رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 29 مارس، 2015 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 129 ) باب: قَصْر صلاة المسافر في الأَمن

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

436.عن يَعْلَى بنِ أُمَيَّةَ قال: قُلْتُ لِعُمَرَ بنِ الْخَطَّابِ: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} (النساء: 101)، فَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ؟ فَقَال: عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ، فسَأَلْتُ رسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذلِك فقال: «صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِها عَلَيْكُمْ، فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ».

437.عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ  صلى الله عليه وسلم في الْحَضَرِ أَرْبَعًا، وفي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ، وفي الْخَوْفِ رَكْعَةً.

الشرح:

قال المنذري: باب: قَصر صلاة المسافر في الأمن.

وفي الباب حديثان:

- الحديث الأول: أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها (1/478).

يَعْلَى بنِ أُمَيَّةَ بن أبي عبيدة التميمي المكي، حليف قريش، وهو يعلى بن منية بنت غزوان، أخت عتبة بن غزوان.

أسلم يوم الفتح وحسن إسلامه، وشهد الطائف وتبوك، وله أحاديث عدة.

حدث عنه: بنوه: صفوان وعثمان ومحمد، وأخوه عبد الرحمن، وابن أخيه صفوان بن عبد الله وآخرون، له نحو من عشرين حديثا، وحديثه في «الصحيحين».

قال ابن سعد: كان يعلى بن منية يفتي بمكة. وقيل: ولي نجران لعمر. وكان من أجواد الصحابة ومتموليهم. وقال عمرو بن دينار: كان أول من أرّخ الكتب: يعلى بن أمية، وهو باليمن.

     قال الذهبي في السير (3/101): «ولي اليمن لعثمان. وكان ممن خرج مع عائشة، وطلحة، والزبير يوم الجمل في الطلب بدم عثمان الشهيد، فأنفق أموالاً جزيلة في العسكر كما ينفق الملوك، فلما هزموا، هرب يعلى إلى مكة، ثم أقبل على شأنه.

بقي إلى قريب الستين، فما أدري أتوفي قبل معاوية أو بعده؟».

     وقصر الصلاة جائز بالكتاب والسُنة الإجماع، أما القرآن فقول الله عز وجل: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا} (النساء: 101).

ومعنى قصر الصلاة: هو اختصار الصلاة الرباعية إلى ركعتين.

والصلاة التي تقصر: هي الصلاة الرباعية: وهي الظهر والعصر والعشاء.

وهو جائز سواءً كان في حالة الخوف أو الأمن، لكن تعليق القصر على الخوف في الآية، إنما كان لتقرير الحالة الواقعة آنذاك؛ لأنّ غالب أسفار النبي صلى الله عليه وسلم لم تخلُ منه.

     وأما السُنة النبوية: فقد تواترت الأخبار أنّ رسول الله كان يقصر في أسفاره كلها، حاجاً ومعتمراً، وغازياً محارباً، آمناً وخائفا، قال ابن عمر: صحبتُ النبي صلى الله عليه وسلم فكان لا يزيد في السفر على ركعتين، وأبو بكر وعمر وعثمان كذلك. متفق عليه.

ونحوه عن ابن مسعود رضي الله عنه ، رواه الشيخان.

وروى الترمذي والنسائي: عن ابن عباس: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من مكة إلى المدينة لا يخاف إلا رب العالمين، يصلي ركعتين.

وقد أجمع العلماء على مشروعية القصر في السفر المعتبر عندهم، واختلفوا في تفصيل ذلك كما سيأتي.

     قوله «قال: قُلتُ لِعُمَرَ بنِ الْخَطَّاب: قوله {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} (النساء: 101). فأورد أمية الآية محتجاً بها على القصر في الخوف، فقال: فَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ؟ فَقَال عمر: «عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ». وقد استدل بالحديث على أن القصر جائز في السفر في حال الأمن، وهو قول عامة أهل العلم.

     وقول عز وجل: {وإذا ضَربتم في الأرض} أي: سافرتم، {فليس عليكم جناح} أي: حرجٌ وإثم {أنْ تقصروا من الصلاة} يعني: من أربع ركعات إلى ركعتين، وذلك في صلاة الظهر والعصر والعشاء، {إنْ خفتم أنْ يفتنكم} أي: يغتالكم ويقتلكم {الذين كفروا} في الصلاة، قال البغوي: نظيره قوله تعالى: {على خَوفٍ من فرعونَ وملئهم أنْ يفتنهم} (يونس: 83)، أي: يقتلهم. وقوله {إنّ الكافرين كانوا لكم عدواً مبينا} أي: ظاهرين العداوة.

واختلفوا في حُكم القصر: أي: هل المسافر يجب عليه شرعاً قصر الصلاة، أم أنه مخير في ذلك؟ بعد اتفاقهم أن قصر الصلاة في السفر مشروع بإجماع الأمة.

     فذهب أكثر الصحابة إلى أنّ القصر واجبٌ، وهو قول عمر وعلي وابن عمر وجابر وابن عباس رضي الله عنهما، وبه قال الحسن وعمر بن عبد العزيز وقتادة، وهو قول مالك وأصحاب الرأي، لما روت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: «الصلاةُ أول ما فُرضت ركعتين، فأقرّت صلاة السفر، وأتمَّت صلاة الحضر». متفق عليه.

     ونحوه حديث ابن عباس رضي الله عنهما في الباب: «فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ علَى لِسانِ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم  في الْحَضَرِ أَرْبَعًا، وفي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ، وفي الْخَوْفِ رَكْعَةً». ورواه النسائي وابن ماجة (1068).

     وعن عمر رضي الله عنه قال: صلاةُ الجُمعة ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة الأضحى ركعتان، وصلاة السّفر ركعتان، تمامٌ غير قصرٍ، على لسان محمد صلى الله عليه وسلم . رواه النسائي وابن ماجة (1063).

وذهب طائفة كم أهل العلم إلى جواز الإتمام، فالمسافر إنْ شاء أتم وإنْ شاء قصر، والقصر أفضل. روي ذلك عن عثمان وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما، وبه قال الشافعي رحمه الله.

     واحتجوا بما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كل ذلك قد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قصر الصلاة وأتم». وقد رواه النسائي والدارقطني وحسن إسناده، والبيهقي وصححه؟!

      قال الحافظ ابن حجر في التلخيص (2/44): «وقد استنكره أحمد، وصحته بعيدة، فإنّ عائشة كانت تُتم، وذكر عروة أنها تأولت ما تأول عثمان، كما في الصحيح، فلو كان عندها عن النبي رواية لم يقل عروة أنها، وقد ثبت في الصحيحين خلاف ذلك».

والحجة كما هو معلوم فيما روت، لا فيما رأت، وقد أنكر الصحابة كابن مسعود  رضي الله عنه وغيره على عثمان رضي الله عنه  إتمامه للصلاة بمنى.

      وقال ابن القيم زاد المعاد (1/471): وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: هذا الحديث كذبٌ على عائشة، ولم تكن عائشة لتصلي بخلاف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر الصحابة، وهي تشاهدهم يقصرون ثم تتم هي وحدها بلا موجب؟ّ! كيف وهي القائلة:» فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، فزيد في صلاة الحضر، وأقرّت صلاة السفر». فكيف يظن أنها تزيد على ما فرض الله؟ وتخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه؟».

      وربما كان هذا من فعلها هي، لا عن النبي صلى الله عليه وسلم كما سبق، لذا قال ابن القيم رحمه الله: «وأما بعد موته صلى الله عليه وسلم ، فإنها أتمت كما أتم عثمان، وكلاهما تأول تأويلاً، والحجة في روايتهم لا في تأويل الواحد منهم مع مخالفة غيره له...».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك