رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 24 نوفمبر، 2014 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 112 ) باب: قراءةُ القُرآن على المِنْبر في الخُطبة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

416.عن أُمِّ هِشَامٍ بنتِ حارثَةَ بنِ النُّعْمَانِ رضي الله عنها قالَت: لَقَدْ كَانَ تَنُّورُنَا وتَنُّورُ رسولِ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم وَاحِدًا، سَنَتَيْنِ أَوْ سَنَةً وَبَعْضَ سَنَةٍ، وما أَخَذْتُ (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) إِلّا عن لِسَانِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، يَقْرَؤُهَا كُلَّ يَوْمِ جُمُعَةٍ عَلَى الْمِنْبَرِ، إِذَا خَطَبَ النَّاسَ.

الشرح: قال المنذري: باب: قراءةُ القُرآن على المِنْبر في الخُطبة. والحديث أخرجه مسلم في الجمعة (2/595) في الباب السابق: باب: تخفيف الصلاة والخطبة. أم هشام  بكسر الهاء بنت حارثة بن النعمان الأنصارية، صحابية مشهورة، وهي أخت عمرة بنت عبد الرحمن لأمها، وقد روت عنها عمرة الحديث في رواية لمسلم. روى لأم هشام: م د س ق.

قولها: «لَقَدْ كَانَ تَنُّورُنَا وتَنُّورُ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاحِدًا، سَنَتَيْنِ أَوْ سَنَةً وَبَعْضَ سَنَةٍ» التنور ما يُخبز به، وفيه إشارة إلى حفظها، ومعرفتها بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم ، وقُربها من منزله.

قولها: «ما أخذتُ» أي: ما حَفِظت (ق والقرآن المجيد) أي هذه السورة. «إلا عن لسان رسول الله يقرؤها كل جمعةٍ على المنبر، إذا خطب الناس» أي: أنها كانت تحضر الخطبة، وتسمع قراءته لها، فحفظتها منه.

قال النووي: وفيه استحباب قراءة (ق) أو بعضها في كل خُطبة.

قال الطِّيبي: المراد أول السورة لا جميعها،؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لم يقرأ جميعها في الخطبة. انتهى.

قال القاري: وفيه أنه لم يُحفظ أنه عليه الصلاة والسلام كان يقرأ أولها في كل جمعة، وإلا لكانت قراءتها واجبة أو سُنّة مؤكدة، بل الظاهر أنه كان يقرأ في كل جمعةٍ بعضها، فحفظت الكل في الكل. انتهى.

وقال ابن حجر المكي: قوله: «يقرؤها» أي: كلها، وحملها على أول السورة، صرفٌ للنص عن ظاهره. انتهى.

وقال في عون المعبود (3/449-450): القول ما قال ابن حجر المكي، وما قاله الطيبي هو خلاف الظاهر انتهى.

     قلت: كان يفعل ذلك أحياناً، ونحن نصرفه عن ظاهره، بقراءته لها على خطبٍ متعددة، إذْ الحمل على كل السورة في كل خطبةٍ، مستبعد جداً! فهذا الحديث هو من العام المخصوص، بدليل أنه ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه خطب خطباً كثيرة، ليس فيها سورة (ق)، فقد روى مسلم أيضا (2/595): عن صفوان بن يعلى عن أبيه: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ على المنبر (ونَادَوا يا مَالك) الزخرف: 77.

وروى أحمد وابن ماجة بإسناد حسن: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قــرأ يوم الجمعة (تَبَارك)، وهو قائم..» الحديث.

وروى أبو داود: عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: «قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر صلى الله عليه وسلم فلما بلغَ السجدةَ نزل فسَجد، وسَجد الناس معه».

وروى ابن خزيمة في صحيحه: عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: دخلت المسجد يوم الجمعة، والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فجلست قريباً من أبي بن كعب، فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم سورة «براءة» فقلت لأبي: متى نزلت هذه السورة؟... الحديث. ورواه أحمد وابن ماجة.

قال الشوكاني في (نيل الأوطار) بعد ذكر أحاديث كثيرة في قراءة سورة من القرآن على المنبر ما نصه: والظاهر من أحاديث الباب، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يُلازم قراءة سورة، أو آية مخصوصة في الخطبة، بل كان يقرأ مرةً هذه السورة، ومرة هذه، ومرة هذه الآية انتهى.

فيؤخذ مما سبق:

1- مشروعية قراءة آياتٍ من القرآن في خطبة الجمعة، سواء قيل بالشرطية أو الوجوب أو الاستحباب. قال النووي في شرح مسلم (6/160) قوله: «سمع النبي صلى الله عليه وسلم  يقرأ على المنبر (ونَادَوا يا مَالك)(الزخرف: 77)» فيه: القراءة في الخطبة، وهي مشروعة بلا خلاف، واختلفوا في وجوبها، والصحيح عندنا وجوبها، وأقلها آية. انتهى.

وهو مذهب الحنابلة أيضا، وأنها ركنٌ من أركان الخطبة.

وقال القرطبي في المفهم (2/512): «وفي قراءته صلى الله عليه وسلم هذه الآية - يعني قوله تعالى: (ونادوا يا مالك) - وسورة (ق) دليلٌ على صحة استحباب مالك قراءة شيء من القرآن في الخطبة، وخصّ هذه الآية، وسورة (ق)، لما تضمّنته من المواعظ، والزجر والتحذير» انتهى.

وقد قال غير واحد: إن سبب اختيار سورة (ق) أنها مشتملة على البعث والموت، والمواعظ الشديدة، والزواجر الأكيدة.

2- وفيه: سُنية الخطبة بقراءة سورة (ق) بمفردها، وهو الظاهر من مراد  لأنها قالت «يخطب بها كل جمعة» وفي اللفظ الآخر  «وهو يقرأ بها على المنبر في كل جمعة»، فحفظتها من كثرة ما يردد النبي صلى الله عليه وسلم آياتها في ثنايا خطبه.

     قال الحافظ ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد (1/423-424): «وكذلك كانت خطبته صلى الله عليه وسلم ، إنما هي تقرير لأصول الإِيمان، من الإِيمان بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، ولقائِه، وذكرِ الجنة، والنار، وما أعدَّ الله لأوليائه وأهل طاعته، وما أعدَّ لأعدائه وأهل معصيته، فيملأ القلوب مِن خُطبته إيماناً وتوحيداً، ومعرفة باللّه وأيامه، لا كخُطب غيره التي إنما تُفيد أموراً مشتركة بين الخلائق، وهي النَّوح على الحياة، والتخويف بالموت، فإن هذا أمرٌ لا يُحصِّلُ في القلب إيماناً باللّه، ولا توحيداً له، ولا معرفة خاصة به، ولا تذكيراً بأيامه، ولا بعثاً للنفوس على محبته والشوق إلى لقائه، فيخرج السامعون ولم يستفيدوا فائدة، غير أنهم يموتون، وتُقسم أموالهم، ويُبلي الترابُ أجسامهم، فيا ليت شعري أيّ إيمانٍ حصل بهذا؟! وأيِّ توحيد ومعرفة وعلم نافع حصل به؟!.

     ومن تأمل خطب النبي صلى الله عليه وسلم ، وخطب أصحابه، وجدها كفيلة ببيان الهدى والتوحيد، وذِكر صفات الربِّ جل جلاله، وأصولِ الإيمان الكلية، والدعوة إلى اللّه، وذِكر آلائه تعالى التي تُحبِّبه إلى خلقه وأيامِه التي تخوِّفهم من بأسه، والأمر بذكره وشكره الذي يُحبِّبهم إليه، فيذكرون مِن عظمة اللّه وصفاته وأسمائه، ما يُحبِّبه إلى خلقه، ويأمرون من طاعته وشكره، وذِكره ما يُحبِّبهم إليه، فينصرف السامعون وقد أحبوه وأحبهم.

     ثم طال العهد، وخفي نورُ النبوة، وصارت الشرائعُ والأوامرُ رسوماً تُقام، من غير مراعاةٍ حقائقها ومقاصدها، فأعطَوْها صورها، وزيّنوها بما زينوها به، فجعلوا الرسوم والأوضاع سنناً لا ينبغي الإخلالُ بها، وأخلُّوا بالمقاصد التي لا ينبغي الإِخلال بها، فرصعوا الخُطب بالتسَجيع والفِقر، وعلم البديع، فَنقَص بل عَدمَ حظُ القلوب منها، وفات المقصود بها!

فمما حُفظ من خطبته صلى الله عليه وسلم أنه كان يكثر أنْ يخطُب بالقرآن وسورة (ق). قالت أم هشام بنت الحارث بن النعمان: ما حفظت (ق) إلا منْ في رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مما يخطب بها أعى المنبر.

قال: وحُفظ من خطبته أيضا: الحمد لله نستعينه ونستغفره... انتهى

3- كيف يبتدئ الخطيب الخطبة إذا أراد أن يقرأ السورة؟ هل يفتتحها بالحمد كالمعتاد، أم يبدأ بالاستعاذة ثم بالبسملة، ثم يقرأ السورة؟  

والجواب: أن عادة النبي صلى الله عليه وسلم في خطبه: البدء بخطبة الحاجة، فيبدأ بها، ثم يقرأ السورة.

4- هل تقسم السورة على الخطبتين؟ أم يقرؤها في الأولى،ثم يبين للناس في الثانية سبب قراءتها، ويوضح معانيها بإجمال شديد؟

والجواب: أنّ ظاهر الحديث أنه صلى الله عليه وسلم يقرؤها في الخطبتين، ولو قرأها كاملة في الخطبة الأولى ثم فسرها باختصار، فهو أفضل.

5-  هل له أن يرتّل  على المنبر سورة (ق) وكذا الآيات الثلاث، وهي آية آل عمران ثم آية النساء ثم آية الأحزاب من خطبة الحاجة؟

وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله، فقال: «يقرأها قراءة عادية أو مرتلة، كله طيب ما فيه شيء، الأمر واسع».

انتهى من الشريط الأول من شرحه على كتاب النكاح من بلوغ المرام.

وقد وجه السؤال لللجنة الدائمة للإفتاء، وأجابت بالمنع من الترتيل:

     لقد ظهر في ساحة الدعوة عندنا بعض الخطباء، وعند ذكر خطبة الحاجة عند الوصول إلى الآيات الثلاث الواردة في الخطبة، يرتلون الآيات كما لو كانوا يقرؤون في القرآن، فهل هذا مشروع، وبعضهم يزيد على الترتيل استبدال آية (يا أيها الذين آمنُوا اتقوا اللهَ وقولوا قولاَ سديداً) بآية سورة الحج (يا أيها الناس اتقوا ربكم....) الآية، فما جوابكم عليهم جزاكم الله عنا كل خير؟

الجواب:

تلاوة الآية عند الاستدلال بها في الخُطبة، تلقى كما تلقى الخطبة استشهاداً بها، وأما قراءة آية الحج فلا مانع منها، وليست هي من الآيات التي تقرأ في خطبة الحاجة.

وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

اللجنة العلمية للبحوث العلمية والإفتاء.

وكذا قال الشيخ  بكر أبو زيد رحمه الله في كتابه (تصحيح الدعاء) (ص 320)، قال: «مما أحدث الوعّاظ وبعض الخطباء في عصرنا: مغايرة الصّوت عند تلاوة القرآن لنسق صوته في وعظه أو الخطابة.

وهذا لم يُعرف عن السالفين ولا الأئمة المتبوعين، ولا تجده لدى أجلاّء العلماء في عصرنا، بل يتنكّبونه، وكثير من السّامعين لا يرتضونه، والأمزجة مختلفة، ولا عبرة بالفاسد منها، كما أنه لا عبرة بالمخالف لطريقة صدر هذه الأمة وسلفها، والله أعلم». انتهى

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك