رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 24 يونيو، 2015 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 141 ) باب: في التَّعوّذ عند رؤية الرّيح والغيم والفَرح بالمطر

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

452.عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا قالتْ: كانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا عَصَفَتْ الرِّيحُ، قَال: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا، وخَيْرَ ما فِيها، وخَيْرَ ما أُرْسِلَتْ بِهِ، وأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ مَا فِيهَا، وشَرِّ ما أُرْسِلَتْ بِهِ « قالتْ: وإِذَا تَخَيَّلَتْ السَّمَاءُ، تَغَيَّرَ لَوْنُهُ، وخَرَجَ ودَخَلَ، وأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، فَإِذَا مَطَرَتْ سُرِّيَ عنه، فَعَرَفْتُ ذلك في وَجْهِهِ، قَالَت عَائِشَةُ : فَسَأَلْتُهُ فقال: «لَعَلَّهُ يا عَائِشَةُ كما قال قَوْمُ عَادٍ {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَٰذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا}(الأحقاف: 24).

الشرح : قال المنذري: باب : في التعوذ عند رؤية الريح والغيم, والفرح بالمطر. والحديث أخرجه مسلم في صلاة الاستسقاء (2/616) وبوب عليه النووي باب: التعوّذ عند رؤية الريح والغيم والفرح بالمطر. الرياح خلقٌ من خَلق الله تعالى، وآية من آيات الله -عز وجل- في تصريفها وتوجيهها شمالاً وجنوباً، وشرقا وغربا، وفي إرسالها وكيفيتها، قوةً وضعفاً، جفافاً ورطوبة، وغير ذلك من صفاتها، ولا يقدر أحدٌ من الخَلق على أنْ يصرف هذه الرياح كيف يشاء، إلا خالقها -عزّ وجل- وفي ذلك آيات كثيرة من كتاب الله -تعالى- كما قال الله -تبارك وتعالى-: {وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}(البقرة: 164).

وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ}(الأعراف: 57).

وقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِ}(الروم: 46).

     وقال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ}(الروم: 48). والآيات في هذه كثيرة. وقد عظّم الله تعالى الريح وأقسم بها، تشريفاً لها في مواضع من كتابه، مثل قوله: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا}(الذاريات: 1), وقوله: {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا ﴿١﴾ فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا ﴿٢﴾ وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا}(المرسلات: 1-3 ). قولها: «كانَ النَّبِيُ صلى الله عليه وسلم إِذَا عَصَفَتْ الرِّيحُ» عَصَفَتْ أي: اشتد هبُوبها، وريحٌ عاصف: شديدة الهبوب (نهاية).

قوله: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا، وخَيْرَ ما فِيها..»، سأل الله تعالى هاهنا ثلاث خيرات: الأول: خيرَ الريح نفْسها، والثاني: خيرَ ما فيها، والثالث: خير ما أُرسلت به.

أما خير الريح نفسها، مثل تلذذ بني آدم ببرودتها في الحر، وإعطائهم الطراوة، أو الدفء بالشتاء، والتلقيح للنباتات، وذهابها بالروائح الكريهة والأدخنة، ونحو ذلك.

     وأما خير ما فيها: مثل نزول المطر النافع بها بسوقها للسحاب؛ لأن المطر لا يجيء إلا ويسبقها الريح. ومنه: إن الله يُسير بها السفن في البحار ، قال تعالى: {وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كالأعلام (32) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ(الشورى: 32-33).

     وأما خير ما أرسلت به، مثل السحاب؛ لأنه يجيء بالريح وله خير وشر، خيره مثل: المطر النافع، وشره مثل: المطر الضار. وغير ذلك من صور الرحمة، وقد قال مطرف: لو حبست الريح عن الناس لأنتن ما بين السماء والأرض. وكذلك الـمُستَعاذ منه ثلاثة شرور؛ هي بعكس ما سبق ذكره من الخير. والمسلم يتعامل مع الرياح على أنها مخلوق من مخلوقات الله تعالى، سخرها الله -سبحانه- لغايات عظيمة في هذا الكون؛ ولذا لا يذم ولا يسب الرياح، وقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم أنْ نسأل الله -تعالى- خيرها ، ونعوذ بالله تعالى من شرها، بل أمرنا بذلك، ونهانا عن سبّها، فكان يقَول صلى الله عليه وسلم إذا هبت الريح كما في حديثنا هذا: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا، وخَيْرَ ما فِيها، وخَيْرَ ما أُرْسِلَتْ بِهِ، وأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا ، وَشَرِّ مَا فِيهَا، وشَرِّ ما أُرْسِلَتْ بِه».

وروى ابن حبان (1008) بسند حسن: عن سلمة بن الأكوع عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه كان إذا اشتدت الريح، يقول: «اللهم لقْحاً لا عقيماًً.

وصح عن قتادة قال: إن من الريح عقيما وعذابا حين ترسل، لا تلقح شيئاً، ومن الريح رحمة يثير الله -تبارك وتعالى- بها السحاب ، ويُنزل بها الغيث.

قولها: «وإِذَا تَخَيَّلَتْ السَّمَاءُ، تَغَيَّرَ لَوْنُهُ، وخَرَجَ ودَخَلَ، وأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ..» تَخَيَّلَتْ قال أبو عبيد وغيره: من المَخيلة، وهي سحابةٌ فيها رعدٌ وبرق، يُخيّل إليه أنها ماطرة، ويقال: أخالتْ: إذا تغيّمت.

     قولها: «فَإِذَا مَطَرَتْ سُرِّيَ عنه» أي: انكشفَ عنه الهم وزال. والريح أيضاً: جُندٌ من جند الله -عز وجل- ويُذكّرنا هبوب الرياح الشديدة بما حصل لبعض الأمم السابقة، ممن كتب الله عليهم العذاب بكفرهم وشركهم  وتكذيبهم وعصيانهم لرسلهم، فجاء في القرآن الكريم أنها أرسلت عذاباً لعاد قوم هود عليه السلام، حين كذبوه، وسيأتي الكلام في ذلك.

وقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن سب الريح ولعنها، فروى الترمذي: عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تسبوا الريح».

     وعن أُبي بن كعب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تَسُبُّوا الريح، فإذا رأيتم ما تَكرهون، فقولوا: اللهم إنا نسألُك من خيرِ هذه الريح، وخيرِ ما فيها، وخيرِ ما أُمرت به، ونعوذ بك من شر هذه الريح ، وشرّ ما فيها، وشر ما أمرت به» رواه الترمذي. وقال حسن صحيح، وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة.

     لأنّ السبَّ يكون متوجهاً إلى خالقها ومصرفها جلَّ وعلا، وهذا من أعظم الذنوب، وعن ابن عباس -رضي الله عنه-: أنّ رجلاً لعن الريح عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «لا تَلعنوا الريحَ فإنها مأمورةٌ، وإنه مَنْ لعن شيئا ليس له بأهلٍ ، رجعت اللعنةُ عليه» رواه الترمذي، وصححه الشيخ الألباني في السلسلة.

قال الشافعي: لا ينبغي شتم الريح، فإنها خلقٌ مطيع لله، وجند من جنوده، يجعلها الله رحمة إذا شاء، ونقمة إذا شاء.

ويقول العلامة ابن عثيمين: وهذا النهي للتحريم; لأنَّ سبّها سبٌ لمن خلقها وأرسلها. ونسبة نزول المطر، لا تكون للرياح ولا للطقس أو الزمان، بل تنسب هذه الأمور لله وحده, فإنّه إذا اعتقد أنّ هذه الأشياء، تخلق المطر أو تُحدثه فهذا شركٌ أكبر؛ لأنّه شركٌ في الرّبوبيّة.

244- باب: في ريحِ الصَّبا والدَّبور

453-عن ابنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  أَنَّهُ قَالَ: «نُصِرْتُ بِالصَّبَا ، وأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ».

الشرح:  قال المنذري: باب: في ريح الصَّبا والدَّبور. والحديث أخرجه مسلم في صلاة الاستسقاء (2/617) وبوب عليه النووي بمثل تبويب المنذري. ورواه البخاري في الاستسقاء ( 2/530) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : «نُصِرْتُ بِالصَّبَا».

قوله صلى الله عليه وسلم : «نُصِرْتُ بِالصَّبَا» الصبا: هي الريح التي تهب من مطلع الشمس إذا استوى الليل والنهار، أي: الريح الشرقية.

قوله: «وأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ» الدبور: هي الريح التي تُقابل الصبا، أي: الريح الغربية.

     ففي هذا الحديث : أنّ الريح تكون نصراً لأنبيائه ورسله وأوليائه سبحانه، كما سخّرها الله لنبينا محمدصلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب، قال تعالى في ذلك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا}( الأحزاب : 9).

وأنها قد تكون الرياح عقوبة لأقوامٍ عصوا الله ورسوله، فقد عاقب الله بها أقواما مضوا، كما قال هاهنا: «نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور».

فقد أهلك الله بها عاداً قوم هود عليه السلام، قال تعالى: {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ}(الذاريات: 41)، ومعنى «عقيم» أنها لم تأتهم بخير، قال ابن الجوزي: «وهي التي لا خَير فيها ولا بَرَكة ، لا تُلْقِح شجراً ولا تَحْمِل مطراً، وإنما هي للإهلاك».

وقد توعد الله بها عباده إذا عصوه، فقال سبحانه: {أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ ﴿١٧﴾ وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ }( الملك : 17- 18).

     بل وقد تكون الريح علامة على عقوبة أقوام من هذه الأمة وإشارة لموت بعض المنافقين ودليل ذلك ما رواه مسلم : عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم من سفر فلما كان قرب المدينة هاجت ريح شديدة تكاد أن تدفن الراكب فزعم أن رسول الله[ قال: «بُعثت هذه الريح لموتِ منافق»؛ فلما قدم المدينة فإذا منافق عظيم من المنافقين قد مات. وقد بوب البيهقي عليه في دلائل النبوة: باب هبوب الريح التي دلّت رسول الله على موت عظيم من عظماء المنافقين.

وبوب عليه ابن حبان: ذِكْرُ الْإِخبارِ عن الرِّيحِ الشَّديدةِ الَّتي هبَّتْ لموتِ بعضِ الْمُنافقين. اسأل الله أنْ يقر أعينّ المؤمنين بهلاك الكفرة الفجرة، والظالمين المفسدين، إنه سميع عليم مجيب الدعاء.

وهذا الحديث آخر كتاب الصلاة ، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك