رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 24 يوليو، 2012 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 7 ) باب : ما يقولُ إذا دخل المسجد


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذا تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

247 .عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ أَوْ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَقُلْ: «اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ».

الشرح: قال المنذري: باب ما يقول إذا دخل المسجد، وهذا الحديث أخرجه الإمام مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها (1/494) وترجم عليه النووي هذا الباب نفسه: باب ما يقول إذا دخل المسجد.

وفيه حديث أبي حميد، أو أبي أسيد، شكٌ من الراوي .

أما أبو حميد فهو الساعدي الأنصاري المدني، اختلف في اسمه فقيل: عبدالرحمن، وقيل : المنذر بن سعد، قال الواقدي : توفي في أخر خلافة معاوية وأول خلافة يزيد ، روى له الستة .

وأما أبو أسيد فهو مالك بن ربيعة الساعدي ، صحابي شهد بدراً والمشاهد كلها ، روى له الستة .

       قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا دخل أحدكم المسجد فليقل : اللهم افتح لي أبواب رحمتك « أي : إذا أراد أنْ يدخل المسجد سأل الله تبارك وتعالى أنْ يفتح له أبواب رحمته ، من المغفرة والفضل والرزق والإحسان وغيره.

        وقوله: «وإذا خرج من المسجد فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك» وعادة أن الإنسان إذا خرج من المسجد، بعد أن يؤدي الصلاة، يبتغي من فضل الله تعالى، إما أن يذهب إلى السوق ليشتري له حاجة، ثم يرجع إلى بيته، وإما أنْ يخرج من المسجد لدكانه أو سوقه، أو لمقر عمله ووظيفته، ولذلك يسأل الله تبارك وتعالى من فضله ورزقه.

وجاء أيضا عند أصحاب السنن: أنه[ كان يقول إذا دخل المسجد: بسم الله، اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد، اللهم إني أسألك من فضلك.

        وجاء أيضا في الحديث : عن ابن عمرو بن العاص أنه كان يقول صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد: «أعوذُ باللهِ العظيم، وبوجهه الكريم، وسُلطانه القديم من الشيطانِ الرجيم، فإذا قال ذلك قال الشيطان: حُفِظ مني سائرَ اليوم». رواه أبو داود (466).

       وروى البخاري ومسلم وأبو داود النسائي: عن ابن عباس قَالَ : بِتُّ ذَاتَ لَيْلَةٍ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى رَكْعَتَيِ الْفَجرِ، وَخَرَجَ إِلَى الصَّلاةِ وَهُوَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا ، وَفِي بَصَرِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا، وَفِي لِسَانِي نُورًا، وَعَنْ يَمِينِي نُورًا ، وَعَنْ يَسَارِي نُورًا، اللَّهُمَّ وَاجْعَلْ مِنْ فَوْقِي نُورًا، وَمِنْ تَحْتِي نُورًا، وَاجْعَلْ أَمَامِي نُورًا، وَمِنْ خَلْفِي نُورًا، اللَّهُمَّ وَأَعْظِمْ لِي نُورًا»، قَالَ: فَأَقَامَ بِلالٌ الصَّلاةَ فَصَلَّى .

       وقال أهل العلم: إنه يدخل المسجد برجله اليمنى، وإذا خرج يخرج برجله اليسرى، فيقدم اليمنى لأعمال البر والطاعة والعبادة، ويقدم اليسرى لدخول الخلاء وغيره .

والله تعالى أعلم .

53- إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ فليَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ

 248 .عَنْ أَبِي قَتَادَةَ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ النَّاسِ، قَالَ: فَجَلَسْتُ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ[: «مَا مَنَعَكَ أَنْ تَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تَجْلِسَ؟»، قَالَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْتُكَ جَالِسًا، وَالنَّاسُ جُلُوسٌ، قَالَ: «فَإِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ، فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ».

الشرح :

قال المنذري رحمه الله: باب إذا دخل المسجد فليركع ركعتين .

       والحديث أخرجه الإمام مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها (1/495)، وبوب عليه النووي: باب استحباب تحية المسجد بركعتين، وكراهية الجلوس قبل صلاتهما، وأنها مشروعه في كل الأوقات.

ورواه البخاري في الصلاة ( 444 ) باب: إذا دخل المسجد فليركع ركعتين.

وأبو قتادة اسمه الحارث بن ربعي السَّلمي المدني ، أحد الفوارس المشهورين من أصحاب رسول اللهصلى الله عليه وسلم شهد أُحدا وما بعدها، مات سنة (54) هـ روى له الجماعة.

       قال: «دخلت المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس بين ظهراني الناس «كان جالسا بينهم إما في حلقة علم، أو في حلقة قراءة للقرآن وما أشبه ذلك، وكان من عادة النبي صلى الله عليه وسلم أن  يجلس بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، وكان أصحابه يتحدثون أحيانا معه ويخوضون في أمور الجاهلية ، وما كانوا عليه قبل الإسلام ، وربما تبسم صلى الله عليه وسلم من ذلك .

         قال: «فجلست» أي قبل أن يصلي شيئا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم له: «ما منعك أن تركع ركعتين قبل أن تجلس» لما دخل أبو قتادة وجلس قبل أن يصلي، نبّهه النبي صلى الله عليه وسلمإلى الصلاة، فقال له: «ما منعك أن تركع ركعتين قبل أن تجلس؟».

      قوله: «فقال: يا رسول الله، رأيتك جالسا والناس جلوس» يعني هذا الذي دعاني إلى عدم الصلاة، هو أني رأيتك جالسا والناس حولك جلوس، فتركت الصلاة من أجل أن أغتنم المجلس وألحق به وبأهله .

       فلم يعد النبي صلى الله عليه وسلم هذا سببا لترك الركعتين عند دخول المسجد، بل قال له: «فإذا دخل أحدكم المسجد ، فلا يجلس حتى يركع ركعتين»، أي: في أي وقت من الأوقات ، والأصل في الأمر الوجوب، وأيضا لنهيه عن تركها ، بقوله: «فلا يجلس حتى يركع..» والأصل في النهي التحريم، كما هو معلوم من أصول الفقه.

       ومثله ما جاء عَنْ جَابرِ بْنِ عَبْد الله قال: جَاءَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، ورَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ، فَجَلَس فقال له: «يَا سُلَيْكُ قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتين، وتَجَوَّزْ فيهما» ثُمَّ قال: «إذا جاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، والإمَامُ يَخْطُبُ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، وَلْيَتَجَوَّزْ فيهما»، رواه مسلم في الجمعة (2/ 597).

         وهذا يدل على أن تحية المسجد لا تترك في أي حالٍ من الأحوال ، حتى ولو في حال خُطبة الإمام يوم الجمعة، فلو كانت التحية تترك في حال من الأحوال لتُركت في حال الخطبة ، لأن سماع الخطبة واجب ، لكنْ النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها في هذا الوقت ، ولما كان سليكا يجهل حكم هذه الصلاة، أمره النبي[ أن يقوم فيصليها، وهذا يدل على وجوب تداركها إذا لم يصل .

أما إذا دخل وقد أقيمت الصلاة، فإنه لا يجوز له أن يشتغل بغير الصلاة القائمة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أُقيمت الصلاة، فلا صلاةَ إلا المكتوبة» رواه مسلم والأربعة.

ولإنكار النبي صلى الله عليه وسلم على من اشتغل بالصلاة الراتبة عند إقامة الصلاة المفروضة كما في الصحيح .

ولهذا ذهب داود وابن حزم والظاهرية إلى وجوب تحية المسجد، لهذه الأدلة الواضحة .

       وقال العلامة الصديق حسن خان: أدلة الوجوب أوضح من الشمس، فقول الإمام النووي وغيره من العلماء باستحباب تحية المسجد، وكراهة الجلوس قبل صلاتهما، لا يتفق مع هذا الحديث، ولا مع غيره كحديث سليك الغطفاني يوم الجمعة؟!

وذهب أيضا العلامة الشوكاني في كتابه «الفتح الرباني» إلى أن تحية المسجد واجبة.

       ثم الجمهور من الفقهاء على أنها مشروعة في جميع الأوقات، حتى في أوقات النهي، أي وقت دخل فيه المصلي إلى المسجد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق في حديثه ، فقال: «إذا دخل أحدكم المسجد، فلا يجلس حتى يركع ركعتين»، ولم يقيد ذلك بوقتٍ دون وقت ، وذهب الإمام أبو حنيفة إلى كراهيتها في وقت النهي، والحجة عليه أولا أن الحديث الوارد فيها عام غير مخصوص.

والثاني: أن التحية لو كانت تترك بحال من الأحوال، لتركت في حال الخطبة التي يمنع فيها المسلم من رد السلام والكلام.

فالراجح في هذا أن تحية المسجد تصلى في كل الأوقات.

والله تعالى أعلم 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك