رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 16 مارس، 2015 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 127 ) باب: فــي خُــــرُوجِ النَّــــساءِ إلى العِيـــــدين

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

434.عن أُمِّ عَطِيَّةَ قالَت: «أَمَرَنَا رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم  أَنْ نُخْرِجَهُنَّ فِي الْفِطْرِ والْأَضْحَى: الْعَوَاتِقَ والْحُيَّضَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، فَأَمَّا الْحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلَاةَ، ويَشْهَدْنَ الْخَيْرَ، ودَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ، قُلْتُ: يا رسولَ اللَّهِ، إِحْدَانَا لا يكونُ لها جِلْبَابٌ؟ قال: «لِتُلْبِسْهَا أُخْتُها مِنْ جِلْبَابِهَا».

 الشرح: قال المنذري: باب: في خروج النساء إلى العيدين. والحــديث أخرجــه مســـلم فـــي صــــلاة العيـدين ( 2/602 ).

وأخرجه البخاري في العيدين (974) باب خروج النساء والحُيّض إلى المصلى. وأخرجه من وجه آخر ( 980 ) باب: إذا لم يكن لها جلبابٌ في العيد.

أُمِّ عطِيَّةَ اسمها: نُسيبة بنت كعب، ويقال: بنت الحارث الأنصارية ، صحابية مشهورة، مدنية ثم سكنت البصرة، روى لها الستة.

     قولها: «أَمَرَنَا رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم أَنْ نُخْرِجَهُنَّ فِي الْفِطْرِ والْأَضْحَى»، وفي رواية النسائي: قالت حفصة بنت سيرين: كانت أم عطية لا تَذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قالت: بأبي، فقلت: أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر كذا وكذا؟ قالت: نعم بأبي، قال: لتخرج العواتق وذوات الخدور والحيض..».

واستدل به من قال بوجوب صلاة العيدين، بأمر النبي صلى الله عليه وسلم للنساء بالخروج إلى العيد، فما بالك بالرجال البالغين؟!

وكذا قوله صلى الله عليه وسلم : «وجَبَ الخروج على كل ذاتِ نطاق في العيدين» رواه أحمد والطيالسي.

وقد سبق الكلام على وجوب صلاة العيدين.

قولها: «الْعَوَاتِقَ والْحُيَّضَ وذَوَاتِ الْخُدُورِ»، الْعَواتق جمع عَاتِق، وهي مَنْ بلغتْ الْحُلُم أَو قاربَتْ, أَو اسْتَحَقَّتْ التَّزْوِيج.

وذَوَات الْخُدُور: هن الأبكار.

قال الحافظ: فيه اسْتحبابُ خُروجِ النِّساءِ إلى شُهُودِ الْعِيدَيْنِ، سَوَاءٌ كُنَّ شَوَابَّ أَم لا؟ وذواتِ هيئَاتٍ أَم لا. اهـ .

     وقال الشوكاني: والحديثُ وما في معناهُ مِنْ الأحاديث، قاضيةٌ بِمشْروعيَّةِ خروجِ النِّساءِ في العيدين إلَى الْمُصلّى، من غيرِ فرْقٍ بين البِكرِ والثَّيِّبِ والشَّابَّة والْعجُوز، والْحائضِ وغيرها، ما لم تَكُنْ مُعْتدَّةً، أَو كان خُروجُها فتْنةً أَو كَان لَها عُذْرٌ. اهـ .

أي: أن خروجها لصلاة العيد، لا يخالف أمر الله تعالى؛ حيث قال: {ﭶ ﭷﭸ}(الأحزاب :33)، ولاسيما غير المتزوجة .

     قولها: «وأمر الحُيض أنْ يعتزلن مصلى المسلمين»، هو بفتح الهمزة والميم في «أمر» فيه منع الحُيض من المصلى، قال النووي: واختلف أصحابنا في هذا المنع، فقال الجمهور: هو منعُ تنزيه لا تحريم؛ وسببه الصيانة والاحتراز من مقارنة النساء للرجال من غير حاجة ولا صلاة، وإنما لم يحرم؛ لأنه ليس مسجداً.

قال: وحكى أبو الفرج الدارمي من أصحابنا عن بعض أصحابنا أنه قال: يحرم المكث في المصلى على الحائض، كما يحرم مكثها في المسجد؛ لأنه موضع للصلاة فأشبه المسجد. والصواب الأول.

والصواب أنّ المقصود بـ«يعتزلن المصلى، أي: الصلاة، فتشهد صلاة العيد ولا تصلي؛ لأن السنة أن صلاة العيد تقام في الفضاء، وليس في المساجد.

 وقولها في الحيض: «يُكبّرن مع النساء»، فيه جواز ذكر الله تعالى للحائض والجنب؛ وإنما يَحرم عليها القرآن، قاله النووي.

     قال كاتبه: قد اختلف العلماء رحمهم الله في قراءة الحائض للقرآن، فمن أهل العلم من قال : إنها لا تقرأ كالجنب، واحتجوا بحديث ضعيف، رواه أبو داود: عن ابن عمر رضي الله عنهما: عن النبي صلى الله عليه وسلم  أنه قال: «لا تقرأ الحائض ولا الجنب، شيئاً من القرآن»، وهذا الحديث ضعيف عند أهل العلم؛ لأنه من رواية إسماعيل بن عياش عن الحجازيين، وروايته عنهم ضعيفة.

وبعض أهل العلم قاسها على الجُنب! قال: لأن عليها حدثاً أكبر يوجب الغسل، فهي مثل الجنب.

     قال الشيخ ابن باز -رحمه الله-: والجواب عن هذا: أن هذا قياسٌ غير صحيح؛ لأن حالة الحائض والنفساء غير حالة الجنب، فالحائض والنفساء مدتهما تطول، وربما شقّ عليهما ذلك، وربما نسيتا الكثير من حفظهما للقرآن الكريم، أما الجنب فمدته يسيرة متى فرغ من حاجته اغتسل وقرأ، فلا يصح قياس الحائض والنفساء عليه.

     والصواب من قولي العلماء: أنه لا حرج على الحائض والنفساء أنْ تقرأ ما تحفظانه من القرآن، عن ظهر قلب، هذا هو الصواب، وهذا هو الأصل؛ ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة لما حاضت في حجة الوداع، قال لها: «افعلي ما يفعل الحاج، غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري»، ولم ينهها عن قراءة القرآن. انتهى مختصراً.

      فالراجح جواز قراءة القرآن للحائض، وهو قول مالك، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وشرط الجواز أنْ يكون بدون مس المصحف، فإن المحدث ممنوع من مس المصحف، سواء كان حدثه أصغر أم أكبر، في قول الجمهور، وللحائض أنْ تقرأ القرآن من كتب التفسير؛ لأن هذه الكتب لا تسمى مصحفا، ولها أن تقرأ القرآن من الهاتف المحمول أو الحاسوب؛ لأن مس المحمول والحاسوب لا يسمى مسّا للمصحف.

 وقولها: «يُكبرن مع الناس» دليل على استحباب التكبير لكل أحدٍ في العيدين، وهو مجمعٌ عليه. ويستحب التكبير ليلتي العيدين، وحال الخروج إلى الصلاة.

قال القاضي: التكبير في العيدين أربعة مواطن في السعي إلى الصلاة إلى حين يخرج الإمام، والتكبير في الصلاة، وفي الخطبة، وبعد الصلاة.

قال النووي: أما الأول فاختلفوا فيه فاستحبه جماعة من الصحابة والسلف، فكانوا يكبرون إذا خرجوا حتى يبلغوا المصلى يرفعون أصواتهم.

وقال به الأوزاعي ومالك والشافعي، وزادوا استحبابه ليلة العيدين.

وقال أبو حنيفة: يكبر في الخروج للأضحى دون الفطر! وخالفه أصحابه فقالوا بقول الجمهور.

وأما التكبير للشروع في أول صلاة العيد: فقال الشافعي: هو سبعٌ في الأولى غير تكبيرة الإحرام، وخمس في الثانية غير تكبيرة القيام.

وقال مالك وأحمد وأبو ثور: سبع في الأولى ، إحداهن تكبيرة الإحرام.

وجمهور العلماء يرى هذه التكبيرات متوالية متصلة، وقال عطاء والشافعي وأحمد: يستحب بين كل تكبيرتين ذكر الله تعالى، وروي هذا أيضا عن ابن مسعود  رضي الله عنه.

     وأما التكبير بعد الصلاة في عيد الأضحى، فاختلف علماء السلف ومن بعدهم فيه على نحو عشرة مذاهب: والصحيح ابتداؤه من صبح يوم عرفة وانتهاؤه بغروب الشمس من آخر أيام التشريق. وهو الراجح عند جماعة من أهل العلم، وعليه العمل في الأمصار.

 قولها: «ويَشهدنَ الخير ودعوة المسلمين» فيه استحباب حضور مجامع الخير، ودعاء المسلمين ، وحلق الذكر والعلم، ونحو ذلك.

     قولها: «لا يكون لها جلباب»، قال النضر بن شميل: هو ثوب أقصر وأعرض من الخمار، وهي المقنعة تغطي به المرأة رأسها. وقيل: هو ثوبٌ واسع دون الرداء، تُغطي به صدرها وظهرها، وقيل: هو كالملاءة والملحفة ، وقيل: هو الإزار، وقيل: الخمار .

قوله: «لتلبسها أختها من جلبابها». معناه: لتلبسها جلباباً، لا تحتاج إليه، كعاريِّة لها.

وفيه: الحثُّ على حضور العيد لكل أحد، وعلى المواساة والتعاون على البر والتقوى بين المسلمين والمسلمات.

 والحديث يدل: على أنّ الأفضل للمرأة أنْ تخرج إلى صلاة العيد، ولا تبقى في بيتها، وبهذا أمرها النبي صلى الله عليه وسلم .

وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم  أمر المرأة أن تخرج لصلاة العيد في المصلي، فمن باب أولى أنْ تصليها في المسجد.

وقد سئـل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: أيهما أفضـل للمرأة: الخروج لصلاة العيد أم البقاء في البيت؟

     فأجاب: «الأفضل خروجها إلى العيد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم  أمر أنْ تخرج النساءُ لصلاة العيد، حتى العواتق وذوات الخدور، يعني: حتى النساء اللاتي ليس من عادتهن الخروج، أمرهن أنْ يَخرجن، إلا الحيض فقد أمرهن بالخروج واعتزال المصلى -مصلى العيد- فالحائض تخرج مع النساء إلى صلاة العيد، قال: وعلى هذا فنقول: إن النساء في صلاة العيد مأمورات بالخروج، ومشاركة الرجال في هذه الصلاة، وفيما يحصل فيها من خير، وذكر ودعاء» اهـ . «مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين» (16/210) مختصرا.

     وقال أيضا: «لكن يجب عليهن أن يخرجن تَفِلات، غير مُتبرجات ولا مُتطيبات، فيجمعن بين فعل السُنة، واجتناب الفتنة. وما يحصل من بعض النساء من التبرج والتطيب، فهو منْ جهلهن، وتقصير ولاة أمورهن، وهذا لا يمنع الحكم الشرعي العام، وهو أمر النساء بالخروج إلى صلاة العيد». اهـ .

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك