رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 31 يوليو، 2012 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 8 ) باب: النهي أن يخرج من المسجد بعد الأذان


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

. عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ: كُنَّا قُعُودًا فِي الْمَسْجِدِ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، فَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْمَسْجِدِ يَمْشِي، فَأَتْبَعَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ بَصَرَهُ حَتَّى خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم.

الشرح:

قال المنذري: باب النهي أن يخرج من المسجد بعد الأذان.

     والحديث أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة (1/453)، وبوب عليه النووي (5/157): باب فضل صلاة الجماعة وبيان تشديد التخلف عنها.

       أبو الشعثاء مشهور بكنيته، واسمه جابر بن زيد الأزدي، ثم الجعفي البصري، ثقة فقيه، قال ابن عباس عنه: لو أن أهل البصرة نزلوا عند قول جابر بن زيد لأوسعهم علماً من كتاب الله. وقال ابن حبان: كان فقيهاً ودفن هو وأنس بن مالك في جمعة واحدة، وكان من أعلم الناس بكتاب الله. روى له الجماعة.

       قال: «كنا قعودا في المسجد مع أبي هريرة» فيه قعود السلف رحمهم الله في المساجد للتذاكر وقراءة القرآن، وغير ذلك من أنواع القربات، وكان أبو هريرة رضي الله عنه كان له مجالس عظيم، وأصحاب كثيرون يحدث فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ما حفظه منه، إذْ كان من أوسع الصحابة حفظا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكثرة ملازمته له، وتفرغه للسماع منه، وببركة دعائه صلى الله عليه وسلم له بألا ينسى شيئا من الحديث، فكان كذلك.

       قال: «فأذّن المؤذن» أي حان وقت الأذان فأذن المؤذن للصلاة داخل المسجد «فقام رجل من المسجد يمشي» أي قام رجل ممن كان جالسا بالمسجد، بعد سماعه للأذان يمشي متجها للخروج منه.

       قوله: «فأتبعه أبو هريرة بصره»؛ أي نظر إليه أبو هريرة وتابعه ببصره حتى خرج من المسجد، وإنما تابعه ببصره لينظر ماذا يفعل، فلما خرج من المسجد بعد الأذان وقبل أن يصلي، قال: «أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم»، وفي هذا الإنكار دليل على أن الخروج من المسجد بعد الأذان، وقبل الصلاة منهي عنه، وأنه معصية لأن أبا هريرة رضي الله عنه قال: أما هذا فقد عصى أبا القاسم، ويقصد بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنها كنية النبي صلى الله عليه وسلم، والقاسم هو أحد أبنائه صلى الله عليه وسلم.

       وهذا الحديث وإن كان من قول أبي هريرة رضي الله عنه لكن له حكم الرفع؛ لأن أبا هريرة رضي الله عنه نسبه للرسول صلى الله عليه وسلم، ثم إنه جزم بهذا الحكم الشرعي، وإن هذه معصية للرسول صلى الله عليه وسلم.

        وقد روى الإمام أحمد رحمه الله في المسند (10946) بسند حسن ما يؤيد ذلك: وهو قوله عليه الصلاة والسلام: «إذا كنتم في المسجد فنودي بالصلاة، فلا يخرج أحدكم حتى يصلي»، وقال الترمذي رحمه الله: وعليه العمل عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. يعني أنهم كانوا يكرهون أن يخرج الرجل من المسجد بعد الأذان قبل أن يصلي، إلا لعذر مثل أن يريد أن يتوضأ، والوضوء خارج المسجد، فيخرج من المسجد لأجل الوضوء، ومثل أن يريد الرجوع إلى بيته لإيقاظ أهله للصلاة بعد أن أذن المؤذن وهو بالمسجد، أو أن يريد الصلاة بمسجد آخر يدرك فيه الجماعة، ويكون خروجه لغرض صحيح مثل أن يكون فيه درس أو طلب علم، أو يريد أن يصل رحمه فيه، أو يزور أصحابه ونحو ذلك من المقاصد الشرعية، أما إذا خرج من المسجد بعد الأذان وقبل أن يصلي، وهو لا يريد الرجوع إلى الصلاة، فقد عصى الرسول صلى الله عليه وسلم كما في هذا الحديث الصحيح.

 55 - باب: كفّارة الْبُزَاق فِي الْمَسْجِدِ

250. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْبُزَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ، وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا».

الشرح:

قال المنذري: باب كفاره البزاق في المسجد.

وقد أخرجه الإمام مسلم في كتاب المساجد (1/390) وبوب عليه النووي (5/41): باب النهي عن البصاق في المسجد في الصلاة وغيرها.

ورواه أيضا البخاري (415) فالحديث متفق عليه.

       والبزاق بالزاي، ويقال البصاق بالصاد، وهما لغتان مشهورتان صحيحتان، وهناك لغة قليلة غير مستعملة: بساق، ويعدها بعض أهل العلم غلطا، والصحيح المشهور أنها إما بالصاد وإما بالزاي.

قول النبي صلى الله عليه وسلم: «البزاق في المسجد خطيئة» وفي رواية لمسلم: «التَّفلُ في المسجد خطيئةٌ».

        وجاء أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم: «نهى الرجل أن يتنخم في المسجد»، والنخامة ما يخرج من الصدر، والنخاعة ما يخرج من الرأس، يقال: تنخم وتنخع.

       ففي هذه الأحاديث بيان أن البصاق في المسجد خطيئة، أي إثم وذنب ومعصية، سواء كان في أثناء الصلاة أو كان خارجها، وسواء احتاج إليه أم لا، لكن إذا احتاج إلى البصاق، ولم يكن معه منديل، يبصق في ثوبه كما جاء في الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ُنخامة في قبلة المسجد، فأقبل على الناس فقال: «ما بالُ أحدكم يقوم مستقبل ربه فيتنخع أمامه ؟! أيحبُّ أحدكم أنْ يُستقبل فيتنخع في وجهه ؟! فإذا تنخعَ أحدُكم فليتنخعْ عن يساره تحت قدمه، فإن لم يجد فليقل هكذا» ووصف القاسم – أحد رواة الحديث – فتفل في ثوبه، ثم مسح بعضه على بعض. رواه مسلم (1/ 389).

وهذا إذا كان يصلي خارج المسجد يبصق عن يساره أو يبصق تحت رجله، أو كان المسجد مفروشا بالتراب حيث يمكنه دفنها في أرضه.

       وقوله عليه الصلاة والسلام: «وكفارتها دفنها» أي عليه أن يكفر هذه الخطيئة بدفن البصاق، في تراب المسجد، أو يخرجها من المسجد، هذه كفارة هذه الخطيئة والذنب، كما أن للأيمان كفارات ولمحظورات الإحرام كفارات، فهذا كفارة البصاق في المسجد.

       وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، كما في حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى بُصاقا في جدار القبلة أو مخاطا أو نُخامة، فَحكّه. رواه مسلم (1/389).

       وترك البصاق في المسجد لا يجوز، ويدخل في الذّم كل من رآه ولم يدفنه أو يمسحه بمنديل ونحو ذلك، كما في الحديث: عن أبي ذر رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عُرضتْ علي أعمالُ أمتي، حسنُها وسيّئها، فوجدتُ في محاسن أعمالها: الأذى يُماطُ عن الطريق، ووجدتُ في مساوئ أعمالها: النّخاعة تكونُ في المسجد لا تدفن» رواه مسلم (1/390).

وقال القاضي عياض وبعض أهل العلم: ليس بخطيئة - يعني البصاق في المسجد - إلا في حق منْ لم يدفنه، وأما من أراد دفنه فليس بخطيئة!

فرده النووي- رحمه الله- بما حاصله: أن هذا كلام باطل، وغلط صريح مخالف لنص الحديث.

       أي: لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول صريحا: البصاق في المسجد خطيئة، فكيف يقول القاضي عياض وغيره إنه يجوز البصاق في المسجد لكن يدفنه ؟! فهذا مخالف لكلام النبي صلى الله عليه وسلم، ومخالف أيضا لما قاله أهل العلم في هذا.

       أما المراد بدفنها: فأن يدفنها في تراب المسجد ورمله، إذا حصل ذلك وإلا فيخرجها، أي إذا كان المسجد مفروشا بالسجاد فعليه أن يخرجها أو يمسحها بمنديل ونحوه.

       وأيضا ورد في الحديث تحريم التفل تجاه القبلة إذا كان الإنسان يصلي، ففي حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال صلى الله عليه وسلم: «إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق قبل وجهه، فإن الله قبل وجهه إذا صلى» رواه مسلم (1/388).

        فإذا صلى الإنسان فإنّ الله تعالى قبل وجهه، أي تجاه وجهه وأمامه إذا صلى؛ ولذلك يحرم على المصلي أن يبصق أمامه، أو أن يبصق عن يمينه ولكن يبصق عن يساره أو تحت قدمه اليسرى، وهذا إذا كان خارج المسجد إذا كان يصلي في صحراء أو في طريق.

       وأيضا: يحرم التفل تجاه القبلة عموما ولو خارج الصلاة؛ لحديث حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «منْ تفل تجاه القبلة، جاء يوم القيامة وتفلُه بين عينيه» أخرجه أبو داود وصححه ابن حبان (332 – موارد) والألباني في الصحيحة (222).

        ويستفاد من هذا حديث الباب أيضا: أن البصاق والمخاط والنخامة من الطاهرات، مثل عرق الإنسان ودمعه؛ لأنها لو كانت نجاسات لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بدفنها في المسجد، ولما تفل في ثوبه.

       وأيضا في الحديث: أنه يجوز للإنسان إذا احتاج للبصاق أن يبصق في أثناء الصلاة؛ لأن هذه حركة للحاجة، فالمصلي إذا احتاج أن يبصق في منديل أثناء صلاته، أو يتمخط أثناء صلاته، جاز للحاجة، ويدفع ذلك قدر الإمكان، يدافع الحركة غير الضرورية قدر الإمكان.

       وفي الحديث: أن تنحنح أو تنخع المصلي لا تبطل به صلاته، ولو خرج منه حرفان فأكثر، فالإنسان إذا قال: أخ أو قال أح بان منه حرفان، وهذا لا يبطل الصلاة؛ لأنها حركة وصوت للحاجة، وهو مغلوب عليها فلا حرج عليه في ذلك، والله تعالى أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد. 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك