أن أنصح الخلق لعباد الله: رسول الله، ومن المعلوم أن أعلم الناس بما يقول الله تعالى هو: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومن المعلوم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أفصح العرب، فإذا اجتمعت هذه الأمور الأربعة، وقال: «غسلُ الجمعة واجبٌ على كل محتلم «فكيف نقول ليس بواجب؟! لو أنّ هذه العبارة جاءت في متنٍ من المتون، الذي ألّفه عالمٌ من العلماء، وقال فيه : فصل: غسل الجمعة واجب، لم يشك أحدٌ يقرأ هذا الكتاب، إلا أن المؤلف يرى وجوبه هذا، وهو آدميٌ معرض للخطأ والصواب، فكيف والقائل بذلك محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟! ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قيد هذا الوجوب بما يقتضي الإلزام؛ حيث قال: «على كل محتلم «أي بالغ، وهذا يدل على أنّ الغسل ملزم به .

     قال: وأما ما يروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في غسل الجمعة: «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل» فهذا فيه نظر من جهة سنده، ومن جهة متنه، ثم لا يمكن أنْ يُعارض به حديث أبي سعيد الثابت في الصحيحين وغيرهما ، الصريح الواضح . انتهى من فتاوى نور على الدرب .

     وجاء عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه كان أول الإسلام، لما كان يصيبهم العرق، فعن عكرمة: أن أناساً من أهل العراق جاؤوا فقالوا: يا ابن عباس، أترى الغسل يوم الجمعة واجباً؟ قال: لا، ولكنه أطهر وخير لمن اغتسل، ومن لم يغتسل فليس عليه بواجب، وسأخبركم كيف بدأ الغسل: «كان الناس مجهودين، يلبسون الصوف، ويعملون على ظهورهم، وكان مسجدهم ضيقاً مقارب السقف إنما هو عريش، فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في يوم حار، وعرق الناس في ذلك الصوف، حتى ثارت منهم رياح آذى بذلك بعضهم بعضاً، فلما وجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تلك الريح ، قال: «أيها الناس، إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا، وليمس أحدكم أفضل ما يجد من دهنه وطيبه». قال ابن عباس: ثم جاء الله بالخير ولبسوا غير الصوف، وكفوا العمل، ووسّع مسجدهم، وذهب بعض الذي كان يؤذي بعضهم بعضاً من العرق. رواه أبو داود وإسناده حسن .

وهو اجتهاد منه رضي الله عنه ، وفيه أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- الناس بالغسل ، والأحاديث تدل على استمرار الحكم .

     ومما ورد في فضل الغسل يوم الجمعة، أنّ للمغتسل فيه، والماشي إليه، بكل خطوة أجر سنّة صيامها وقيامها، فقد روى أوس بن أوس -رضي الله عنه- قال: قال صلى الله عليه وسلم : «مَنْ غَسّل واغتسل يومَ الجمعة ، وبكّر وابْتكر، ودَنَا من الإمام فأنصت ، كان له بكل خطوةٍ يخطوها صيامُ سنة ، وقيامها ، وذلك على الله يسير» رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه ابن خزيمة .

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك