رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 12 يناير، 2015 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 119 ) باب: فَضلُ مَنْ استمعَ وأنصتَ يومَ الجُمعة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

423.عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه : عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: «مَنْ اغْتَسَلَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ، فَصَلَّى ما قُدِّرَ لَهُ، ثُمَّ أَنْصَتَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَعَهُ، غُفِرَ لَهُ ما بَيْنَهُ وبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى، وفَضْلُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ».

 الشرح: قال المنذري: باب: فضلُ مَنْ استمعَ وأنصت يوم الجمعة.

والحديث أخرجه مسلم في الجمعة (2/587 ) وبوب عليه النووي: باب فضل من استمع وأنصت في الخُطبة.

وقد رواه البخاري بنحوه عن سلمان الفارسي رضي الله عنه في الجمعة (883).

     قوله «مَنْ اغْتَسَلَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ» سبق الكلام في غسل يوم الجمعة، وذكر خلاف أهل العلم فيه، وقول كثير من الفقهاء أنه سُنةٌ مُؤكدة، وأنّ الصحيح قول من قال بالوجوب، فينبغي المحافظة على هذا الغسل قدر الإمكان، والأفضل أنْ يكون عند توجهه إلى صلاة الجمعة، لأن هذا أبلغ في التطهر، وقطع للروائح الكريهة.

وقد ورد في الرواية الأخرى لهذا الحديث عند مسلم ( 2/588 ): «منْ توضّأ فأحسنَ الوضوء، ثم أتى الجُمعة فاستمعَ وأنصتَ، غُفر له ما بينه وبين الجمعة، وزيادةَ ثلاثة أيام».

     كذا وقع فيه: «منْ توضّأ فأحسنَ الوضوء..» وهو لا يعارض ما ثبت في الصحيحين وغيرهما: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «غُسل الجُمعة واجبٌ على كل محتلم»، فإن هذا الحديث الثاني فيه زيادة على الحديث الأول، فيُؤخذ بها.

كما أن حديث الغسل أصح منه، فقد أخرجه الأئمة السبعة، وهذا لم يخرجه إلا مسلم.

     وهو يدل على أن الغسل ليس شرطاً لصحة الصلاة، وإنْ كان واجبا، كما سبق بيانه في حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه ، لما دخل متأخراً ذات يوم، وأمير المؤمنين عمر ابن الخطاب يخطب الناس يوم الجمعة، فسأله أمير المؤمنين عمر؟ فقال: والله يا أمير المؤمنين، ما زدتُ على أنْ توضأت ثم أتيت  ..» الحديث.

قال النووي في شرح الحديث: فيه فضيلة الغسل، وأنه ليس بواجب للرواية الثانية!

وفيه: استحباب الوضوء وتحسينه . ومعنى «إحسانه» الإتيان به ثلاثاً ثلاثا، ودَلْك الأعضاء، وإطالة الغرة والتحجيل وتقديم الميامن، والإتيان بسننه المشهورة.

قال: وفيه أنّ التنفل قبل خروج الإمام يوم الجمعة مستحب، وهو مذهبنا ومذهب الجمهور.

وفيه: أنّ النوافل المُطلقة، لا حَدّ لها، لقوله صلى الله عليه وسلم : «فصلّى ما قُدر له».

وفيه: الإنصات للخطبة.

وفيه: أن الكلام بعد الخطبة، قبل الإحرام بالصلاة، لا بأس به.انتهى

     قال كاتبه: وقد غفل أو أهمل أكثر المسلمين اليوم، التنفّل قبل خروج الإمام يوم الجمعة، وصار كثيرٌ منهم يجعل انتظاره للإمام، في قراءة القرآن! أو في قراءة سورة الكهف خاصة! مع أنها لم تقيد بهذا الوقت، بل يوم الجمعة كله وقتٌ لقراءتها، كما هو معلوم.

     وقد سبق بيان أنّ الإنصات للخطيب يوم الجمعة من الواجبات، فلا يجوز للمسلم أن يتساهل في ذلك، فيعبث بثوبه أو بالسجاد، أو يتحدث مع صاحبه، أو يشتغل بشيء عن الخطبة، وقد ورد في فضائل الإنصات للخطبة أحاديث منها:

1- أنه يكفّر ما بين الجمعة والجمعة السابقة: كما في قوله صلى الله عليه وسلم هاهنا: «غُفِرَ لَهُ ما بينه وبينَ الجُمُعَةِ الْأُخرَى، وفَضْلُ ثَلَاثَة أَيَّامٍ».

 2- أنه يُكتَب له بكل خُطوة إلى الجمعة، أجرُ صيامِ سنةٍ وقيامها: كما في حديث أَوْسِ بنِ أَوْسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : «مَنْ اغْتَسَلَ يومَ الْجُمُعَةِ وغَسَّلَ، وبَكَّرَ وابْتَكَرَ، ودَنَا واسْتَمَعَ وأَنْصَتَ، كَان لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا: أَجْرُ سَنَةٍ، صِيَامُهَا وقِيَامُهَا» رواه الترمذي (496) وصححه البيهقي في (السنن الكبرى) (3/227).

 3- أنّ أجرَ صلاة الجمعة موقوفٌ على الإنصات: فعن أَبي هُريرةَ رضي الله عنه : أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يومَ الْجُمُعَةِ: أَنْصِتْ، والْإِمامُ يَخْطُبُ، فَقَدْ لَغَوْتَ» رواه البخاري (934) ومسلم (851).

  وفي الرواية الأخرى قال: «فاستمع وأنصت» وهما شيئان متمايزان، وقد يجتمعان، فالاستماع: هو الإصغاء، والإنصات: هو السكوت، ولهذا قال الله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (الأعراف: 204)، ففرّق بينهما.

وقوله: «حتى يفرغ من خُطبته» هكذا روي من غير ذِكر الإمام، وعاد الضمير إليه للعلم به، وإنْ لم يكن مذكوراً.

 وقوله: «غُفِرَ لَهُ ما بَيْنَهُ وبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى»، وهذا مشروط باجتناب الكبائر، كما في حديث أَبي هُريرةَ: أَنّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: «الصَّلَواتُ الخَمْسُ، والجُمُعَةُ إلى الجُمُعَةِ، كفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، ما لم تُغْشَ الْكِبَائِر». رواه مسلم.

وهو كما قال تعالى: { إنْ تَجتنبُوا كبائرَ ما تُنهونَ عنه نُكفّرْ عنكم سيئاتِكم ونُدخلكم مُدْخلاً كريماً} النساء: 31.

     قوله: «وفضل ثلاثة أيام» أي: وزيادة ثلاثة أيام. قال العلماء: معنى المغفرة له ما بين الجمعتين وثلاثة أيام: أنّ الحسنة بعشرِ أمثالها، وصار يوم الجمعة الذي فعل فيه هذه الأفعال الجميلة، في معنى الحَسَنة، التي تجعل بعشر أمثالها. قاله النووي، ثم قال: قال بعض أصحابنا: والمراد بما بين الجمعتين: من صلاة الجمعة وخطبتها، إلى مثل الوقت من الجمعة الثانية، حتى تكون سبعة أيام، بلا زيادة ولا نقصان، ويضم إليها ثلاثة، فتصير عشرة.

     وقد جاء قوله صلى الله عليه وسلم في بعض روايات الحديث السابق:» ومن مسّ الحصى لغا» وهو ينافي الإنصات، ويلهي عن الاستماع لخطبة الجمعة، التي فُضلت بها هذه الأمة على سائر الأمم.

وكان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم المساجد تفرش بالحصباء، وهي الحصى الصغار.

     والنهي عن مس الحصى، يشمل غيره من أنواع العبث حال الخطبة، كالذي يعبث بتحريك القلم أو الساعة، أو يقوم إلى المروحة ويحركها دون حاجة، أو الذي يعبث بالسواك، يريد أنْ يتسوك والإمام يخطب.

وفيه: إشارة إلى وجوب إقبال القلب والجوارح على الخُطبة، والمراد باللغو هنا: الباطل المذموم المردود، وقد سبق بيانه قريبا.

 وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن الرجل يكتب ما يسمعه في الخطبة، لأنّ بعض الناس ينسى فيقول: أنا كلما مرّت عليَّ جملة مفيدة أكتبها، هل يجوز أم لا؟

     فأجاب: «الظاهر أنه لا يجوز؛ لأن هذا إذا اشتغل بالكتابة، تلهّى عما يأتي بعدها؛ لأنّ الإنسان ليس له قلبان، فإذا كان يشتغل بالكتابة، تلهّى عما يقوله الخطيب أثناء كتابته لما سبق، ولكن - الحمد لله - الآن قد جعل الله للناس ما يُريحهم؛ حيثُ جاءت هذه الأشرطة، وهذه المسجلات، فبإمكانك أن تحضر المسجل، وتسجل الخطبة في راحة، وتستمع إليها في بيتك أو في سيارتك، على أي وضعٍ كنت». من شرح رياض الصالحين.

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك