رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 8 مارس، 2015 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 126 ) بـــاب: ما يقــــرأ فــــي صـــــلاة العيـــــــدين

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

432.عن عُبَيْدِ اللَّهِ بنِ عبدِ اللَّهِ: أَنَّ عُمَرَ بنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه : سَأَلَ أَبا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ رضي الله عنه : ما كَان يَقْرَأُ بِهِ رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في الْأَضْحَى والْفِطْرِ ؟ فقال: كان يَقْرَأُ فيهما بِـ{ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} و{اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ}.

 الشرح: قال المنذري: باب: ما يقرأ في صلاة العيدين.  

والحديث أخرجه مسلم في صلاة العيدين (2/602).

     قوله: «إنَّ عُمَرَ بنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه : سَأَلَ أَبا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ رضي الله عنه » أبو واقد هو الحارث بن مالك، وقيل: ابن عوف الليثي، صحابي من بني ليث بن بكر بن عبد مناة من قبيلة كنانة، قيل: إنه شهد بدراً. وقيل: لم يشهدها. وكان معه لواء بني ضمرة وبني ليث وبني سعد ابن بكر بن عبد مناة يوم الفتح. وقيل: إنه من مسلمة الفتح. والصحيح أنه شهد الفتح مسلماً، يعد في أهل المدينة، وشهد اليرموك بالشام، وجاور بمكة سنة، ومات بها، ودفن في مقبرة المهاجرين سنة ثمان وستين، وهو ابن خمس وسبعين سنة. وقيل: خمس وثمانين سنة، روى له الستة.

     وقد استبعد العلماء عدم علم عمر رضي الله عنه  بما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ به في العيدين، وقد كان يشهدها معه، فقيل: إنما أراد عمر من أبي واقد تحديث الناس بهذه السُنة النبوية، أو غيره من المقاصد.

     قال ابن عبد البر في التمهيد (16/327): يحتمل سؤال عمر رحمه الله - مع جلالته - لأبي واقد، عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم في العيدين؛ ليَعلم إنْ كان عنده من ذلك علم، وإلا أنبأه به، ويحتمل أن يكون على مذهب من قال: إن القراءة في العيدين تكون سراً، وهو قول شاذ ؟!

روي عن علي  رضي الله عنه أنه قال: من السُنة أنْ لا يسمع الإمام قراءته من يليه، ولا يرفع صوته!

     ويحتمل أن يكون عمر نَسي ذلك، أو أراد عاما بعينه، والله أعلم بما كان من ذلك، وموضع عمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم  معروف، وأنه كان من أولي الأحلام والنهى الذين كانوا يَلونه، والله أعلم انتهى.

قال ابن عبد البر: واختلفت الآثار أيضا في هذا الباب، وكذلك اختلف الفقهاء أيضا فيه، فقال مالك: يقرأ في صلاة العيدين بـ {والشمس وضحاها} و{سبح اسم ربك الأعلى} ونحوها.

وقال الشافعي بحديث أبي واقد الليثي هذا في (ق) و(اقتربت الساعة).

وقال أبو حنيفة: يقرأ فيهما بـ {سبح اسم ربك الأعلى} و{هل أتاك حديث الغاشية} وما قرأ من شيءٍ أجزأه، وقال أبو ثور (نحوه)..

قال ابن عبد البر: وما قرأ به الإمام في صلاة العيدين أجزأه، إذا قرأ فاتحة الكتاب انتهى.

     قال كاتبه: وأكثر ما ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيد بسبح والغاشية، كما كان يقرأ بهما في الجمعة، فقد جاء في الحديث: عن النُّعْمَانِ بنِ بَشِيرٍ رضي الله عنهما قال: كان رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ علَيه وسلَّم  يَقْرَأُ في الْعِيدَيْنِ وفي الْجُمُعَةِ: بِـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، و{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} رواه مسلم.

227- باب: تركُ الصلاةِ قبلَ العيدِ وبعده في المُصلّى

 433.عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه : أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  خَرَجَ يَوْمَ أَضْحَى أَو فِطْرٍ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَها، ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ ومَعَهُ بِلَالٌ، فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ، فَجَعَلَتْ الْمَرْأَةُ تُلْقِي خُرْصَهَا، وتُلْقِي سِخَابَهَا.

 الشرح: قال المنذري: باب: ترك الصلاة قبل العيد وبعده في المصلى.

والحديث أخرجه مسلم في صلاة العيدين (2/606) وقد بوب النووي بمثل تبويب المنذري.

والحديث قد رواه البخاري في العيدين (964).

     قوله «أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  خَرَجَ يومَ أَضْحَى أَو فِطْرٍ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلها ولا بَعْدَها» فيه وفي بقية أحاديث الباب الآتية: دليل على أنّ صلاة العيد، ليس لها راتبةٌ قبلية ولا بعدية، وإلى ذلك ذهب الإمام أحمد بن حنبل، قال ابن قدامة: وهو مذهب ابن عباس وابن عمر، قال: وروي ذلك: عن علي وابن مسعود وحذيفة وبريدة وسلمة بن الأكوع وجابر وابن أبي أوفى.

     وقال به: شريح وعبد اللَّه بن مغفل ومسروق والضحاك والقاسم وسالم ومعمر وابن جريج والشعبي ومالك، وروي عن مالك أنه قال: لا يتطوع في المصلى قبلها ولا بعدها، وله في المسجد روايتان.

وقال الزهري: لم أسمعْ أحدًا من علمائنا يذكر: أنّ أحدًا من سلف هذه الأمة، كان يصلي قبل تلك الصلاة ولا بعدها.

قال ابن قدامة: وهو إجماع كما ذكرنا، عن الزهري وعن غيره انتهى.

     ومما ورد في الباب من الحديث: ما جاء عن ابن عمر رضي اللَّه عنه: أنه خرجَ يوم عيدٍ، فلم يُصل قبلها ولا بعدها، وذكر أنّ النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فعله. رواه أحمد والترمذي وصححه.   

     وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه  قال: «كان رسول صلى الله عليه وسلم لا يُصلي قبل العيد شيئاً؛ فإذا رجعَ إلى منزله صلى ركعتين» أخرجه ابن ماجة (1293) وصححه البوصيري في الزوائد (1/423)، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي (1/297)، وحسنه الحافظ في البلوغ (517).

وعن ابن مسعود عند الطبراني في الكبير قال: ليس من السنة الصلاة قبل خروج الإمام يوم العيد. ورجاله ثقات.

قال الترمذي بعد حديث ابن عباس (543): والعمل عليه عند بعض أهل العلم، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق.

وقد رأى طائفةٌ من أهل العلم: الصلاة بعد صلاة العيدين وقبلها، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم.  

قال: والقول الأول أصح انتهى.

وحمل الشافعي أحاديث الباب على الإمام فقط، فقال: فلا يتنفّل قبلها ولا بعدها، وأما المأموم فمخالفٌ له في ذلك، نقل ذلك عنه البيهقي في المعرفة، وهو نصه في الأم.

وقال النووي في شرح مسلم: قال الشافعي وجماعة من السلف: لا كراهة في الصلاة قبلها ولا بعدها.

قال الحافظ: إنْ حمل كلامه على المأموم، وإلا فهو مخالفٌ لنص الشافعي.

وقد أجاب القائلون بعدم كراهة الصلاة، قبل صلاة العيد وبعدها، عن أحاديث الباب بأجوبة، منها: جواب الشافعي المتقدم.

     ومنها ما قاله العراقي في شرح الترمذي: أنه ليس فيها نهيٌ عن الصلاة في هذه الأوقات، ولكنْ لما كان صلى الله عليه وسلم  يتأخر مجيئه إلى الوقت الذي يُصلي بهم فيه، ويرجع عقب الخطبة، روى عنه من روى من أصحابه أنه كان لا يصلي قبلها ولا بعدها، ولا يلزم من تركه لذلك، لاشتغاله بما هو مشروعٌ في حقه، من التأخر إلى وقت الصلاة، أن غيره لا يشرع ذلك له ولا يستحب، فقد روى عنه غيرُ واحدٍ من الصحابة أنه صلى الله عليه وسلم  لم يكنْ يصلي الضحى، وصح ذلك عنهم، وكذلك لم ينقل عنه أنه صلى الله عليه وسلم صلى سنة الجمعة قبلها، لأنه إنما كان يؤذن للجمعة بين يديه وهو على المنبر.

     وقال البيهقي: «يوم العيد كسائر الأيام والصلاة مباحة إذا ارتفعت الشمس، حيث كان المُصلي، ويدل على عدم الكراهة: حديث أبي ذر قال: قال النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم: «الصلاةُ خيرُ موضوعٍ، فمنْ شاء اسْتكثر، ومنْ شاء استقل». رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في صحيحه.

     وكذا قال العراقي في شرح الترمذي، وهو كلام صحيح جار على مقتضى الأدلة، فليس في الباب ما يدل على منع مطلق النفل، ولا على منع ما ورد فيه دليل يخصه، كتحية المسجد إذا أقيمت صلاة العيد في المسجد، وقد قدمنا الإشارة إلى مثل هذا في باب تحية المسجد.

     وقال الحافظ ابن حجر بعد أنْ عَرض الخلاف: «والحاصل أنَّ صلاة العيد لم يثبت لها سنة قبلها ولا بعدها، خلافاً لمن قاسها على الجمعة، وأما مطلق النفل فلم يثبت فيه منع بدليل خاص؛ إلا إن كان في وقت الكراهة الذي في جميع الأيام، ورجّح عدم المنع ابن المنذر». فتح الباري (2/552)، وانظر الإجماع الأوسط لابن المنذر (4/270).

 

فحاصل التنفل المطلق، أنه لا يخلو من حالتين:

أ - إما أن يكون قبل العيد في وقت النهي؛ فلا يجوز لعموم النهي عن ذلك.

ب - وإما أن يكون قبل العيد، ولكن ليس في وقت النهي، كما لو أخروا صلاة العيد، أو بعد العيد، وهذا هو الذي وقع فيه الخلاف بين العلماء، فمنهم من أجازه مطلقاً، ومنهم من منعه مطلقاً، ومنهم من أجازه قبل صلاة العيد، ومنهم من أجازه بعدها، ومنهم من أجازه للمأموم دون الإمام، ومنهم من أجازه في المسجد لا في المصلى.

     والذي يظهر والله أعلم الجواز لعدم الدليل على المنع، وأما حديث ابن عباس رضي الله عنهما فهو يحكي فعل النبي صلى الله عليه وسلم  وهو إما ينتظر إذا حضر صلى بهم، وإذا انتهى انصرف كما في الجمعة، ثم لا يدل عدم فعله على المنع منه.

     قال ابن عبد البر: الصلاةُ فعل خير فلا يجب المنع منها إلا بدليل لا معارض له فيه، وقد أجمعوا أن يوم العيد كغيره، في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها، فالواجب أن يكون كغيره في الإباحة. الاستذكار (7/95).

وانظر الخلاف والحجج في هذه المسألة: الدر المختار (1/777)، وبداية المجتهد (1/212)، والمهذب (1/119)، ومغني المحتاج (1/213)، والمغني (3/280)، والشرح الممتع (5/203).

وليعلم: أنه إذا كان التنفل قبل صلاة العيد، فقد ترك صاحبه الفاضل إلى المفضول؛ لأنَّ عبادة التكبير في وقته المأمور به، أفضل من مطلق النفل.

- أما إذا كانت صلاة العيد تقام في المسجد، فإنه لا يجلس حتى يصلي ركعتين، لما سبق في حديث أبي قتادة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دَخل أحدُكم المسجدَ، فليركع ركعتين قبل أنْ يجلس» رواه البخاري في الصلاة (444)، ومسلم (714).

قوله «فجعلت المرأة» المراد بالمرأة، جنس النساء الحاضرات.

     قوله «تصدّق بخرصها» تصدّق، أي: تتصدق، والخرص هو الحلقة الصغيرة من الحلي. وفي القاموس «الخرص بالضم ويكسر، حلقة الذهب والفضة، أو حلقة القرط، أو الحلقة الصغيرة من الحلي انتهى.

قوله «وسخابها» بسين مهملة مكسورة بعدها خاء معجمة، وهو خيط تنظم فيه الخرزات. وفي القاموس: السّخاب ككتاب، قلادة من سك وقرنفل ومحلب بلا جوهر انتهى.

وفي هذا الحديث: استحباب وعظ النساء وتعليمهن أحكام الإسلام، وتذكيرهن بما يجب عليهن، واستحباب حثهن على الصدقة، وتخصيصهن بذلك في مجلسٍ منفرد. 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك