رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 5 يناير، 2015 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 118 ) بـــــاب : فــــي الإنْصـــــــــات للخُــطــبـــــــة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

422-عن أَبي هُريرةَ رضي الله عنه : أَنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم  قال: «إِذا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ: أَنْصِتْ، يَوْمَ الْجُمُعَةِ والْإِمامُ يَخْطُبُ، فَقَدْ لَغَوْتَ».

 الشرح: قال المنذري: باب: في الإنصات للخطبة.

والحديث أخرجه مسلم في الجمعة (2/ 583) باب في الإنصات يوم الجمعة في الخطبة.

وأخرجه البخاري في الجمعة ( 2/413) باب: الْإِنْصاتِ يومَ الجُمُعةِ والْإِمامُ يَخْطُبُ، وإِذا قال لصاحبه: أَنْصِتْ فَقَدْ لَغَا.

قوله: «إِذا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ: أَنْصِتْ»، قال الأزهري‏:‏ يقال: أنصت ونصت وانتصت، قال ابن خزيمة‏:‏ المراد بالإنصات: السكوت عن مكالمة الناس دون ذكر الله‏.‏

قال الحافظ: وتُعقب بأنه يلزم منه جواز القراءة والذكر حال الخطبة، فالظاهر أن المراد السكوت مطلقا، ومن فرق احتاج إلى دليل، ولا يلزم من تجويز التحية لدليلها الخاص ، جواز الذكر مطلقا‏.‏

     وقال الحافظ في تبويب البخاري: «باب الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب»: أشار بهذا إلى الرد على من جعل وجوب الإنصات: من خروج الإمام؛ لأن قوله في الحديث: ‏«والإمام يخطب» جملةٌ حالية، يخرج ما قبل خطبته من حين خروجه وما بعده، إلى أنْ يَشرع في الخطبة‏،‏ نعم الأولى أنْ ينصت كما تقدم الترغيب فيه في ‏«باب فضل الغسل للجمعة»‏ وأما حال الجلوس بين الخُطبتين ، فحكى صاحب ‏(المغني)‏ عن العلماء فيه قولين، بناءً على أنه غير خاطب، أو أن زمن سكوته قليل، فأشبه السكوت للتنفس .‏

قوله: «يوم الجُمعة» مفهومه أن غير يوم الجمعة بخلاف ذلك.‏

     قوله‏: «فَقَدْ لَغَوْتَ»، وفي رواية البخاري «‏وإذا قال لصاحبه: أنصت فقد لغا‏»،‏ وفي رواية النسائي: ‏«مَنْ قال لصاحبه يوم الجمعة والإمام يخطب أنصت، فقد لغا»‏ والمراد بالصاحب: من يخاطبه بذلك مطلقا؛ وإنما ذكر الصاحب لكونه الغالب.‏

 وقوله:‏ «‏فقد لغوت»، قال الأخفش‏:‏ اللغو الكلام الذي لا أصل له، من الباطل وشبهه‏.‏

وقال ابن عرفة‏:‏ اللغو السقط من القول، وقيل‏:‏ الميل عن الصواب، وقيل:‏ اللغو: الإثم، كقوله تعالى: {‏وإذا مَرُوا باللغوِ مرُوا كراما}.‏

وقال الزين بن المنير: اتفقت أقوال المفسرين على أن «اللغو» ما لا يحسن من الكلام‏ .‏

 قال الحافظ (2/414): وأغرب أبو عبيد الهروي في ‏«الغريب»‏ فقال‏:‏ معنى لغا تكلم! كذا أطلق‏،‏ والصواب التقييد‏.‏

وقال النضر ابن شميل‏: معنى لغوت: خبتَ من الأجر، وقيل: بطلت فضيلةُ جمعتك، وقيل: صارت جمعتك ظهرا‏.‏

     قال الحافظ :‏ أقوال أهل اللغة متقاربة المعنى، ويشهد للقول الأخير ما رواه أبو داود وابن خزيمة: من حديث عبد الله بن عمر مرفوعا ‏«ومَنْ لغا وتخطى رقاب الناس، كانت له ظُهرا»، قال ابن وهب أحد رواته‏:‏ معناه أجزأت عنه الصلاة، وحرم فضيلة الجمعة‏.‏

 ولأحمد: من حديث علي مرفوعا‏ «منْ قال: صه فقد تكلم، ومن تكلم فلا جمعة له»‏. ولأبي داود نحوه .

     وروى أحمد (1/230) والبزار: من حديث ابن عباس مرفوعا ‏«من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب، فهو كالحمار يحمل أسفاراً، والذي يقول له: أنصت، ليست له جمعة»‏، قلت: وإسناده ضعيف، فيه مجالد بن سعيد.

     قال الحافظ: وله شاهد قوي في جامع حماد بن سلمة عن ابن عمر موقوفا. قال العلماء:‏ معناه لا جمعة له كاملة، للإجماع على إسقاط فرض الوقت عنه؛ لأنه إذا جعل قوله: ‏«أنصت»‏ مع كونه أمراً بمعروف لغواً، فغيره من الكلام أولى أنْ يسمى لغوا‏.‏

     وقد وقع عند أحمد من رواية الأعرج عن أبي هريرة في آخر هذا الحديث بعد قوله: «فقد لغوت‏ :‏ عليك بنفسك»،‏ واستدل به على منع جميع أنواع الكلام حال الخطبة، وبه قال الجمهور في حق من سمعها؛ وكذا الحكم في حق من لا يسمعها عند الأكثر‏.‏

وقال ابن عبد البر‏:‏ «لا خلاف علمته بين فقهاء الأمصار: في وجوب الإنصات للخطبة على من سمعها في الجمعة»‏.‏

وهو قول مالك وأبي حنيفة وعامة العلماء.

لكن إذا أراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،  فليجعله بالإشارة ‏.‏

فالحديث يدل على أنه لا يجوز أن يقول لمن سمعه من الجهال يتكلم، والإمام يخطب‏:‏ أنصت، ونحوها، أخذاً بهذا الحديث‏ .‏

      قال الحافظ: وروى عن الشعبي وناس قليل؛ أنهم كانوا يتكلمون إلا في حين قراءة الإمام في الخطبة خاصة، قال‏:‏ وفعلهم في ذلك مردودٌ عند أهل العلم، وأحسن أحوالهم أنْ يقال: إنه لم يبلغهم الحديث‏.‏

      وقال: وللشافعي في المسألة قولان مشهوران، وبناهما بعض الأصحاب على الخلاف في أنّ الخطبتين بدلٌ عن الركعتين أم لا‏؟‏ فعلى الأول: يَحرم لا على الثاني، والثاني هو الأصح عندهم، فمن ثَم أطلق من أطلق منهم إباحة الكلام، حتى شنّع عليهم من شنع من المخالفين.‏

وعن أحمد أيضا روايتان

وعنهما أيضا: التفرقة بين من يسمع الخطبة ومن لا يسمعها، ولبعض الشافعية التفرقة بين من تنعقد بهم الجمعة؛ فيجب عليهم الإنصات دون من زاد ، فجعله شبيها بفروض الكفاية‏.‏

واختلف السلف إذا خطب بما لا ينبغي من القول، وعلى ذلك يحمل ما نقل عن السلف من الكلام حال الخطبة .‏

والذي يظهر أن من نفى وجوبه أراد أنه لا يشترط في صحة الجمعة، بخلاف غيره .‏

ويدل على الوجوب في حق السامع ، أن في حديث على المشار إليه آنفا ‏«ومن دنا فلم ينصت كان عليه كفلان من الوزر»؛‏ لأن الوزر لا يترتب على من فعل مباحا‏، ولو كان مكروها كراهة تنزيه.

      وأما ما استدل به من أجاز مطلقا من قصة السائل في الاستسقاء ونحوه ففيه نظر؛ لأنه استدلال بالأخص على الأعم، فيمكن أن يخص عموم الأمر بالإنصات بمثل ذلك كأمر عارض في مصلحة عامة‏.‏

     ونقل صاحب ‏«المغني»‏ الاتفاق على أنّ الكلام الذي يجوز في الصلاة، يجوز في الخطبة كتحذير الضرير من البئر، وعبارة الشافعي‏:‏ وإذا خاف على أحد لم أر بأسا إذا لم يفهم عنه بالإيماء أنْ يتكلم .‏

 وقد استثنى من الإنصات في الخطبة ما إذا انتهى الخطيب إلى كل ما لم يشرع مثل الدعاء للسلطان مثلا، بل جزم صاحب التهذيب بأن الدعاء للسلطان مكروه‏.‏

وقال النووي :‏ محله ما إذا جازف وإلا فالدعاء لولاة الأمور مطلوب اهـ‏.‏

قال الحافظ : ومحل الترك إذا لم يخف الضرر، وإلا فيباح للخطيب إذا خشي على نفسه ، والله أعلم .

قلت: هذا في الدعاء للسلطان بالاسم، وأما الدعاء لولاة الأمر عامة بالسداد والصلاح وغيره، فهو من سمات أهل السنة والجماعة، بخلاف الخوارج ومن شابههم!

قال النووي: واختلفوا إذا لم يسمعوا الإمام، هل يلزمه الإنصات كما لو سمعه؟ فقال الجمهور: يلزمه، وقال النخعي وأحمد: لا يلزمه انتهى

والصحيح المختار وهو مذهب الجمهور أنه يلزمه الإنصات؛ لأن الحديث لم يفصل.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك