رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 9 فبراير، 2015 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 123 ) باب: لا يصلي بعد الجمعة حتى يتكلم أو يخرج

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

428.عن عمرَ بنِ عطاءِ بنِ أَبي الْخُوَارِ: أَنَّ نافعَ بنَ جُبَيْرٍ أَرسلَهُ إِلَى السَّائبِ ابنِ أُختِ نَمِرٍ، يسأَلُه عن شيءٍ رآه منه معاويةُ في الصَّلَاةِ، فقال: نعم، صلَّيْتُ معه الْجُمُعَةَ في الْمَقْصُورةِ، فلَمَّا سَلَّمَ الْإِمامُ، قُمْتُ في مقَامِي فَصَلَّيْتُ، فَلَمَّا دخل أَرْسلَ إِلَيَّ فقال: لا تَعُدْ لِمَا فعلْتَ، إِذا صَلَّيْتَ الْجُمُعَةَ، فلا تَصِلْهَا بصلاةٍ، حتَّى تَكَلَّمَ أَو تَخْرُجَ، فإِنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم أَمَرَنَا بذلك: أَنْ لَا تُوصَلَ صَلَاةٌ بِصَلَاةٍ، حَتَّى نَتَكَلَّمَ أَوْ نَخْرُجَ.

 الشرح: قال المنذري: باب: لا يصلي بعد الجمعة حتى يتكلم أو يخرج.

والحديث أخرجه مسلم في الجمعة (2/601) في الباب السابق نفسه.

والحديث رواه عبد الرزاق وأبو داود.

     قوله: «وعن عمرو بن عطاء قال: إن نافع بن جبير أرسله»، أي: عمرا «إلى السائب» -رضي الله عنه - «يسأله»، أي: يسأل عمرو السائب «عن شيء رآه منه معاوية» أي: رأى ذلك الشيء منه معاوية في الصلاة، أي: من السائب.

قوله: «قال: رأيت ابن عمر صلى بعد الجمعة ركعتين، ثم صلى بعد ذلك أربعا».

قال الطيبي: «نعم» حرف إيجاب وتقرير لما سأله نافع من قوله: هل رأى منك معاوية شيئا في الصلاة فأنكر عليك؟ والمذكور معناه: «صليت معه» أي: مع معاوية.

قوله: «الجمعة في المقصورة» موضع معين في الجامع مقصور للسلاطين قوله: «فلما سلم الإمام قمت في مقامي» أي: الذي صليت فيه الجمعة.

قوله: «فصليت» أي: سُنة الجمعة من غير أن أفصل بينهما بشيء.

قوله: «فلما دخل» أي: معاوية بيته « أرسلَ إلي» لئلا تكون النصيحة على وجه الفضيحة «فقال: لا تعد لما فعلت»: من العود، أي: صلاة السنة في مكان فعل الجمعة بلا فصل.

     قوله: «إذا صليت الجمعة»، وهي مثال؛ إذ غيرها كذلك كما مر، ويؤيده ما يأتي من حكمة ذلك، كذا ذكره ابن حجر، ويحتمل أن ذكر الجمعة بعد خصوص الواقعة للتأكيد الزائد في حقها، لاسيما ويوهم أنه يصلي أربعا، وأنه الظهر، وهذا في مجتمع العام سبب للإيهام.

     قوله: «فلا تصلها» من الوصل، أي: لا توصلها «بصلاة» أي: نافلة أو قضاء «حتى تكلم» بحذف إحدى التاءين، من التكليم، أي: أحدا من الناس، فإن به يحصل الفصل لا بالتكلم بذكر الله. «أو تخرج» أي: حقيقة أو حكما، بأن تتأخر عن ذلك المكان.

قوله: «فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك» أي: بما تقدم وهو «أن لا نوصل» أي: الجمعة أو صلاة، أي: صلاة من المكتوبات.

وقوله: «بصلاة حتى نتكلم أو نخرج»، والمقصود بهما الفصل بين الصلاتين لئلا يوهم الوصل؛ فالأمر للاستحباب والنهي للتنزيه.

     قال النووي رحمه الله في شرحه: «فيه دليل لما قاله أصحابنا - يعني فقهاء الشافعية - أن النافلة الراتبة وغيرها، يستحب أن يتحوّل لها عن موضع الفريضة إلى موضع آخر، وأفضله التحول إلى البيت، وإلا فموضع آخر من المسجد أو غيره، ليكثر مواضع سجوده، ولتنفصل صورة النافلة عن صورة الفريضة.

وقوله: «حتى نتكلم» دليل على أن الفصل بينهما يحصل بالكلام أيضا، ولكن بالانتقال أفضل لما ذكرناه. والله أعلم» انتهى.

     وقد روى أبو داود (854) وابن ماجه (1417) واللفظ له عن أبي هريرة رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ إِذا صَلَّى، أَنْ يَتَقَدَّمَ أَو يَتَأَخَّرَ، أَو عن يَمِينِهِ أَوْ عن شمالِهِ، يعني: السُّبْحَةَ». وصححه الألباني.

والسُّبْحَةَ هي: صلاة النافلة بعد الفريضة أو السُنة.

     وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في «الفتاوى الكبرى» (2/359): «والسُنة أنْ يفصل بين الفرض والنفل في الجمعة وغيرها، كما ثبت عنه في الصحيح: «أنه صلى الله عليه وسلم نهى أنْ تُوصل صلاةٌ بصلاة، حتى يفصل بينهما بقيامٍ أو كلام».

     قال: فلا يفعل ما يفعله كثير من الناس، يصل السلام بركعتي السنة، فإنّ هذا ركوبٌ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي هذا من الحكمة التمييز بين الفرض وغير الفرض، كما يميز بين العبادة وغير العبادة، ولهذا استُحب تعجيل الفطور، وتأخير السحور، والأكل يوم الفطر قبل الصلاة، ونهي عن استقبال رمضان بيوم أو يومين، فهذا كله للفصل بين المأمور به من الصيام، وغير المأمور به، والفصل بين العبادة وغيرها، وهكذا تتميّيز الجمعة التي أوجبها الله من غيرها» انتهى.

وعلة الفصل بين الفريضة والنافلة إذاً: تمييز إحداهما عن الأخرى، وذكر بعض العلماء علة أخرى لذلك، وهي: تكثير مواضع السجود، لأجل أن تشهد له يوم القيامة، كما سبق في كلام النووي رحمه الله.

     وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (7/429): «ففي هذا إرشاد إلى طريق الأمن من الالتباس، وعليه تحمل الأحاديث المذكورة، ويؤخذ من مجموع الأدلة أن للإِمام أحوالاً؛ لأن الصلاة إما أن تكون مما يتطوع بعدها أو لا يتطوع، الأول اختلف فيه: هل يتشاغل قبل التطوع بالذكر المأثور ثم يتطوع؟ وهذا الذي عليه عمل الأكثر، وعند الحنفية يبدأ بالتطوع، وحجة الجمهور حديث معاوية.

ويمكن أن يقال: لا يتعين الفصل بين الفريضة والنافلة بالذكر، بل إذا تنحى من مكانه كفى.

فإن قيل: لم يثبت الحديث في التنحي، قلنا: قد ثبت في حديث معاوية: «أو تخرج» ويترجح تقديم الذكر المأثور بتقييده في الأخبار الصحيحة بدبر الصلاة.

وزعم بعض الحنابلة أن المراد بدبر الصلاة: ما قبل السلام، وتعقب بحديث «ذهب أهل الدثور» فإنّ فيه: « تسبحون دبر كل صلاة» وهو بعد السلام جزماً، فكذلك ما شابهه، وأما الصلاة التي لا يتطوع بعدها، فيتشاغل الإِمام ومن معه بالذكر المأثور، ولا يتعين له مكان، بل إنْ شاؤوا انصرفوا وذكروا، وإن شاؤوا مكثوا وذكروا». اهـ

وقال الرملي في «نهاية المحتاج» (1/552): «ويُسن أن ينتقل للنفل أو الفرض من موضع فرضه أو نفله إلى غيره تكثيراً لمواضع السجود؛ فإنها تشهد له، ولما فيه من إحياء البقاع بالعبادة، فإن لم ينتقل إلى موضع آخر فصل بكلام إنسان» انتهى.

     وقال المجد بن تيمية في كتابه المشهور «منتقى الأخبار»: باب استحباب التطوع في غير موضع المكتوبة: عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا يُصلي الإمامُ في مقامه الذي صلّى فيه المكتوبة، حتى يتنحى عنه « رواه أبو داود وابن ماجة (وصححه الألباني).

وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أيَعجزُ أحدُكم إذا صلى أنْ يتقدم، أو يتأخر، أو عن يمينه، أو عن شماله»، وقال: يعني السُّبْحة. رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة (وصححه الألباني).

قال الشارح: والحديثان يدلان على مشروعية انتقال المصلي عن مصلاه الذي يصلي فيه، لكل صلاةٍ يفتتحها من أفراد النوافل. أما الإمام، فبنص الحديث الأول، وبعموم الثاني.

وأما المؤتم والمنفرد، فبعموم الحديث الثاني، وبالقياس على الإمام.

والعلة في ذلك: تكثير مواضع العبادة، كما قال البخاري والبغوي؛ لأن مواضع السجود تشهد له، كما في قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} (الزلزلة: 4). أي: تخبر بما عُمِل عليها.

وورد في تفسير قوله تعالى: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْاَرْضُ} أن المؤمن إذا مات، بكى عليه مصلاه من الأرض، ومصعد عمله من السماء.

     وقال الإمام ابن القيم -رحمه الله- في «تهذيب سنن أبي داود» (7/429): «قالوا: فمقصود عمر، أن اتصال الفرض بالنفل، إذا حصل معه التمادي وطال الزمن، ظن الجُهال أن ذلك من الفرض، كما قد شاع عند كثيرٍ من العامة: أنّ صُبح يوم الجمعة خمس سجدات ولا بد، فإذا تركوا قراءة (الم تنزيل) قرؤوا غيرها من سور السجدات!».

وفي وصل النافلة بالفريضة دون فصل، تفويتٌ لسُنة أخرى: وهي الأذكار التي تُقال دُبُر الصلوات المكتوبة.

     ومنها: حديث أهل الدُّثور، عن أبي هريرة  رضي الله عنه : وفيه: «تسبحون، وتحمدون، وتكبرون، خلف كل صلاة ثلاثاً وثلاثين..» أخرجه البخاري (843) في الأذان، وفي (6329) في الدعوات، ومسلم (595).

     وحديث كعب بن عجرة رضي الله عنه  عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «مُعقباتٌ لا يخيب قائِلُهن -أو فاعلهن- دُبر كل صلاة مكتوبة: ثلاثاً وثلاثين تسبيحةً، وثلاثاً وثلاثين تحميدةً، وأربعاً وثلاثين تكبيرة» رواه مسلم (596).

وما جاء عن بعض الصحابة أنهم عملوا بخلاف الحديث، محمولٌ على عدم العلم به.

     قال الإمام البخاري رحمه الله (848): باب: مكث الإمام في مصلاه بعد السلام: ثم روى عن نافع قال: كان ابن عمر يصلي في مكانه الذي صلى فيه الفريضة. وفعله القاسم، ويذكر عن أبي هريرة رفعه: «لا يتطوع الإمام في مكانه»، ولم يصح.اهـ.

قال الحافظ في (الفتح 2/335): لضعف إسناده، واضطرابه.

قال كاتبه: كذا قال! وقد سبق أن الحديث ورد من طرق، يثبت بها.

وحكى ابن قدامة في (المغني) عن أحمد: أنه كره ذلك، وقال: لا أعرفه عن غير علي!

فكأنه لم يثبت عنده حديث أبي هريرة، ولا حديث المغيرة.

والله أعلم

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك