رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 26 يناير، 2015 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 121 ) باب: ما يقـــــرأ فـي صـــــلاة الجمعــــــــة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

425- عن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ -رضي الله عنهما- قال: كان رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ في الْعِيدَيْنِ وفي الْجُمُعَةِ: بـ{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، و{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}، قال: وإِذَا اجْتَمَعَ الْعِيدُ والْجُمُعَةُ في يَوْمٍ وَاحِدٍ، يَقْرَأُ بِهِما أَيضًا في الصَّلَاتَيْنِ.

 الشرح:  قال المنذري: باب: ما يقرأ في صلاة الجمعة.  والحديث أخرجه مسلم في الجمعة (2/598) وبوب عليه النووي كتبويب المنذري. وقد أخرجه الجماعة إلا البخاري والنسائي.

     قوله: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيدين وفي الجمعة بـ {سبح اسم ربك الأعلى}، و{هل أتاك حديث الغاشية}» فيه استحباب القراءة فيهما بهما، ولفظ «كان» يفيد الاستمرار في ذلك، فهي سُنةٌ نبوية للإمام في صلاة الجمعة.

     وفي الحديث الآخر في الباب عند مسلم أيضا:  عن ابنِ أَبي رافِعٍ قال: اسْتَخْلَفَ مروانُ أَبا هُريرةَ رضي الله عنه على المدينة، وخرج إِلَى مكَّةَ، فَصَلَّى لَنا أَبو هُريرة الْجُمُعَةَ، فَقَرأَ بعد سُورَةِ الْجُمُعَةِ، في الرَّكعةِ الْآخرةِ: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ)، قال: فأَدركتُ أَبا هريرةَ حين انْصرفَ، فقلْتُ لَه:  إِنَّك قَرَأْتَ بِسُورتَيْنِ، كان عليُّ بنُ أَبي طَالِبٍ يَقْرأُ بِهِما بِالْكُوفَةِ،  فقال أَبو هريرة: إِنِّي سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرأُ بِهِما يومَ الْجُمُعَةِ.

وهذه سنة أخرى مأثورة صحيحة عنه صلى الله عليه وسلم .

فكان النبي صلى الله عليه وسلم  أحياناً يقرأ في الجمعة بـ(الجمعة) و(المنافقين)، وأحياناً بـ(سبح) و (هل أتاك).

 قال العراقي: والأفضل من هذه الكيفيات قراءة «الجمعة» في الأولى، ثم «المنافقين» في الثانية، كما نص عليه  الشافعي فيما رواه عنه الربيع انتهى.

 كذا قال! ولا وجه للتفضيل،  بل إن الحديث الذي فيه لفظ: «كان» مشعر بأن فعل ذلك كان على سبيل المداومة، كما تقرر في الأصول، وهو حديث الباب، فهو الأفضل.

وقال مالك:  أدركت الناس يقرؤون في الأولى بالجمعة والثانية بسبح، ولم يثبت ذلك في الأحاديث !

وقال ابن عيينة: إنه يُكره أن يتعمد القراءة في الجمعة بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لئلا يجعل ذلك من سننها وليس منها!

قال ابن العربي:  وهو مذهب ابن مسعود، وقد قرأ فيها أبو بكر الصديق بالبقرة.

قال كاتبه:  ولعل المقصود:  ترك القراءة بهما أحياناً،  لئلا يُتوهم وجوبهما على الإمام في صلاة الجمعة،  أما كونها سنة نبوية ثابتة،  فلا شك في ذلك.

     وقال الشوكاني: وحكى ابن عبد البر في الاستذكار عن  أبي إسحق المروزي مثل قول ابن عيينة، وحكي عن  ابن أبي هريرة  مثله، وخالفهم جمهور العلماء، وممن خالفهم من الصحابة:  علي وأبوهريرة.  قال العراقي: وهو قول مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأبي ثور.

      قوله: «وربما اجتمعا»، أي: العيد والجمعة «فيقرأ بهما» أي بـ ( سبح اسم ربك ) و ( هل أتاك). وهذا يدل على استحباب القراءة في العيدين أيضا بـ  (سبح اسم ربك الأعلى)  و(الغاشية)،  وإلى ذلك ذهب أحمد بن حنبل،  وذهب الشافعي إلى استحباب القراءة فيهما بـ (ق ) و (اقتربت ) لحديث أبي واقد الليثي.  واستحب ابن مسعود القراءة فيهما بأوساط المفصل من غير تقييد بسورتين معينتين.

وقال أبو حنيفة: ليس فيه شيء مؤقت!

     وحديث أبي واقد الليثي في صحيح مسلم:  أَنَّ عمرَ بنَ الخطَّابِ سَأَل أَبا واقِدٍ اللَّيْثيَّ ما كان يَقْرأُ بِهِ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم  في الأَضْحَى والْفِطْرِ؟ فقَال: كان يَقْرَأُ فِيهِمَا بِـ (ق والْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ) و(اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ)».

وقد جمع النووي بين الأحاديث فقال: كان في وقتٍ يقرأ في العيدين بـ (ق) و(اقتربت)،  وفي وقت:  بـ (سبح) و(هل أتاك ).

     ووجه الحكمة في القراءة في العيدين بهذه السور:  أن في سورة (سبح) الحث على الصلاة، وزكاة الفطر، على ما قال سعيد بن المسيب في تفسير قوله تعالى: (قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى)، فاختصت الفضيلة بها كاختصاص الجمعة بسورتها.

وأما (الغاشية) فللموالاة بين (سبح) وبينها،  كما بين (الجمعة) و(المنافقين).

     وأما سورتا (ق ) و ( اقتربت) فنقل النووي في (شرح مسلم) عن العلماء أن ذلك: لما اشتملتا عليه من الإخبار بالبعث، والإخبار عن القرون الماضية، وإهلاك المكذبين، وتَشبيه بروز الناس في العيد، ببروزهم في البعث، وخروجهم من الأجداث كأنهم جَرادٌ منتشر.

      وقد ورد في الحكمة من القراءة في الجمعة بسورة (الجمعة والمنافقين) ما أخرجه الطبراني في الأوسط: عن  أبي هريرة  قال:  «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  مما يقرأ في صلاة الجمعة بالجمعة،  فيحرض به المؤمنين،  وفي الثانية بسورة المنافقين،  فيفزع المنافقين»، قال العراقي: وفي إسناده من يحتاج إلى الكشف عنه.

      أما القراءة في فجر الجمعة،  فقد جاء عن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما:  أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم  كان يَقْرأُ في صلَاةِ الْفجرِ، يومَ الْجُمُعَةِ:  (الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ )، و(َهَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ)، وأَنَّ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم  كان يَقرأُ في صلَاةِ الْجُمعَةِ سُورةَ الجُمعة،  والْمُنَافقين.

     مسألة:  وفي قوله: «وإِذا اجْتَمَعَ العِيدُ والْجُمُعَةُ في يومٍ واحِدٍ،  يَقْرَأُ بِهِما أَيضًا في الصَّلَاتَيْنِ»، ما إذا اجتمع يوم العيد ويوم الجمعة،  كعيد الفطر أو الأضحى مع الجمعة التي هي عيد الأسبوع،  هل تجب صلاة الجمعة على من حضر صلاة العيد؟ أم يجتزئ بصلاة العيد ويصلى بدل الجمعة ظهرا ً؟

وهل يُؤَذّن لصلاة الظهر في المساجد أم لا ؟

والجواب:  قد وردت أحاديث وآثار في هذه المسألة،  فمنها:

1- حديث زيد بن أرقم -رضي الله عنه-: أن معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- سأله -: هل شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم  عيدين اجتمعا في يوم واحد؟ قال: نعم،  قال:  كيف صنع ؟ قال: صلى العيد ثم رخّص في الجمعة،  فقال: «مَنْ شاء أنْ يُصلي فليصل». رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة والدارمي والحاكم وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه،  وله شاهد على شرط مسلم.  ووافقه الذهبي،  وهو كما قالا.

 2- حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال:  «قدْ اجتمعَ في يومكم هذا عِيدان،  فمن شاءَ أجْزأه من الجُمعة،  وإنّا مُجمّعون». رواه أبو داود وابن ماجة وغيرهما.

3- حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  «اجتمعَ عيدان في يومكم هذا، فمنْ شاءَ أجزأه من الجمعة، وإنا مُجمعون إن شاء الله». رواه ابن ماجة، وقال البوصيري:  إسناده صحيح ورجاله ثقات.

 4- وعن عطاء بن أبي رباح قال:  صلى بنا ابن الزبير في يوم عيد في يوم جمعة أول النهار،  ثم رحنا إلى الجمعة فلم يخرج إلينا،  فصلينا وحداناً،  وكان ابن عباس بالطائف،  فلما قدمنا ذكرنا ذلك له،  فقال:  «أصاب السنة».  رواه أبو داود.

 5- وعن أبي عبيد مولى ابن أزهر قال أبو عبيد:  شهدت العيدين مع عثمان بن عفان،  وكان ذلك يوم الجمعة،  فصلى قبل الخطبة ثم خطب،  فقال:  يا أيها الناس،  إنّ هذا يوم قد اجتمع لكم فيه عيدان،  فمن أحبَّ أن ينتظر الجمعة منْ أهل العوالي فلينتظر،  ومن أحب أن يرجع فقد أذنت له.  رواه البخاري ومالك في الموطأ.

أما مذاهب العلماء في ذلك، فمذهب الحنفية والمالكية أنه إذا اجتمع يوم العيد ويوم الجمعة، فإن إحدى الصلاتين لا تجزئ عن الأخرى!

وهذا هو مذهب الشافعي، غير أنه يرخص لأهل القرى الذين بلغهم النداء وشهدوا صلاة العيد، ألا يشهدوا صلاة الجمعة.

     وجاء في المغني لابن قدامه:  « مذهب الإمام أحمد: أن من شهد العيد سقطت عنه الجمعة،  إلا الإمام لا تسقط عنه،  إلا ألا يجتمع معه من يصلي به الجمعة، وقيل في وجوبها على الإمام روايتان، وروي عنه أيضاً:  أنه إذا صليت الجمعة في وقت العيد، أجزأت صلاة الجمعة عن صلاة العيد، وذلك مبني على رأيه في جواز تقديم الجمعة قبل الزوال.

 وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله تعالى:  عن ذلك فأجاب:  « الحمد لله،  إذا اجتمع الجمعة والعيد في يوم واحد،  فللعلماء في ذلك ثلاثة أقوال:

- أحدها:  أنه تجب الجمعة على من شهد العيد،  كما تجب سائر الجمع للعمومات الدالة على وجوب الجمعة.

- الثاني:  تسقط عن أهل البر،  مثل أهل العوالي والشواذ؛ لأن عثمان بن عفان أرخص لهم في ترك الجمعة،  لما صلى بهم العيد.

- والقول الثالث: وهو الصحيح: أنّ من شهد العيد سقطت عنه الجمعة، لكن على الإمام أنّ يقيم الجمعة ليشهدها منْ شاء شهودها، ومنْ لم يشهد العيد، وهذا هو المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم  وأصحابه: كعمر، وعثمان، و ابن مسعود،  وابن عباس،  وابن الزبير وغيرهم.

     ولا يعرف عن الصحابة في ذلك خلاف، وأصحاب القولين المتقدمين لم يبلغهم ما في ذلك من السُنة عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لما اجتمع في يومه عيدان صلى العيد ثم رخص في الجمعة،  وفي لفظ أنه قال:  «أيها الناس إنكم قد أصبتم خيرا،  فمن شاء أنْ يشهد الجمعة فليشهد، فإنا مجمعون».

وأيضاً: فإنه إذا شهد العيد حصل مقصود الاجتماع،  ثم إنه يصلي الظهر إذا لم يشهد الجمعة، فتكون الظهر في وقتها،  والعيد يحصل مقصود الجمعة.

     وفي إيجابها على الناس تضييق عليهم، وتكدير لمقصود عيدهم،  وما سن لهم من السرور فيه،  والانبساط، فإذا حبسوا عن ذلك عاد العيد على مقصوده بالإبطال؛ ولأن يوم الجمعة عيد،  ويوم الفطر والنحر عيد،  ومن شأن الشارع إذا اجتمع عبادتان من جنس واحد أدخل إحداهما في الأخرى،  كما يدخل الوضوء في الغسل، وأحد الغسلين في الآخر.  والله أعلم».

 وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة،  بعد ذكر الأحاديث الواردة ما يلي:

- وبناء على هذه الأحاديث المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعلى هذه الآثار الموقوفة عن عدد من الصحابة -رضي الله عنهم-، وعلى ما قرره جمهور أهل العلم في فقهها، فإن اللجنة تبين الأحكام الآتية:

 1- منْ حضر صلاة العيد فيرخص له في عدم حضور صلاة الجمعة،  ويصليها ظهراً في وقت الظهر،  وإنْ أخذ بالعزيمة فصلى مع الناس الجمعة فهو أفضل.

2- من لم يحضر صلاة العيد فلا تشمله الرخصة؛ ولذا فلا يسقط عنه وجوب الجمعة، فيجب عليه السعي إلى المسجد لصلاة الجمعة،  فإنْ لم يوجد عدد تنعقد به صلاة الجمعة،  صلاها ظهراً.

3- يجب على إمام مسجد الجمعة إقامة صلاة الجمعة ذلك اليوم،  ليشهدها من شاء شهودها،  ومن لم يشهد العيد،  إنْ حضر العدد التي تنعقد به صلاة الجمعة،  وإلا فتصلى ظهرا.

4- من حضر صلاة العيد وترخص بعدم حضور الجمعة،  فإنه يصليها ظهراً بعد دخول وقت الظهر.

5- لا يشرع في هذا الوقت الأذان إلا في المساجد التي تقام فيها صلاة الجمعة، فلا يشرع الأذان لصلاة الظهر ذلك اليوم.

6- القول بأن من حضر صلاة العيد تسقط عنه صلاة الجمعة وصلاة الظهر ذلك اليوم، قول غير صحيح؛ ولذا هجره العلماء وحكموا بخطئه وغرابته، لمخالفته السُنة،  وإسقاطه فريضةً من فرائض الله بلا دليل،  ولعل قائله لم يبلغه ما في المسألة من السنن والآثار،  التي رخصت لمن حضر صلاة العيد بعدم حضور صلاة الجمعة،  وأنه يجب عليه صلاتها ظهراً.

والله تعالى أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ. . الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الغديان. . الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد. . الشيخ صالح بن فوزان الفوزان. 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك