رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 20 أكتوبر، 2014 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 107 ) باب: صلاة الجمعة حين تزول الشمس

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

410.عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَال: كُنَّا نُجَمِّعُ مَعَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  إِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ نَرْجِعُ نَتَتَبَّعُ الْفَيْءَ.

الشرح: قال المنذري: باب: صلاة الجمعة حين تزول الشمس. والحديث رواه مسلم في الجمعة (2/589) وبوب عليه النووي: باب صلاة الجمعة حين تزول الشمس. ورواه البخاري في الجمعة (904): باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس، عن أنس بن مالك رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُصلي الجمعة حين تَميلُ الشمس.

     سلمة بن الأكوع رضي الله عنه  منسوب إلى جدّه، واسم أبيه: عمرو، واسم الأكوع: سِنان بن عبد الله. واخْتُلف في صُحبة جدّه، وكان من أَصحاب الشَّجرة، أي: من أهل بيعة الرضوان، وهي التي قال النبي صلى الله عليه وسلم  في شأن أصحابها: «لا يَدْخُلُ النَّارَ- إِنْ شاء اللَّهُ - منْ أَصحابِ الشَّجرةِ أَحَدٌ، الذين بَايَعُوا تحتَها». رواه مسلم.

وعن يَزيد بن أَبي عُبيدٍ مولَى سَلَمَةَ بنِ الأَكْوعِ قال: قلتُ لِسلمةَ: على أَيِّ شَيءٍ بَايَعْتُمْ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يومَ الحُدَيْبِيَة؟ قال: على الْمَوْتِ. رواه البخاري ومسلم.

     قال ابن حجر: أول مشاهده الحديبية، وكان من الشجعان، ويَسبق الفَرَس عَدْوًا، وبايع النبي صلى الله عليه وسلم عند الشجرة على الموت. اهـ.  قوله: «نُجمِّع» أي: نُصلّي الجمعة. قوله: «إِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ» أي: إذا مالت، وهو وقت الظهر.

     قوله: «ثُمَّ نَرْجِعُ نَتَتَبَّعُ الْفَيْءَ» وفي رواية: «وما نجد للحيطان ظلاٌ» أي: أنه ظل قليل، فكانوا يتتبعونه لقصره عن الحيطان، وذلك لشدة التبكير في صلاة الجمعة. وهذه الأحاديث ظاهرة في تعجيل الجمعة قبل الزوال.

     وقد اختلف العلماء في وقت الجمعة، فمذهب الجمهور: أن وقتها هو وقت الظهر، ومذهبُ الإمام أحمد جواز فعلها قبل الزوال، أي: قبل دخولِ وقت الظهر، وقد أشبع النووي القول في المسألة، وأورد الحجج وذكر وجوه الاستدلال، وأجاد وأفاد، فقال رحمه الله في المجموع: فرع: في مذاهب العلماءِ في وقْت الجُمُعة، قد ذكرنا أَنَّ مذْهبنا: أَنَّ وقتها وقتُ الظُّهرِ، ولا يجوزُ قبله، وبه قال مالكٌ وأَبو حنيفةَ وجمهورُ العلماء من الصحابة والتَّابعين فمنْ بعدهم.

قَال القاضي أَبو الطَّيِّب: حُكِيَ عنه أَنَّه قال: في السَّاعة الْخامسة، وقال أَصحابه: يجوز فِعلها في الْوقت الذي تُفْعَلُ فيه صلاةُ العيد. وقال الخِرَقِيُّ: في السَّاعةِ السَّادسة.

     قال الْعَبْدَرِيُّ قال العلماءُ كافَّةً: لا تَجوزُ صلاةُ الْجُمُعَةِ قبل الزَّوالِ، إلَّا أَحمدَ، ونقل الماوَرْدِيُّ في الحاوي عن ابن عباسٍ كَقولِ أحمد، ونقلَهُ ابنُ الْمُنْذرِ عن عطاءٍ وإسحاق، قال: ورُوِي ذلك بِإسنادٍ لا يَثْبُتُ عن أَبي بكر وعمرَ وابن مسعودٍ ومعاويةَ.

واحتُجَّ لأحمدَ بحديث جابر قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم  يُصلي الجُمُعَةَ، ثمَّ نَذْهبُ إلَى جِمَالِنا فَنُرِيحُها، حين تَزُولُ الشَّمْسُ. رواه مسلم.

     وعن سلَمةَ بن الْأكْوعِ قال كُنَّا نُصلِّي مع رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْجُمُعَةَ، ثُمَّ نَنْصَرِفُ وليس لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ نَسْتَظِلُّ به. رواه البخاريُّ ومسلم، وفي رواية لمسلمٍ: نَجْمعُ مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم  إذا زَالَتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ نَرْجِعُ نَتَتَبَّعُ الْفَيْءَ.

وعن سهلِ بن سعدٍ قال: ما كُنَّا نَقِيلُ ولا نَتَغَذَّى إلَا بعد الْجُمعَةِ، في عَهْدِ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم . رواه البخاريُّ ومسلم، وليس في روايةِ الْبخاريّ: في عَهْدِ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم .

واحتَجَّ أَصحابُنا والجمهورُ بحديث أَنسٍ: أَنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم  كَان يُصلِي الْجُمُعةَ حينَ تَمِيلُ الشَّمسُ. رواه الْبخارِيُّ.

     وعن سَلَمَةَ بْن الْأَكْوعِ قال: كُنَّا نَجْمَعُ مع رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا زالَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ نَرْجِعُ نَتَتَبَّعُ الْفَيْءَ. ورواه مسلم، هذا هو المعروفُ من فعل السّلفِ والخَلْف. قال الشَّافعيُّ: صلى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وأَبو بكرٍ وعمرُ وعثمانُ والْأَئمَّةُ بعدهم كلَّ جمعةٍ بعد الزَّوَال.

      والجواب: عن احْتجاجهم بحديث جابرٍ وما بعده، أَنَّها كُلَّها محمولةٌ علَى شِدَّةِ الْمُبالغة في تَعجيلها بعد الزَّوال، مِنْ غير إبرادٍ  ولَا غيره، هذا مُختصرُ الْجواب عن الْجميعِ، وحملنا عليه الْجميعَ مِنْ هذه الْأَحاديث من الطَّرفين، وعَمَلُ الْمُسلمينَ قاطبةً، أَنَّهُمْ لَا يُصلونها إلَّا بعد الزَّوال. اهـ

      والراجح: أن غايةُ ما يمكن أن تدل عليه أدلة الحنابلة: جواز فعل الجمعة قبل الزوال بشيء يسير، والتبكير بها، أي في الساعة السادسة - من ساعات النهار- وهو قول الخرقي، والأحوط في هذه المسألة، الخروج من هذا الخلاف، والعمل بمذهب الجمهور، وهو عمل المسلمين عبر العصور، وهو احتياط لأمر الصلاة، ألا تصلي الجمعة إلا بعد دخول وقت الظهر.

وقال بعضهم: تصلى الجمعة في المسجد الواحد مرتين؟!

والصواب: أن هذا من البدع المحدثة، التي لم تكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم  ولا أصحابه، وقد قال صلى الله عليه وسلم : «منْ أحدثَ في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو ردٌ». متفق عليه.

وهي مدعاة لتفرق المسلمين واختلافهم.

205- باب: في اتخاذ منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم  والقيام عليه في الصلاة

411. عن أَبي حَازِمٍ: أَنَّ نَفَرًا جاؤوا إِلَى سَهْلِ بنِ سَعْدٍ، قد تَمارَوْا في المِنْبَرِ، مِنْ أَيِّ عُودٍ هو؟ فقال: أَما واللَّهِ، إِنِّي لَأَعرفُ مِنْ أَيِّ عُودٍ هو؟ ومَنْ عَمِلَهُ؟ ورأَيتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم  أَوَّلَ يومٍ جَلَسَ عليه، قال فقلتُ له: يا أَبا عبَّاسٍ، فحدِّثْنا، قال: أَرْسَلَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم إِلَى امرأَةٍ - قال أَبُو حازمٍ: إنه لَيُسَمِّهَا يومئذٍ - انْظُرِي غُلَامَكِ النَّجَّارَ، يَعْمَلْ لِي أَعْوَادًا أُكَلِّمُ النَّاسَ عليها، فَعَمِلَ هذه الثَّلَاثَ دَرَجَاتٍ، ثُمَّ أَمر بِها رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  فَوُضِعَتْ هذا الْموضِعَ، فهِي مِنْ طَرْفَاءِ الْغَابَةِ، ولقد رَأَيْتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ عليه، فَكَبَّرَ وَكَبَّرَ النَّاسُ وراءه، وهو على الْمِنْبَرِ، ثُمَّ رَفَعَ فَنَزَلَ الْقَهْقَرَى حتى سَجَدَ في أَصْلِ الْمِنْبَرِ، ثُمَّ عَادَ حتَّى فَرَغَ مِنْ آخِرِ صلاتِه، ثُمَّ أَقْبَلَ على النَّاسِ، فقال: «يا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي صَنَعْتُ هذا لِتَأْتَمُّوا بي، ولِتَعَلَّمُوا صَلَاتِي».

الشرح: قال المنذري: باب: في اتخاذ منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم والقيام عليه في الصلاة.

والحديث أخرجه مسلم في المساجد (1/386) باب: جواز الخطوة والخطوتين في الصلاة.

قول النووي: باب جواز الخطوة والخطوتين في الصلاة، أي: أنه لا كراهة في ذلك إذا كان لحاجة.

قوله: «قد تَمَارَوْا في الْمِنْبَرِ» تماروا في المنبر: أي اختلفوا وتنازعوا فيه، والمنبر مشتق من النَّبر، وهو الارتفاع. قوله «مِنْ أَيِّ عُودٍ هو؟» أي: من أي خشبٍ هو؟ وما هو ارتفاعه؟

قوله: «ومَنْ عَمِلَهُ؟ » أي: من صنعه؟

قوله: «أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى امرأة: انظري غلامك النجار يعمل لي أعوادا، أُكَلِّمُ النَّاسَ عليها».

وقد روى البخاري: عن جابِرِ: أَنَّ امرأَةً قالت: يا رسولَ اللَّهِ ! أَلا أَجعلُ لك شيئًا تَقْعُدُ عليه؟ فإِنَّ لي غُلَاما نجَّارًا. قال: «إِنْ شِئْتِ» فَعَمِلَتْ المنبرَ.

وهو يدل على أنها المرأة، هي التي عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم صُنع المنبر.

     وقد جمع العلماء كالمهلب وغيره بين الحديثين الصحيحين المتعارضين في الظاهر، وهما حديث جابر وسهل رضي الله عنه ، باحتمال أن تكون المرأة في حديث جابر، قد بدأت بالسؤال وتبرّعت للرسول صلى الله عليه وسلم   بعمل المنبر، فلما أباح لها النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وقبل رغبتها، بقوله: «إِنْ شِئْتِ» شعرت أنّ في الأمر فُسحة، وأمكن الغلام أن يبطئ بعمله، فتعلّقت نفسُ النبي صلى الله عليه وسلم   به، واطمأنَّ إلى صوابه، وعَلِم طيب نفس المرأة بما بذلته من صنعة غلامها، فاستنجزها إتمامَه، وإكمالَ عِدَتها. انظر: شرح ابن بطال (2/100) و(6/226).

     قوله: «فعمل هذه الثلاث درجات» هذا مما ينكره أهل العربية، والمعروف عندهم أن يقول: ثلاث الدرجات، أو الدرجات الثلاث. وهذا الحديث دليل لكونه لغة قليلة.  وفيه تصريح بأن منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ثلاث درجات.

قوله: «فهي من طرفاء الغابة» الطرفاء ممدودة. وفي رواية  البخاري  وغيره «من أثل الغابة» بفتح الهمزة. والأثل: الطرفاء، والغابة موضع معروف من عوالي المدينة.

قوله: «ولقد رَأَيْتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ عليه، فَكَبَّرَ وَكَبَّرَ النَّاسُ وراءه، وهو على الْمِنْبَرِ» أي: صلى على المنبر.

قوله: «ثم رفع فنزل القهقرى حتى سجد» هكذا هو «رفع» بالفاء، أي: رفع رأسه من الركوع. والقهقرى: هو المشي إلى خلف، وإنما رجع القهقرى لئلا يستدبر القبلة.

     قوله: «ثُمَّ أَقْبَلَ على النَّاسِ» أي: بعد انقضاء الصلاة، «فقال: «يا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي صَنَعْتُ هذا لِتَأْتَمُّوا بي، ولتعلموا صلاتي» لتعلموا: هو بفتح العين واللام المشددة، أي: تتعلموا، فبيّن - صلى الله عليه وسلم - أن صعوده المنبر، وصلاته عليه إنما كان للتعليم» ليرى جميعهم أفعاله صلى الله عليه وسلم ، بخلاف ما إذا كان على الأرض، فإنه لا يراه إلا بعضهم ممن قرب منه.

والحديث فيه فوائد منها:

جواز صلاة الإمام على موضع أرفع من المأمومين للحاجة، كتعليمهم الصلاة أو غير ذلك.

     وصلاته صلى الله عليه وسلم على المنبر، ونزوله القهقرى حتى سجد في أصل المنبر، ثم عاد حتى فرغ من آخر صلاته. فيه: جواز الفعل اليسير في الصلاة، وإن الخطوتين  ونحوهما لا تبطل بهما الصلاة، ولكن الأولى تركه إلا لحاجة، فإن كان لحاجة فلا كراهة فيه، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم .

     وفيه: أنّ الفعل الكثير كالخطوات وغيرها، إذا تفرقت لا تُبطل الصلاة» لأن النزول عن المنبر والصعود تكرر في الحديث، وجملته كثيرة، ولكن أفراده المتفرقة كل واحد منها قليل، هذا الصحيح الذي دلّت عليه الأحاديث النبوية.

     وفيه: جواز صلاة الإمام على موضع أعلى من موضع المأمومين، ولكن يكره ارتفاع الإمام على المأموم، وارتفاع المأموم على الإمام لغير حاجة، فإن كان لحاجة بأنْ أراد تعليمهم أفعال الصلاة، لم يُكره، بل يستحب لهذا الحديث، وكذا إنْ أراد المأموم إعلام المأمومين بصلاة الإمام، واحتاج إلى الارتفاع .

وقد ورد النهي عنه إذا كان بغير حاجة، فقد روى أبو داود (598): عن حذيفة قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : «إذا أمّ الرجلُ القومَ، فلا يَقم في مكانٍ أرفع من مقامهم».

وحمل بعضُهم النهي على التنزيه.

وفيه: تعليم الإمام المأمومين أفعال الصلاة أثناء الصلاة، وأنه لا يقدح ذلك في صلاته، وليس ذلك من باب التشريك في العبادة، بل هو كرفع صوته بالتكبير ليسمعهم.

وفيه: استحباب اتخاذ المنبر للخطب وغيرها، واستحباب كون الخطيب ونحوه على مرتفع كمنبر أو غيره.  

وفيه: مشروعية الاستعانة بأهل الصِّناعات والمقدرة، في كل ما ينفع المسلمين. انظر شرح النووي، والفتح.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك