رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 17 نوفمبر، 2014 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 111 ) باب: ما لا يجوز حذفه من الخطبة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

415.عن عَدِيِّ بن حَاتِمٍ رضي الله عنه: أَنَّ رَجُلًا خَطَبَ عِنْدَ النَّبِيِّ  صلى الله عليه وسلم فقال: مَنْ يُطِعْ اللَّهَ ورَسُولَهُ، فَقَدْ رَشَدَ، ومَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى، فَقَال رسولُ اللَّهِ   صلى الله عليه وسلم : «بِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ، قُلْ: ومَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ». قال ابنُ نُمَيْرٍ: فَقَدْ غَوِيَ.

 الشرح: قال المنذري: باب: ما لا يجوز حذفه من الخطبة.

والحديث أخرجه مسلم في الجمعة (2/594) في الباب السابق: باب: تخفيف الصلاة والخطبة.

عَدِيِّ بن حاتِم، هو ابن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس، الصحابي الشهير، الأمير الشريف، أبو وهب وأبو طريف الطائي، أبوه حاتم الطائي، الذي يضرب بجوده وكرمه المثل. وفد عدي على النبي  صلى الله عليه وسلم في وسط سنة سبع، فأكرمه واحترمه.

وكان ممن ثبت على الإسلام في الردة، وحضر فتوح العراق وحروب علي.

قال ابن الكلبي: مات عدي سنة سبع وستين، وله مائة وعشرون سنة.

وقال ابن سعد: سنة ثمان وستين، وقيل: سنة ست وستين. روى عنه الستة.

‏قوله «أن رجلا خطب عند النبي  صلى الله عليه وسلم فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، فقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : «بئس الخطيب أنت؟! قل: ومن يعص الله ورسوله فقد غوى» أي: كره النبي  صلى الله عليه وسلم كلمته هذه، فأنكرها.

وقد اختلف العلماء في جواز التشريك في الضمير بين الله والرسول  صلى الله عليه وسلم :

فذهب طائفة إلى جواز ذلك: فقال النووي: قال القاضي وجماعة من العلماء: إنما أنكر عليه لتشريكه في الضمير المقتضي للتسوية، وأمره بالعطف تعظيماً لله تعالى بتقديم اسمه، كما قال  صلى الله عليه وسلم  في الحديث الآخر: «لا يقلْ أحدُكم: ما شاءَ اللهُ وشاءَ فلان، ولكن ليقلْ: ما شاءَ اللهُ ثم شاء فلان».

قال: والصواب أنّ سببَ النهي: أن الخُطب شأنها البسط والإيضاح، واجتناب الإشارات والرموز، ولهذا ثبت في الصحيح: أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  كان إذا تكلم بكلمةٍ، أعادها ثلاثاً ليفهم، وأما قول الأوليين فيضعف بأشياء، منها: أن مثل هذا الضمير قد تكرر في الأحاديث الصحيحة من كلام رسول الله  صلى الله عليه وسلم ، كقوله  صلى الله عليه وسلم : «أنْ يكونَ اللهُ ورسوله، أحب إليه مما سواهما» وغيره من الأحاديث.

وإنما ثنَّى الضمير هاهنا، لأنه ليس خطبة وعظٍ، وإنما هو تعليم حُكم، فكلما قلّ لفظه، كان أقرب إلى حفظه، بخلاف خطبة الوعظ، فإنه ليس المراد حفظه، وإنما يراد الاتعاظ بها.

     قال: ومما يؤيد هذا، ما ثبت في سنن أبي داود بإسناد صحيح: عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «علّمنا رسول الله  صلى الله عليه وسلم خطبة الحاجة: الحمد لله، نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، منْ يهد الله فلا مُضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيرا بين يدي الساعة، من يُطع الله ورسوله فقد رَشد، ومنْ يعصهما فإنه لا يَضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئا». والله أعلم. ‏

     واستدلوا أيضا: بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم جاءه جاء فقال: «أُكِلت الحُمُر، ثم جاءه جاءٍ فقال: أكلت الحمر، ثم جاءه جاء فقال: أفنيتْ الحمر، فأمر منادياً فنادى في الناس: إنّ الله ورسوله يَنهيانكم عن لحوم الحُمر الأهلية، فإنها رِجسٌ، فأُكفئت القُدور وإنها لتفور باللحم» أخرجه البخاري (5208) ومسلم (3 /1540).

القول الثاني: المنع من الجمع بين اسم الله -تعالى- واسم رسوله  صلى الله عليه وسلم بضمير واحد.

قال الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى- في (الزاد) في سياق هديه  صلى الله عليه وسلم في حِفظ المَنطق واختيار الألفاظ: «ومنْ هذا: قوله للخطيب الذي قال: منْ يطع الله ورسوله فقد رشد، ومنْ يعصهما فقد غَوى: «بئس الخطيب أنت».

قال: فهذا الحديث نصٌ في منع الجمع بين اسم الله تعالى واسم رسوله  صلى الله عليه وسلم بالتكنية نحو: «ومنْ يعصهما» لما يوهم من التَّسوية، وفي هذا إتمامُ حماية النبي  صلى الله عليه وسلم لجناب التوحيد انتهى.

وللحافظ صلاح الدين العلائي رحمه الله كلام جامع في هذه المسألة، نذكره ملخصاً؛ إذْ يقول: الجمع بين هذه الأحاديث وجوه:

أحدها: أنّ هذا خاصٌ بالنبي  صلى الله عليه وسلم فإنه يعطي مقام الربوبية حقّه، ولا يتوهم فيه تسويته له بما عداه أصلاً، بخلاف غيره من الأئمة، فإنه مظنة التسوية عند الإطلاق والجمع في الضمائر، بين ما يعود إلى اسم الله -تعالى- وغيره، فلهذا جاء بالإتيان بالجمع بين الاسمين بضميرٍ واحد من كلام النبي  صلى الله عليه وسلم في الحديثين المشار إليهما، وفي قوله  صلى الله عليه وسلم  أيضا: «من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما» وغير ذلك وأمر  صلى الله عليه وسلم  ذلك الخطيب بالإفراد، لئلا يوهم كلامه التسوية.

وثانيها: أنّ النبي  صلى الله عليه وسلم  حيثُ أنكرَ على ذلك الخطيب، كان هناك من يتوهم منه التسوية بين المقامين، عند الجمع بين الاسمين بضميرٍ واحد، فمنع من ذلك؛ وحيث لم يكن هناك منْ يلبس عليه، أتى بضمير الجمع، وهذا لعله أقرب من الذي قبله.

وثالثها: أنّ ذلك المنع لم يكن على وجه التّحتُم، بدليل الأحاديث الأُخَر، بل على وجه الندب والإرشاد، إلى الأولوية في إفراد اسم الله -تعالى- بالذكر، من التعظيم اللائق بجلاله، وهذا يرجع في الحقيقة إلى ما قاله أئمة الأصول أولاً، لكن بزيادة أن ذلك ليس حتماً، وحينئذ فلا تكون الواو مقتضية للترتيب.

ورابعها: أنّ ذلك الإنكار كان مختصاً بذلك الخطيب، وكأنّ النبي  صلى الله عليه وسلم  فَهِم عنه أنه لم يجمع بينهما في الضمير، إلا لتسويته بينهما في المقام، فقال له: «بئسَ الخطيب أنت» فيكون ذلك مختصا بمن حاله كذلك، ولعل هذا الجواب هو الأقوى؛ لأن هذه القصة واقعة عين، وما ذكرناه محتمل، ويؤثر هذا الاحتمال فيها أنْ يحمل على العموم في حق كل أحد، فإذا انضم إلى ذلك حديث أبي داود، الذي علَّم فيه النبي  صلى الله عليه وسلم أمته، كيفية خطبة الحاجة، وفيها «ومن يعصهما» بضمير التثنية، قَوِي ذلك الاحتمال، وهذا مثل ما قيل في قوله  صلى الله عليه وسلم : «لا تفضلوني على موسى» مع قوله: «أنا سيد ولد آدم» فقيل في الجمع بينهما وجوه: منها: أنّ الذي منعه من التفضيل، فهم منه غَضّاً من منصب موسى -عليه السلام- عند التفضيل عليه، فمنعه منه، فيكون ذلك مختصا بمن هو مثل حاله، والعلم عند الله.

وخامسها: أنّ الترتيب على سبيل التعقيب، وضعوا له الفاء، وعلى سبيل التراخي وضعوا له «ثم» ومطلق الترتيب، وهو القدر المشترك بين الخاصتين معنى معقول أيضا، فلا بدّ له من لفظ يدل عليه بالوضع؛ لأن المقتضي لذلك قائم، والمانع منتف، ويلزم من ذلك أن تكون الواو هي الموضوعة له؛ إذ لا غيرها موضع له بالاتفاق.. إلخ ما قال «الفصول المفيدة في الواو المزيدة» لصلاح الدين العلائي ( ص91- 96).

     والذي يترجّح في الجمع بين الأحاديث المانعة والمبيحة: إنْ كان قَصْدُ المتكلم بالتشريك في الضمير، التسوية بين الخالق والمخلوق فهو كفر! وإنْ لم يَقصد التّسوية، نظرنا فإن كان التشريك في الضمير يقتضي معنى فاسداً، مُنع منه، كإنكاره  صلى الله عليه وسلم على الخطيب قوله: «ومن يَعصهما فقد غوى» لأن الغواية حاصلة بعصيان أحدهما.

     وإن كان عدم التشريك في الضمير، يقتضي معنى فاسداً، منع منه وصرنا إلى التشريك، كقوله  صلى الله عليه وسلم : «أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما» لأن محبة الله فقط، لا يتحقق بها الإيمان، ومحبة الرسول  صلى الله عليه وسلم فقط، لا يتحقق بها الإيمان، بل لا بد من اجتماع المحبتين، وإنْ كان التشريك وعدمه لا يقتضي معنى فاسداً، صار التشريك بذلك جائزاً، والله أعلم.

‏قوله «قال ابن نمير فقد غَوِي» ‏هكذا وقع في النسخ:غوِي بكسر الواو، قال القاضي: وقع في روايتي مسلم بفتح الواو وكسرها، والصواب الفتح، وهو من الغَيّ، وهو الانهماك في الشّر.

كما في قوله تعالى {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} (النجم: 2). فنزه نبيه ‏  صلى الله عليه وسلم عن الضلال في علمه، وعن الغي في قصده، بل هو مهتد ناصح حسن القصد.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك