رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 29 سبتمبر، 2014 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 106 ) بـــاب: الطِّيــــب والسّــــواك يَــــوْم الْــجُـمُـــعَـــــةِ

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

408. عن أَبي سعيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه: أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  قال: «غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ، وَسِوَاكٌ، ويَمَسُّ مِنْ الطِّيبِ، مَا قَدَرَ عليه».

 الشرح: قال المنذري: باب: الطيب والسواك يَوْم الْجُمُعَةِ. والحديث رواه مسلم في الجمعة (2/581) وبوب عليه النووي: باب الطيب والسواك يوم الجمعة.

 قوله «غُسلُ يوم الجمعة على كل محتلم» هكذا ورد في هذه الرواية، وليس فيه ذكر كلمة «واجب».

لكن حرف «على» يُستفاد منه الوجوب، كما في قوله تعالى { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ} (آل عمران: 97).

     ومن فضل الغسل يوم الجمعة: ما جاء عن عبد الله بن أبي قتادة رضي الله عنه قال: دخل علي أبي وأنا أغتسل يوم الجمعة فقال غسلك هذا من جنابة أو للجمعة؟ قلت: من جنابة، قال: أعد غُسلاً آخر إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول: «منْ اغتسلَ يومَ الجُمعة، كان في طهارةٍ إلى الجمعة الأخرى». رواه الحاكم (1044) الصحيحة (2321).

والصحيح: أنه يكفيه غسلٌ واحد للجنابة والجمعة، وعليه الجمهور.

     قال أبو حاتم: قوله صلى الله عليه وسلم : «لم يزلْ طاهراً إلى الجمعة الأخرى» يريد به من الذنوب، لأنّ مَن حضر الجمعة بشرائطها، غُفر له ما بينها وبين الجمعة الأخرى. قوله «وسواك ويمس من الطيب» معناه: ويُسن له السواك، ومس الطيب، ويجوز في «يمس» فتح الميم وضمها.

     قوله «ما قدر عليه» قال القاضي: محتمل لتكثيره، ومحتمل لتأكيده حتى يفعله بما أمكنه، ويؤيده قوله «ولو من طيب المرأة» وهو المكروه للرجال، وهو ما ظَهَر لونه وخفي ريحه، فأباحه للرجل هنا للضرورة، لعدم غيره، وهذا يدل على تأكيده، والله أعلم. «وزيادة ولو من طيب امرأته» رواها أبو داود (344).

      وقد رواه أحمد بلفظ: «من اغتسل يوم الجمعة، واستاك ومسَّ من طيب إنْ كان عنده، ولبسَ أحسنَ ثيابه، ثم خرج حتى يأتي المسجد، فلم يَتخطّ رقابَ الناس، حتى ركعَ ما شاء أنْ يركع، ثم أنصتَ إذا خرج الإمام، فلم يتكلم حتى يفرغ من صلاته، كانت كفارة لما بينها، وبين الجمعة التي قبلها».

     وعن الْبَرَاء بن عَازِبٍ، قَالَ: قال رسولُ اللهِ  صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ مِنَ الْحَقِّ على الْمُسلمينَ، أَنْ يَغتسلَ أَحدُهم يومَ الْجُمُعَة، وأَنْ يَمَسَّ مِنْ طِيبٍ إِنْ كان عند أَهلهِ، فَإِنْ لم يكنْ عندهم طِيبٌ، فإِنَّ الْماءَ أَطْيَبُ». أخرجه أحمد (4/282) والترمذيّ (528).

 وقد تساهل الناس بهذه السنن! وهي: التطيب، والتسوك، ولبس أحسن الثياب، وأما إذا كان أحدهم ذاهبًا لحفل أو مناسبة، فتراه متطيباً لابساً أحسن الثياب؟!

     وقد قال تعالى أيضا: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا  إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ  قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ  كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} الأعراف:31-32).

 203- باب: فضلُ التَّهْجير يَوْم الْجُمُعَةِ

 409.عن أَبي هُريرةَ يقولُ: قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «إِذا كان يومُ الْجُمُعةِ، كان علَى كُلِّ بابٍ مِنْ أَبْوابِ الْمسجِدِ، ملائِكَةٌ يَكْتُبُونَ الْأَوَّلَ فالْأَوَّلَ، فإِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ طَوَوْا الصُّحُفَ، وجاؤُوا يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ، ومَثَلُ الْمُهَجِّرِ، كمَثَلِ الذي يُهْدِي الْبَدَنَةَ، ثُمَّ كالَذي يُهْدِي بَقَرَةً، ثُمَّ كالذي يُهْدِي الْكَبْشَ، ثُمَّ كالذي يُهْدِي الدَّجَاجَةَ، ثُمَّ كالذي يُهْدِي الْبَيْضَةَ».

 الشرح: قال المنذري: باب: فضل التهجير يَوْم الْجُمُعَةِ. والحديث رواه مسلم في الجمعة (2/582) وبوب عليه النووي: باب الطيب والسواك يوم الجمعة.

ورواه البخاري في الجمعة ( 881) باب فضل الجمعة، وفي (929) باب الاستماع إلى الخطبة، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

وفي بدء الخلق ( 3211) باب ذكر الملائكة.

      قوله «إِذا كان يومُ الْجُمُعةِ، كان على كلِّ بابٍ مِنْ أَبوابِ الْمسجِدِ، ملائِكَةٌ يَكْتُبُونَ الْأَوَّلَ فالْأَوَّلَ»، ورواه أَحمد في مسنده (18/ 293) بلفظ: «إِذا كان يومُ الْجُمُعةِ، قَعَدَتِ الْمَلَائِكَةُ على أَبْوابِ الْمَسْجِدِ، فَيَكْتُبُونَ النَّاسَ مَنْ جَاءَ مِنَ النَّاسِ، علَى مَنَازِلِهِمْ، فَرَجُلٌ قَدَّمَ جَزُورًا، ورَجُلٌ قَدَّمَ بَقَرَةً، ورَجُلٌ قَدَّمَ شَاةً، ورَجُلٌ قَدَّمَ دَجَاجَةً، ورَجُلٌ قَدَّمَ عُصْفُورًا، ورَجُلٌ قَدَّمَ بَيْضَةً»، قَال: «فَإِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ، وجَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ، طُوِيَتِ الصُّحُفُ، ودخلوا الْمسْجِدَ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» وإِسناده جيد. صحيح الترغيب (711).

وفي رواية أبي هريرة عند البخاري «منْ اغتسلَ يوم الجمعة غسل الجنابة، ثم راح فكأنما قرب بدنة...» ويُستفاد منه: استحبابُ الْغسْل يَوْم الْجُمُعَة، وفَضِيلَة التبكير.

قوله «فإِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ طَوَوْا الصُّحُفَ» فيه أنه لا يستحب التبكير للإمام، وينبغي أن يدخل من أقرب الأبواب للمنبر، لئلا يتخطّى رقاب الناس.

قوله «وجاؤُوا يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» يدل على أن الملائكة المذكورين غير الحفظة.

وقد قال جماهير الْعلماء باستحباب التبكير إلى الجمعة أول النَّهار، والساعات عندهم من أول النَّهار، والرواح يكون أول النَّهار وآخره.

وقال الأزهري: لغة الْعرب أَنّ الرواح: الذّهاب، سَوَاء كان أول النَّهار أَو آخره أَو في اللَّيْل، وهذا هو الصَّواب الَّذي يَقْتَضيه الحديث.

     والْمعنى: أن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أخبر أَنّ الْملائكة تكْتب مَن جاءَ فِي السَّاعة الأولى، وهو كالمهدي بَدَنَة، ثمَّ من جاءَ في السَّاعَة الثَّانِيَة، ثمَّ فِي الثَّالثَة، ثمَّ في الرابعة، ثمَّ في الْخامسة، وفي رواية النسائي: «السَّادسة» فإِذا خرج الإِمام طَوَوْا الصُّحُف، ولم يكتبوا بعد ذلك، فَدلَّ على أَنه لَا شيء من الفضيلة لمن جاءَ بعد الزَّوَال، ولأَن ذكر السَّاعات إِنما كَان للحث على التبكير إلى الجمعة وانتظارها، والترغيب في فضيلة السَّبق إليها، وتحصِيل الصَّفّ الأول، والاشتغال بالتنفل والذكر قبلها، ونحو ذلك من الأعمال، وهذا كُله لَا يحصل بالذهاب بعد الزَّوَال، ولا فضيلة لمن أَتَى بعد الزَّوال، لأَن النداء يكون حينئِذٍ، كما يحرم التَّخَلُّف عنها بعد النداء.

      قال العيني في شرحه: الْحاصل أَن الْجُمهور حملوا السَّاعات الْمذكورة في الحديث، على السَّاعات الزمانية، كما في سائر الأَيَّام، وقد روى النَّسائيّ: أَنه صلى الله عليه وسلم قال: «يَوْمُ الْجُمُعَة اثْنَتَا عشرَة سَاعَة». وأما أهل علم الْميقات، فيجعلون ساعات النَّهَار ابتداءها من طُلُوع الشَّمْس، ويجعلون الْحصَّة الَّتِي من طلوع الْفجر إلى طُلُوع الشَّمْس، من حساب اللَّيل، واستواء اللَيل والنهار عندهم، إذا تساوى ما بين الْمغرب وطلوع الشَّمْس، وما بين طُلُوع الشَّمْس وغروبها، فَإِن أُرِيد السَّاعَات على اصطلاحهم، فيكون ابْتداء الوقْت المرغب فيه لذهاب الْجُمُعة، من طُلُوع الشَّمْس، وهو أحد الْوجهين للشَّافعيَّة.

وقال الْمَاوَرْدِيّ: إِنَّه الأَصح، ليَكُون قبل ذلك من طُلُوع الْفجْر، زمان غُسل وتأهب.

 وقال الرُّوْيَانِيّ: في تهذيب الأنساب (2/ 44): إِن ظاهر كَلام الشَّافعي: أَن التبكير يكون من طُلُوع الفجر، وصححهُ الرَّوْيَانيّ، وكذلك صاحب (الْمُهذّب) قبله، ثمَّ الرَّافعيّ والنَّووي.

وقال الرَّافعي: ليس المراد من السَّاعات على اختلاف الْوُجُوه: الأَربع والعشرين، الَتي قُسم اليوم واللَيلة عليها، وإنَّما المُراد تَرتيب الدَّرجات، وفضل السَّابق على الَذي يَليه.

      قَوْله «ومَثَلُ الْمُهَجِّرِ، كمَثَلِ الذي يُهْدِي الْبَدَنَةَ» وفي الرواية الأخرى «قرب بَدَنَة» ورواية أحمد «فَرَجُلٌ قَدَّمَ جَزُورًا» أَي: تصدّق ببدنة متقربا إلَى الله تعالى، وقيل: المراد أَن للمبادر في أول ساعة، نظير ما لصاحب الْبَدنَة من الثَّواب في القربان، ويشهد له رواية ابن جريج عند عبدالرزاق «فله من الأجر مثل الجزور» ( الفتح 2366).

وقيل: ليس المراد بالحديثِ إلاّ بيَان تفَاوت المبادرين إِلَى الْجُمُعة، وأَن نِسْبَة الثاني من الأول، كنسْبَة الْبقرة إلَى الْبَدنَة في الْقيمة مثلا!

      قَوْله «ثُمَّ كالَذي يُهْدِي بَقَرَةً» التَّاء فيها للواحدة. قال الْجَوهري: الْبَقر اسْم جنس، والْبقَرة تقع على الذكر والْأُنْثَى، وإِنما دخله الْهاء على أَنه واحد من جنس، والبقرات جمع بقرة،... وهو مُشْتَقّ من: البَقْر، وهو: الشق، فإنَّها تبقر الأرض، أَي: تشقّها بالحراثة.

قَوْله «ثُمَّ كالذي يُهْدِي الْكَبْشَ» وفي رواية «كَبْشًا أقرن» والْكَبْش: هو الْفَحْل، وإِنَما وصف بالأقرن، لأَنه أكمل وأحسن صُورة؛ ولأَن الْقرن ينْتَفع بِهِ، وفيه فضيلَة على الأجمّ.

     قَوْله «ثُمَّ كالذي يُهْدِي الدَّجَاجَةَ» بِكَسْر الدَّال وفتحها لُغَتَانِ مشهورتان، وَحكى الضَّم أَيْضا. والدجاجة تقع على الذّكر وَالْأُنْثَى، وسميت بذلك لإقبالها وإدبارها، وجمعها: دَجَاج ودجائج ودجاجات، ذكره ابن سَيّده.

ودخلت الهاء في الدَّجَاجَة؛ لِأَنَّهُ واحد من جنس. قَوْله «ثُمَّ كالذي يُهْدِي الْبَيْضَةَ» الْبيضة واحدة من الْبيض، والجمع: بيوض وبيضات.

      وفيه: أَن مراتِب النَّاس فِي الْفضِيلَة على حسب أَعْمَالهم. وَفيه: أَن القربان وَالصَّدَقَة، تقع على الْقَلِيل وَالْكثير، وقد جَاءَ فِي النَّسَائِيّ بعد الْكَبْش: «بطة ثمَّ دجَاجَة ثمَّ بَيْضَة» وفي أُخرى: «دجَاجَة ثمَّ عُصْفُور ثمَّ بَيْضَة» وإسنادهما صحيح. وفيه: إِطْلَاق القربان على الدَّجَاجَة والبيضة، لِأَن المُرَاد من التَّقَرُّب التَّصَدُّق، ويجوز التَّصَدُّق بالدجاجة والبيضة وَنَحْوهما.

      وَفِيه: أَن التَّضْحِيَة من الْإِبِل أفضل من الْبَقر؛ لِأَن صلى الله عليه وسلم قدمها أَولا وتلاها بالبقرة، وأَجْمعُوا عليه في الْهَدَايَا، واخْتلفُوا فِي الْأُضْحِية فمذهب أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَالْجُمْهُور: أَن الْإِبِل أفضل ثمَّ الْبَقر ثمَّ الْغنم كالهدايا، ومذهب مالك: أَن الْغنم أفضل، ثمَّ الْبَقر ثمَّ الْإِبِل، قَالوا: لِأَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين، وهو فدَاء إِسْمَاعِيل علَيه الصَّلَاة وَالسَّلَام، وحجَّة الْجُمْهُور: حَدِيث الْبَاب مَعَ الْقيَاس على الْهَدَايَا، وفعله صلى الله عليه وسلم لَا يدل على الْأَفْضَلِيَّة، بل على الْجَوَاز، ولَعَلَّه لم يجد غَيره، كَمَا ثَبت فِي (الصَّحِيح) أَنه صلى الله عليه وسلم : ضحى عَن نِسَائِهِ بالبقر.

      وفيه: الْمَلَائِكَة المذكورون غير الْحفظَة، ووظيفتهم كِتَابَة حاضريها. قَالَه الْمَاوَرديّ والنَّوويّ، وروى أَحمد فِي (مسنده 36/ 581): عن أبي أُمَامَة رَضِي الله عنه سمِعْت رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم  يَقُولُ: «تَقْعُدُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَيَكْتُبُونَ الْأَوَّلَ والثَّانِي وَالثَّالِثَ، حَتَّى إِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ رُفِعَتِ الصُّحُفُ» حسنه في صحيح الترغيب (710) والحفظة لَا يفارقون من وكلوا عَلَيْهِم.

 وفيه: حُضُور الْمَلَائِكَة إِذا خرج الإِمَام ليسمعوا الْخطْبة، لِأَن المُرَاد من قوله «يَسْتَمِعُون الذّكر» هو الْخطْبَة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك