رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 22 ديسمبر، 2014 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 116 ) بـــاب: تخـفـيـف الصـــلاة والخـطـبـة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

420.عن جابرِ بنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قال : كُنْتُ أُصلِّي مع رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فكانتْ صَلَاتُهُ قَصْدًا، وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا.

 الشرح : قال المنذري: باب: تخفيف الصلاة والخطبة .

والحديث أخرجه مسلم في الجمعة (2/591) باب: تخفيف الصلاة والخطبة.

قوله: «فكانت صلاته قصدا» أي: متوسطة بين الإفراط والتفريط، من التقصير والتطويل.

وفي حديث البراء بن عازب رضي الله عنه: كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وركوعه، وإذا رفع رأسه من الركوع، وسجوده، وما بين السجدتين، قريباً من السواء.

وفي حديث أنس رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع، قام حتى يقول القائل: قدْ نَسِي، وبين السجدتين حتى يقول القائل: قدْ نسي.

صحيح البخاري كتاب الأذان (حديث 820، 821) وصحيح مسلم (1/ 344).

فإنْ قيل: حديث جابر بن سمرة -رضي الله عنه- هذا، ينافي حديث عمار رضي الله عنه مرفوعا: «إنّ طُول صلاة الرجل، وقصر خطبته، مئنة من فقهه، فأطيلوا الصلاة، وأقصروا الخطبة» رواه مسلم.

قال النووي: المراد بالحديث الذي نحن فيه: أن الصلاة تكون طويلة بالنسبة إلى الخطبة، لا تطويلاً يشق على المأمومين، وهي حينئذ قصدٌ؛ أي: معتدلة، والخطبة قصد بالنسبة إلى وضعها. شرح مسلم (6/159 ).

 وقال العراقي في شرح الترمذي: أو حيث احتيج إلى التطويل لإدراك بعض من تخلف، قال: وعلى تقدير تعذر الجمع بين الحديثين،  يكون الأخذ في حقنا بقوله؛ لأنه أدلّ، لا بفعله لاحتمال التخصيص انتهى.

قلت: قال القاري في المرقاة: لا تنافي بينهما؛ فإنّ الأول دل على الاقتصاد فيهما، والثاني على اختيار المزية في الثانية منهما انتهى.

 قوله: «وخُطبته قصداً» القَصْد: الوَسط، أي: لا قصيرة ولا طويلة .

قال النووي رحمه الله: أي بين الطول الظاهر، والتخفيف الماحق اهـ.

     فإنْ قلت: هذا ينافي حديث أبي زيد بن أَخْطَب رضي اللَه عنه: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر، وصعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت الظهر فنزل فصلى، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر، ثم نزل فصلى، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس، فأخبرنا بما كان، وبما هو كائن. رواه مسلم.

نقول : لا تنافي بينهما؛ لأن حديث أبي زيد لم يَذكر أنه كان يوم جمعة .

أو أن ما في حديث أبي زيد كان نادرا اقتضاه الحال ، وبيانا للجواز .

     وقد كره الشافعي إطالة الخطبة فقال: «وأحبُ أنْ يرفع صوته حتى يسمع أقصى من حضره، إنْ قدر على ذلك، وأحب أنْ يكون كلامه كلاماً مُترسّلاً مبيناً بغير الإعراب الذي يشبه العي، وغير التمطيط وتقطيع الكلام ومدّه، وما يستنكر منه، ولا العجلة فيه عن الإفهام، ولا ترك الإفصاح بالقصد، وأحب أنْ يكون كلامه قصداً بليغاً جامعاً». انتهى من الأم (1/230) .

وقال النووي رحمه الله: «المراد من الحديث أن الصلاة تكون طويلة بالنسبة إلى الخطبة، لا تطويلاً يشق على المأمومين» اهـ .

     وقال في المجموع (4/400): «يُستحب كون الخطبة فصيحةً بليغة، مرتبة مبينة ، من غير تمطيطٍ ولا تقعير، ولا تكون ألفاظاً مبتذلة ملفقة، فإنها لا تقع في النفوس موقعاً كاملاً، ولا تكون وَحْشيةً -أي ألفاظها غريبة لا يفهمها الناس-؛ لأنه لا يحصل مقصودها، بل يختار ألفاظاً جزلة مفهمة» انتهى.

وقال ابن القيم: «وكان صلى الله عليه وسلم يقصر في خطبته أحياناً، ويطيلها أحياناً بحسب حاجة الناس، وكانت خطبته العارضة أطول من خطبته الراتبة» اهـ . زاد المعاد (1 / 191 ) .

وقال الحافظ ابن حجر: «وقد اتفق العلماء على مدح الإيجاز، والإتيان بالمعاني الكثيرة بالألفاظ اليسيرة، وعلى مدح الإطناب في مقام الخطابة بحسب المقام» اهـ . الفتح (11 / 404).

وقال في الإنصاف: «ويقصر الخطبة، هذا بلا نزاع، لكن تكون الخطبة الثانية أقصر، قاله القاضي في التعليق، والواقع كذلك» اهـ . الإنصاف (5/ 242).

     وهذه مسألة مهمة يَغفل عنها كثير من الخطباء، ألا وهي مسألة قصر الخطبة وطول الصلاة، فالناس فيها بين الإفراط والتفريط إلا من رحم الله، فبعضهم يُطيل الخُطبة إطالةَ مملة، فيخالف بذلك السُنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وآخرون يقصرونها تقصيراً مخلاً؛ بحيث تقل فائدتها المرجوة منها؛ وسبب ذلك هو عدم فهم الحديث الوارد في هذه المسألة فهماً صحيحاً؟! فالخطبة ليست قصيرة جداً كما يظن بعضهم؛ لأنها لو كانت كذلك، لما احتاج بعض السلف كعثمان ومعاوية -رضي الله عنهما- إلى أنْ يجلسوا فيها أثناء الخطبة لما كبروا في السن.

وأيضا العجب من بعض الخطباء ذوي العلم، كيف يُطيلون الخطبة، حتى يتجاوز بعضهم ثلاثة أرباع الساعة؟ ولربما قال الناس: ليته سكت!

فما سبق يدلَّ على أن الخطبة وسط بين القصر والطول، وخير الأمور الوسط، كما قال جابر ابن سمرة -رضي الله عنه- في حديث الباب: «قصدا».

      قال أبو وائل رحمه الله: خطبنا عمار رضي اللَّهُ عنه فأوجز وأبلغ، فلما نزل قلنا: يا أبا اليقظان! لقد أبلغت وأوجزت فلو كنت تنفست -أي أطلت قليلاً- فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنّ طول صلاة الرجل، وقصر خطبته، مَئِنةٌ -أي علامة- منْ فقهه، فأطيلوا الصلاة، واقْصُرُوا الخُطبة، وإنّ من البيان سِحْراً» رواه مسلم.

وقال ابن مسعود رضي الله عنه: إنكم في زمان قليلٌ خطباؤه، كثير علماؤه، يُطيلون الصلاة، ويقصرون الخطبة، وسيأتي عليكم زمانٌ، كثير خطباؤه، قليل علماؤه، يطيلون الخطبة، ويؤخرون الصلاة..» .

رواه الطبراني في الكبير (9496) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ( 2/ 417 ) : ورجاله ثقات ، وهو كما قال .

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك