رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 24 مارس، 2015 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 128 ) باب: ما يقـــــولُ الجَــــــواري فـــــــي العِيــــــد

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

435.عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قالَت: دَخَلَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثٍ، فاضْطَجَعَ علَى الْفِرَاشِ وحَوَّلَ وَجْهَهُ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فانْتَهَرَنِي، وقال: مِزْمَارُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ؟! فأَقْبَلَ عليه رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  فقال: «دَعْهُمَا» فلمَّا غَفَلَ غَمَزْتُهُمَا فَخَرَجَتَا، وكَانَ يَوْمَ عِيدٍ يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ والْحِرَابِ، فَإِمَّا سَأَلْتُ رسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وإِمَّا قال: «تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ» فَقُلْتُ: نعم، فأَقَامني وراءَهُ، خَدِّي على خَدِّهِ، وهو يقولُ: «دُونَكُمْ يَا بَنِي أَرْفِدَةَ» حتَّى إِذَا مَلِلْتُ قَال: «حَسْبُكِ» قُلْتُ: نَعَمْ، قال: «فَاذْهَبِي».

 الشرح:  قال المنذري: باب: ما يقول الجَواري في العيد. والحديث أخرجه مسلم في صلاة العيدين (2/607) وبوب عليه النووي: باب الرُخصة في اللعب الذي لا معصية فيه في أيام العيد.

ورواه البخاري في العيدين (949، 950) باب الحراب والدرق يوم العيد، وفي باب: إذا فاته العيد يصلي ركعتين (987).

قولها: «دَخَلَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وعِنْدِي جَارِيَتَانِ» جاريتان: من النساء هي التي تُستَجْرَى في الخدمة، ويقال: في أيام جِرَائها، أي صِبَاها.

قال القرطبي رحمه الله: الجارية في النساء كالغلام في الرجال، وهما يقالان على من دون البلوغ منهما. المفهم (3/1494).

     قولها: «تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثٍ» بُعَاث: هو بضم الباء، يوم مشهور مذكور من أيام الجاهلية، كان فيه حَرْبٌ بين الأوس والخزرج، وبُعاث اسم حصن للأوس وقعت الحرب عنده، وكان به مقتلة عظيمة وانتصر الأوس على الخزرج، واستمرت المقتلة 120 سنة حتى جاء الإسلام فألف بينهم. كما في غريب الحديث والنهاية وغيرها.

قوله: «وتُغَنِّيانِ» الغنى بالقصر يدلُّ على الكِفاية، والغناء ممدود صوتٌ، والأُغْنِيَّةُ: اللون من الغناء، والجمع أغاني.

     وكلُّ صوت رُفع عند العربِ فهو غِنَاءٌ، والتغنِّي بالقرآن: تحسين الصوت بالقراءة والجهر به، وقد كانت العرب تفعل ذلك بالشعر والحُدَاء والرَّجز، في أسفَارها وأنديتها وحروبها. النهاية (3/392).

وكانت العرب تُثبت مآثرها بالشعر، فتروِّيها أولادها وعبيدها، فيكثر إنشادهم لها وروايتهم إياها، فيترنّم بها الرّفاق إذا سارت بهم الرِّكاب، والساقية على الآبَار، كل ذلك عندهم غنَاء.

ولم تقصد به في الحديث هاهنا: ذكر الخَنا والمجون، والتشبيب بالنساء، والتعريض بالفواحش.

وأكثر مَنْ كان يتولّى الغناء: الإمَاء دون الحرائر، ولذلك سميت المغنية: قيْنَة، لأنّ القينة عند العرب هي الأَمَة. انظر لسان العرب.

قولها: «فاضْطَجَعَ علَى الْفِرَاشِ وحَوَّلَ وَجْهَهُ» فيه: تنزه أهل الفضل والصلاح والخير عن اللهو، وإن لم يكن فيه إثم.

     قوله: «فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فانْتَهَرَنِي، وقال: مِزْمَارُ الشَّيْطَانِ عند رسولِ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم ؟! وفي رواية البخاري» مِزْمَارَة «والمراد بالمزمار هنا: الصوت الحسن، وأصله الآلة التي يزمر بها، شَبّه حسن الصوت وحلاوة نغمته، بصوت المزمار.

     قال النووي رحمه الله في قوله: صلَّى اللَّه عليه وسلّم في أَبِي موسى الْأَشْعريّ: «أُعْطِيَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِير آلِ دَاوُدَ» قَال الْعُلَماء: الْمُراد بالْمِزْمَارِ هنا: الصَّوت الْحَسَن، وأصل الزَّمْر: الغِنَاء، وآلُ داوُدَ هو داودُ نفْسه، وآلُ فُلَان قد يُطْلَق علَى نَفْسه، وكَان دَاوُدُ صلى الله عليه وسلم  حَسَن الصَّوْت جِدًّا» انتهى.

وقال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري): «والْمُراد بالمِزْمَارِ الصَّوْت الْحَسَن، وَأَصْله الْآلَة، أُطلِقَ اسمه علَى الصَّوْت لِلمُشابهة» انتهى.

 فأصل المِزْمار والزَّمارة: الآلة التي يُزَمَّر بها، وهي القَصَبَة، لتحسين الصوت وحلاوة نغمته، يقال امرأة زَامِرَةٌ، ورجلٌ زمَّارٌ.

واستدل بالحديث: على جواز سماع صوت غناء الجارية الصغيرة السن دون البلوغ، إذا أمنت الفتنة.

     قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «ففي هذا الحديث بيان إنّ هذا لم يكن من عادة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الاجتماع عليه، ولهذا سمّاه الصديق رضي الله عنه » مزمور الشيطان «والنبي صلى الله عليه وسلم أقرّ الجواري عليه مُعللا بأنه يومُ عيد، والصغار يُرخص لهم في اللعب في الأعياد» انتهى كلامه رحمه الله.

     قلت: ومثله ما جاء: عن الرُّبَيِّعِ بنت مُعَوِّذِ بنِ عَفْرَاءَ: جاء النَبيُّ صلى الله عليه وسلم ، فَدَخَلَ حين بُنِيَ علَيَّ، فجلسَ علَى فراشِي كمجلِسِكَ مِنِّي، فجعَلَتْ جُوَيْرِيَاتٌ لنا يَضْرِبْنَ بالدُّفِّ، ويَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ من آبَائي يومَ بَدْرٍ، إِذْ قالتْ إِحْدَاهُنَّ: وفينا نَبِيٌّ يَعْلَمُ ما في غَدٍ؟! فقال: «دَعِي هذه، وقُولي بالذي كُنْتِ تَقُولِينَ».

     وقال تلميذه ابن القيم -رحمه الله- في (إغاثة اللهفان) كلام موسع بعد أن ذكر الحديث قال: «فلم يُنكر صلى الله عليه وسلم على أبي بكر تسمية الغناء» مزمار الشيطان «وأقرّهما لأنهما جاريتان غير مكلفتين، تغنيان بغناء الأعراب، الذي قيل في يوم حرب بُعاث، من الشجاعة والحرب، وكان يوم عيد».

     قال: «فتوسع حزبُ الشيطان في ذلك، إلى صوت امرأة أجنبية أو صبي أمْرد، صوته وصورته فتنة، يُغنّي بما يدعو إلى الزنا والفجور، وشرب الخمور، مع آلات اللهو التي حرّمها رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث، مع التصفيقِ والرقص، وتلك الهيئة المنكرة التي لا يستحلها أحدٌ، ويحتجون بغناء جويريتين غير مكلفتين، بغير شبابة (مزمار) ولا دف، ولا رقص ولا تصفيق، ويَدَعون المحكم الصريح لهذا المتشابه، وهذا شأن كل مبطل.

نعم، لا نُحرّمُ ولا نَكره مثلَ ما كان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك الوجه، وإنما نُحرّم نحنُ وأهلُ العلم السماعَ المخالف لذلك» انتهى كلامه رحمه الله.

     قوله: «فأَقْبَلَ عليه رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقال: «دَعْهُمَا» قال الحافظ ابن حجر: «فيه تعليل وإيضاح، خلاف ما ظنه الصديق من أنهما فعلتا ذلك بغير علمه صلى الله عليه وسلم ، لكونه دخل فوجده مُغطى بثوبه فظنه نائماً، فتوجه له الإنكار على ابنته من هذه الأوجه، مستصحبا لما تقرر عنده من منع الغناء واللهو، فبادر إلى إنكار ذلك، قياماً عن النبي صلى الله عليه وسلم  بذلك، مستنداً إلى ما ظهر له، فأوضحَ له النبي صلى الله علي وسلم الحال، وعرفه الحكم مقرونا ببيان الحكمة بأنه يوم عيد، أي: سرور شرعي، فلا ينكر فيه مثل هذا، كما لا يُنكر في الأعراس».

قال: «وبهذا يرتفع الإشكال عمن قال: كيف ساغ للصديق إنكار شيء أقره النبي صلى الله عليه وسلم ؟ وتكلف جواباً لا يخفى تعسفه».انتهى كلامه رحمه الله في الفتح (2/442).

 وهذه بعض الأدلة من الكتاب والسنة على حرمة الغناء الفاحش وما يصحبه من المعازف:

1- فقال الله تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴿٦﴾وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا ۖ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} لقمان: 6-7. قال ابن مسعود رضي الله عنه : «والله الذي لا إله غيره، إنه الغناء، يرددها ثلاث مرات».

وصح عن ابن عمر رضي الله عنهما: «أنه الغناء» وبه قال ابن عباس -رضي الله عنهما.

ولا شك أن هؤلاء الصحابة -رضي الله عنهم- الذين فسروا لهو الحديث بالغناء شهدوا الوحي والتنزيل، فهم أعلم الناس بكلام الله تعالى.

 2- وقال تعالى: {إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا} الإسراء: 65. قال مجاهد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: «الغناء والمزامير واللهو».

فابن عباس رضي الله عنهما وهو حَبر الأمة يُفسّر الآية بالغناء، وأنه هو صوت الشيطان، الذي يستفزّ به بني الإنسان، إلى الفجور والعصيان.

وقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة من سماع الغناء، واتخاذ المعازف، أشد التحذير، لما فيها من المفاسد والشرور، والصد عن ذكر الله وعن الصلاة.

1- فروى البخاري في صحيحه: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليَكونَنّ مِنْ أمتي أقوامٌ يَستحلونَ الحِرَ - الزنا - والحرير والخمر والمعازف». فلاحظ اقتران هذه الموبقات الأربع مع بعضها البعض.

ولاحظ كلمة (يَستحلون) الدالة على أنهم يستحلون حراماً.

2- وعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يكون في أمتي خَسفٌ وقذفٌ ومَسْخ، قيل: يا رسول الله متى؟ قال: «إذا ظهرت المَعازف، والقَينات، واستُحلت الخمرة» أخرجه أحمد والترمذي والطبراني واللفظ له، وصححه الألباني في الصحيحة (2203).

3- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «صَوتانِ ملعونانِ في الدنيا والآخرة: مزمارٌ عند نعمةٍ، ورنّةٌ عند مُصيبة» البزار والضياء، وسنده حسن.

قوله: «غَمَزْتُهُمَا» هو كالنَّخْسِ في الشيء بشيء، يقال: غَمَزَهُ يَغْمِزه غَمْزًا. والغَمْزُ: يكون بالإشارة بالعين والحاجب والجفن، وبالعَصْر باليد والكَبْس بها. اللسان.

الدَّرق: ضربٌ من التَروسَ، الواحدة: دَرَقَة، تتخذ من الجلود ليس فيه خشب، والجمع دَرَق ودِراق.

والحِرَابُ: جمع حربة، والحَرْبَة: هي سلاح يتخذ في الحرب، قدره دون الرُّمْحُ الكامل، وليس بعريض النَّصْل.

     قولها: «فَإِمَّا سَأَلْتُ رسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وإِمَّا قال: «تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ» فَقُلْتُ: نعم» هذا تردد منها، فيما وقع، هل كان أذن لها ابتداء منه، أو عن سؤال منها، وفي رواية النسائي عن أم سلمة عنها: دخل الحبشة يلعبون، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم : « يا حميراء، أتحبين أن تنظري إليهم؟ فقلت نعم». قال الحافظ: إسناده صحيح، ولم أرَ في حديث صحيح ذكر الحُميراء إلا في هذا. الفتح (2/444).

قولها: «فأَقَامني وراءَهُ، خَدِّي على خَدِّهِ» أي: متلاصقين. وفي رواية قالت: أردتُ أنْ يبلغ النساء مقامه لي» أي: الضرائر، لتفخر بذلك عليهن.

قوله: «دُونَكُمْ يَا بَنِي أَرْفِدَةَ» أَرفدة: هو أبو الحُبْش الأقدم، وهو لقبٌ لهم، والرفد في اللغة: هو المعاونة والمظاهرة بالعطاء وغيره، ورَفَدَ بنو فلانٍ فلانًا؛ إذا سوَّدوه عليهم وعظَّمُوه.

وقوله: «دُونَكُمْ» بالنصب على الإغراء، والمغرى به محذوف، وهو لعبهم بالحراب.

واستدل به: على جواز اللعب بالسلاح، للتدريب على الحرب والتنشيط، وتمرين الأيدي على حمله. وجواز ذلك في المسجد في العيد.

قولها: «حتَّى إِذَا مَلِلْتُ قال: «حَسْبُكِ» قُلْتُ: نَعَمْ، قال: «فَاذْهَبِي» وفي رواية للبخاري» فاقدُرُوا قَدر الجارية الحديثة السّن، الحريصة على اللهو». وفيه: أنها كانت حينئذ شابة.

قال عياض: وفيه جوازُ نظر النساء، إلى فعل الرجال الأجانب، لأنه إنما يكره لهن النظر إلى المحاسن، والاستلذاذ بذلك.

ومن تراجم البخاري عليه: «باب نظر المرأة إلى الحبش ونحوهم من غير ريبة».

وقال النووي: أما النظر بشهوة، وعند خشية الفتنة، فحرامٌ اتفاقاً، وأما بغير شهوة فالأصح أنه غير محرم.

وفيه: التوسعة على الأهل والعيال في أيام الأعياد، بما يحصل به الترويح عن النفس.

وفيه: جواز دخول الرجل ابنته وهي عند زوجها، إذا كان له بذلك عادة.

وفيه: تأديب الأب بحضرة الزوج وإن تركه الزوج، إذ التأديب وظيفة الآباء ولو تزوجت ابنته.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك