رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 16 يونيو، 2015 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 140) باب: في صلاة الاستسقاء

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

450-عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم  خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى يَسْتَسْقِي، وَأَنَّهُ لَمَّا أَرادَ أَنْ يَدْعُوَ، اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وحَوَّلَ رِدَاءَهُ.  وفي رواية: «فجعل إلى الناس ظَهره يَدعو الله, واستقبلَ القبلة, وحوَّل رداءه ثم صلى ركعتين».

الشرح :  قال المنذري: باب: في صلاة الاستسقاء. وفيه حديثان: الحديث الأول: أخرجه مسلم في صلاة الاستسقاء ( 2/611 ).

وأخرجه البخاري في الاستسقاء (2/497) باب تحويل الرداء في الاستسقاء.

صلاة الاستسقاء من سُنن النبي صلى الله عليه وسلم  الثابتة عنه بالأحاديث الصحيحة الكثيرة.

     وقد أجمع العلماء على أن الخروج إلى الاستسقاء، والبروز عن المصر إلى الصحراء، والدعاء إلى الله تعالى، والتضرع إليه في نزول المطر، سُنةٌ سنَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واختلفوا في الصلاة في الاستسقاء، فالجمهور على أنّ ذلك من سُنة الخروج إلى الاستسقاء، إلا  أبا حنيفة فإنه قال: ليس من سنته الصلاة! وسبب الخلاف: أنه ورد في بعض الأحاديث أنه استسقى وصلى، وفي بعضها لم يذكر فيها صلاة .

     أما الأحاديث التي ذكر فيها الاستسقاء، وليس فيها ذكر للصلاة، فمنها : حديث أنس بن مالك أنه قال: «جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هلكت المواشي، وتقطعت السُبل، فادعُ الله؛ فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمُطرنا من الجمعة إلى الجمعة». أخرجه مسلم. ومنها: حديث عبد الله بن زيد المازني، وفيه أنه قال: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستسقى، وحول رداءه حين استقبل القبلة» ولم يذكر فيه صلاة.

     قال الحافظ ابن حجر: والحُجة للجمهور: أنه لم يذكر شيئا، فليس هو بحجة على مَن ذكره، والذي يدل عليه اختلاف الآثار في ذلك، ليس عندي فيه شيء أكثر من أن الصلاة ليست من شرط صحةِ الاستسقاء؛ إذْ قد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم  قد استسقى على المنبر، لا أنها ليست من سنته! كما ذهب إليه أبو حنيفة!

قال: وأجمع القائلون بأن الصلاة من سنته، على أن الخطبة أيضا من سنته، لورود ذلك في الأثر، قال ابن المنذر: ثبت أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الاستسقاء وخطب .

     قال الحافظ: واختلفوا هل هي قبل الصلاة أو بعدها؟ لاختلاف الآثار في ذلك، فرأى قومٌ أنها بعد الصلاة، قياسا على العيدين ، وبه قال الشافعي ومالك، وقال الليث بن سعد: الخطبة قبل الصلاة، قال ابن المنذر: قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : «أنه استسقى فخطب قبل الصلاة»، وروي عن عمر بن الخطاب مثل ذلك وبه نأخذ، قال القاضي: وقد خرج ذلك أبو داود من طرق ، ومن ذكر الخطبة فإنما ذكرها في علمي قبل الصلاة.

قال: واتفقوا على أنّ القراءة فيها جهر اهـ. كما في رواية عباد بن تميم  عن عمه: «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خَرج بالناس يستسقي، فصلى بهم ركعتين جَهر فيها بالقراءة ...» أخرجه البخاري ومسلم.

واختلفوا: هل يُكبر فيها كما يكبر في العيدين؟ فذهب مالك إلى أنه يكبر فيها كما يكبر في سائر الصلوات، وذهب الشافعي إلى أنه يكبر فيها كما يكبر في العيدين.

وسبب الخلاف: اختلافهم في قياسها على صلاة العيدين، وقد احتج  الشافعي لمذهبه في ذلك: بما روي عن  ابن عباس: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى فيها ركعتين كما يصلي في العيدين». انتهى.

قال كاتبه: وكونه صلى الله عليه وسلم صلى فيها ركعتين كما يصلي في العيدين، ليس صريحا في وجود التكبيرات في الصلاة، والله أعلم .

قال الحافظ: واتفقوا على أنّ من سنتها: أنْ يستقبل الإمام القبلة واقفاً ويدعو، ويحول رداءه رافعاً يديه على ما جاء في الآثار، واختلفوا في كيفية ذلك، ومتى يفعل ذلك؟

فأما كيفية ذلك: فالجمهور على أنه يَجعل ما على يمينه على شماله، وما على شماله على يمينه اهـ.

كما في رواية عباد بن تميم عن عمه: «ورفع يديه حذو منكبيه، وحول رداءه». وفي رواية: «وقلب رداءه»، قال سفيان: فأخبرني المسعودي عن أبي بكر – أحد رواة الحديث – قال: جعل اليمين على الشمال. البخاري (2/515).

وجاء في حديث عبد الله بن زيد هاهنا: «أنه صلى الله عليه وسلم  اسْتقبَلَ الْقِبْلَةَ وحَوَّلَ رِداءَهُ».

وفي لفظ: «خرج إلى المصلى يستسقي، فاستقبلَ القبلة وقلب رداءه وصلى ركعتين».

     قال الحافظ: وأما متى يفعل الإمام ذلك، فإن مالكاً والشافعي قالا: يفعل ذلك عند الفراغ من الخطبة، وقال أبو يوسف: يحول رداءه إذا مضى صدر من الخطبة، وروي ذلك أيضا عن مالك. وكلهم يقول : إنه إذا حول الإمام رداءه قائماً حول الناس أرديتهم جلوسا، لقوله عليه الصلاة والسلام: «إنما جُعل الإمام ليؤتم به»، إلا محمد بن الحسن والليث بن سعد وبعض أصحاب مالك؛ فإن الناس عندهم لا يحولون أرديتهم بتحويل الإمام؛ لأنه لم ينقل ذلك في صلاته صلى الله عليه وسلم بهم انتهى.

وعامة أهل العلم: على أن الخروج لها يكون في وقت الخروج إلى صلاة العيدين؛ لما روى أبو داود: عن عائشة -رضي الله عنها-: «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خَرَج إلى الاستسقاء، حين بدا حَاجبُ الشمس».

  الحديث الثاني :

 451-عن أَنَسٌ -رضي الله عنه- قال: أَصَابَنَا ونَحْنُ مَعَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَطَرٌ، قال: فَحَسَرَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَوْبَهُ حَتَّى أَصَابَهُ مِنْ الْمَطَرِ ، فقُلنا: يا رسولَ اللَّهِ، لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ قال: «لأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ تَعَالَى».

الشرح: الحديث الثاني في الباب : أَنَسٌ رضي الله عنه ، وقد أخرجه مسلم في الاستسقاء (2/615) باب الدعاء في الاستسقاء. قوله: «فحسر رسول الله صلى الله عليه وسلم  ثوبه حتى أصابه من المطر» معنى «حسر» كشف، أي كشف بعض بدنه.

ومعنى: «حديث عهد بربه»، أي: بتكوين ربّه إياه، معناه أنّ المطر رحمة، وهي قريبةُ العهد بخلق الله -تعالى- لها، فيتبرك بها.

وهذه من السنن المهجورة.

قال النووي: وفي هذا الحديث دليل لقول أصحابنا: إنه يستحب عند أول المطر أن يكشف غير عورته ليناله المطر، واستدلوا بهذا.

وفيه: أنّ المفضول إذا رأى من الفاضل شيئا لا يعرفه، أنْ يسأله عنه ليعلمه فيعمل به، ويعلمه غيره انتهى.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك