رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 7 ديسمبر، 2014 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 114 ) باب: التَّعــلــيـــــمُ للــعـــلــــــمِ فـــــي الخُطـــبــــة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

     418-عنَ أَبُي رِفَاعَةَ رضي الله عنه قال: انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وهو يَخْطُبُ، قال فَقُلْتُ : يا رسُولَ اللَّهِ ، رجُلٌ غَرِيبٌ، جاءَ يَسْأَلُ عَنْ دِينِهِ، لَا يَدْرِي ما دِينُهُ؟ قال: فَأَقْبَلَ عَلَيَّ رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وتَرَكَ خُطْبَتَهُ حتَّى انْتَهَى إليَّ، فأُتِيَ بِكُرْسِيٍّ حَسِبْتُ قَوَائِمَهُ حَدِيدًا، قال: فَقَعَدَ عليه رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وجَعَلَ يُعَلِّمُنِي ممَّا علَّمَهُ اللَّهُ، ثُمَّ أَتَى خُطْبَتَهُ فَأَتَمَّ آخِرَهَا.

 الشرح: قال المنذري: باب: التعليم للعلم في الخطبة . والحديث أخرجه مسلم في الجمعة (2/597) باب: حديث التعليم في الخطبة.

 أبو رفاعة هو العدوي، صحابيٌ اسمه تميم بن أسد، وقيل: عبد الله بن الحارث، نزل البصرة، استشهد بكابل سنة أربع وأربعين . (رواه البخاري ومسلم).

 قوله: «انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِ صلى الله عليه وسلم وهو يَخْطُبُ، قال فَقُلْتُ: يا رسُولَ اللَّهِ، رجُلٌ غَرِيبٌ، جاءَ يَسْأَلُ عَنْ دِينِهِ، لَا يَدْرِي ما دِينُهُ؟» قال النووي: فيه: استحباب تلطّف السائل في عبارته، وسؤاله العالم .

     قوله « فَأَقْبَلَ عَلَيَّ رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وتَرَكَ خُطْبَتَهُ حتَّى انْتَهَى إليَّ» فيه: تواضع النبي صلى الله عليه وسلم ، ورفقه بالمسلمين، وشفقته عليهم، وخفض جناحه لهم. وفيه: المبادرة إلى جواب المستفتي، وتقديم أهم الأمور فأهمها، ولعله كان سأل عن الإيمان وقواعده المهمة. وقد اتفق العلماء على أن من جاء يسأل عن الإيمان، وكيفية الدخول في الإسلام، وَجَب إجابته وتعليمه على الفور.

قوله: «فأُتِيَ بِكُرْسِيٍّ حَسِبْتُ قَوَائِمَهُ حَدِيدًا، قال: فَقَعَدَ عليه رسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم الكرسي بضم الكاف وكسرها، والضم أشهر .

وقعوده صلى الله عليه وسلم على الكرسي مرتفعاً، ليسمع الباقون كلامه ، ويروا شخصه الكريم.

 وهذه الخطبة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم فيها، يحتمل أنها خطبة أمرٍ غير الجمعة، ولهذا قطعها بهذا الفصل الطويل، ويحتمل أنها كانت الجمعة واستأنفها، ويحتمل أنه لم يحصل فيها فَصْلٌ طويل، ويحتمل أن كلامه لهذا الغريب كان متعلقا بالخطبة، فيكون منها، ولا يضر المشي في أثنائها.

 وفي الحديث: إباحة الكلام بين الإمام والمأموم أثناء الخطبة يوم الجمعة وغيرها، إذا كان لضرورة عارضة، في حالة التعليم، والسؤال المهم، والتنبيه على أخطاء المأمومين، ونحوها من الأمور، كما صح في أحاديث، منها :

ما جاء في حديث جابر بن عبد الله قال: «دخل رجلٌ يوم الجمعة والنبيصلى الله عليه وسلم يخطب، فقال: «أصليت؟»، قال: لا، قال: «فصلّ ركعتين». رواه البخاري في كتاب الجمعة (2/ 478) ومسلم برقم (1987).

     ومما يدل أيضا : على جواز كلام المأموم مع الإمام، والإمام مع المأموم أثناء الخطبة، ما صح من سؤال الأعرابي النبي صلى الله عليه وسلم الاستسقاء في الخطبة، فعن أنس بن مالك قال: أصابت الناس سَنة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فبينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في يوم الجمعة، قام أعرابي فقال: يا رسول الله، هلكَ المالُ، وجاعَ العيال، فادْع الله لنا، فرفع يديه وما نرى في السماء قزعة؛ فوالذي نفسي بيده، ما وضعهما حتى ثار السحابُ أمثالَ الجبال ، ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيتُ المطر يَتحادَر على لحيته صلى الله عليه وسلم ، فمُطرنا يومنا ذلك ومن الغد وبعد الغد، والذي يليه حتى الجمعة الأخرى، وقام ذلك الأعرابي - أو قال غيره – فقال: يا رسول الله، تهدم البناء، وغرقَ المال، فادْع الله لنا، فرفع يده فقال: اللهم حَوالينا ولا علينا، فما يشير بيده إلى ناحية من السحاب إلا انفرجتْ، وصارت المدينة مثلَ الجوبة، وسالَ الوادي قناة شهراً، ولم يجئ أحدٌ من ناحية إلا حدّث بالجود». صحيح البخاري برقم (933) .

      وأيضا: عن أبي الزاهرية حُدير بن كريب قال: كنا مع عبد الله بن بسر صاحب النبيصلى الله عليه وسلم  يوم الجمعة، فقال عبد الله بن بسر: جاء رجل يتخطّى رقاب الناس يوم الجمعة، والنبيصلى الله عليه وسلم يخطب ؛ فقال له النبيصلى الله عليه وسلم : «اجلسْ، فقد آذيتَ» أخرجه أبو داود في سننه برقم (1114). وصححه الألباني في السنن برقم (1118).

      وكذا الحديث في الباب السابق: عن ابن عمر: «أن عمر بن الخطاب بينا هو يخطب الناس يوم الجمعة، دخل رجلٌ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فناداه عمر: أية ساعة هذه؟ فقال: إني شُغلت اليوم، فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعتُ النداء، فلم أزدْ على أنْ توضأت، قال عمر: والوضوء أيضا! وقد علمتَ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغُسل».

 فكان صلى الله عليه وسلم يقطع خطبته للحاجة تعرض له أو لأصحابه، أو يتوجّه له سؤال من أحد أصحابه فيجيبه، ثم يعود إلى خطبته فيتمها، كحديث أبي رفاعة رضي الله عنه في الباب .

      بل ربما نزل صلى الله عليه وسلم عن المنبر للحاجة، ثم يعود إلى خطبته فيُتمّها، كما نزلَ لأخذ الحسن والحسين -رضي الله عنهما- فأخذهما ثم ارتقى بهما المنبر، فأتمّ خُطبته، فقد روى بريدة رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَخطبنا، إذْ جاء الحسن والحسين، عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل رسول اللهصلى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه، ثم قال: «صدقَ الله {إنّما أمْوالُكم وأولادُكمْ فتنةٌ}(التغابن : 15)، نظرتُ إلى هذين الصبيين، يمشيان ويعثران، فلم أصبرْ حتى قطعتُ حديثي ورفعتهما». أخرجه الترمذي برقم (4027).

     وهذا كله هو من قبيل تعليمه صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم ما يحتاجونه، وليس ناسخاً لأحاديث الإنصات للخطبة يوم الجمعة، بل هذه حالات عارضة كانت تحدث للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، كحديث الاستسقاء، وحديث الأمر بصلاة ركعتين لمن جلس قبل أنْ يصليهما، وغيرها، فكلها حالات خاصة، ولا تنسخ أحاديث وجوب الإنصات.

     ثم هذه الأحاديث كانت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المأمومين، أما النهي فهو خاص بالمأمومين، كي لا يلهيهم الكلام عن سماع الخطبة التي من أجلها حضروا، فالنهي عن الكلام أثناء الخطبة موجه إلى المأمومين بعضهم مع بعض، أما كلام الإمام مع المأمومين بُغية تعليمهم أو نحو ذلك، فجائز لدلالة الأحاديث عليه، وعلى هذا فلا تعارض بين الأحاديث.

ومعلوم أنه إذا أمكن الجمع فلا يقال بالنسخ، حسبما اتفق عليه الأصوليون.

وتحريم الكلام علته: الاشتغال عن الإنصات الواجب لسماع الخطبة، ولا يحصل ههنا، فمن كلّم الإمام لحاجة ضرورية، أو سأله عن مسألة، فلا حرج عليه.

قال الحافظ ابن حجر: «للخطيب أنْ يأمر في خُطبته وينهى ، ويُبين الأحكام المحتاج إليها، ولا يقطع ذلك التوالي المشترط فيها، بل لقائلٍ أنْ يقول: كلُ ذلك يُعد من الخُطبة » فتح الباري (2/ 478).

 فأحاديث النهي عن الكلام أثناء الخطبة باقية لم تُنسخ ، بالإجماع على وجوب الإنصات أثناء خطبة الجمعة، فذكر ابن حجر أن ابن عبد البر نقل إجماع الأمة على وجوب الإنصات للخطبة، وكذا النووي في شرحه لصحيح مسلم، وغيرهم من العلماء .

     وقد تضافرت الأدلة على وجوب إنصات المأمومين أثناء خطبة الجمعة، حتى وإنْ كان الكلام بينهم أمراً بمعروف، أو نهيا عن منكر، أو رداً لسلام، أو تشميتاً لعاطس، فإنه يعد لغواً، فقد روى الشيخان: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا قلتَ لصاحبك: أنصتْ يومَ الجمعة، والإمامُ يَخطبُ، فقد لَغوت».

فقوله لصاحبه: أنصت، هو من الأمر بالأمر ، ومع ذلك عدّه لغواً.

 وأخرج مسلم: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «منْ توضأ فأحسنَ الوضوء، ثم أتى الجمعة فاستمعَ وأنصت، غُفر له ما بينه وبين الجمعة، وزيادة ثلاثة أيام، ومَنْ مسَّ الحصى، فقد لَغى». وغيرها من الأحاديث .

وفي الحديث: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أصحابه في خطبته قواعد الإسلام، وشرائعه، ويأمرهم وينهاهم في خطبته، إذا عرض له أمر أو نهي، ولا يؤخر البيان عن وقت الحاجة.

وفي الحديث: أنه ينبغي للمعلّم أنْ يتواضع لطلابه، فيرعى حال جاهلهم، ويرحم ضعيفهم، وقد يَخصّه بمزيد بيانٍ، وشرحٍ ووقت، ولاسيما إذا كان قريب العهد بالإسلام أو الهداية .

وقد جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: إنّ امرأةً كان في عقلها شيء، فقالت: يا رسول الله، إنّ لي إليك حاجة، فقال: «يا أم فلان، انظري أيُّ السِكك شئتِ، حتى أقضيَ لك حاجتك».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك