رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 7 أغسطس، 2012 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 9 ) باب: كراهية أكل الثوم وإتيان المساجد

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

251.عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ - يَعْنِي الثُّومَ - فَلَا يَأْتِيَنَّ الْمَسَاجِدَ».

الشرح:

قال المنذري: باب كراهية أكل الثوم وإتيان المساجد.

       والحديث رواه الإمام مسلم رحمه الله في كتاب المساجد ومواضع الصلاة (1/ 393) وبوب عليه الإمام النووي (5/48): باب نهي من أكل ثوما أو بصلا أو كراثا، أو نحوها مما له رائحة كريهة، عن حضور المسجد، حتى تذهب تلك الريح، وإخراجه من المساجد.

       وحديث الباب حديث ابن عمر رضي الله عنهما: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في غزوة خيبر» وغزوة خيبر كانت سنة ثمان من الهجرة؛ حيث فتح فيها حصن خيبر، وهو حصنٌ حصين من حصون اليهود قريب من المدينة على بعد ثمانين كيلا تقريبا، وذلك عندما أبدى يهود خيبر عداء سافراً للمسلمين، ولا سيما عندما لحق بهم زعماء بني النضير لما أجلوا عن المدينة فنزلوا خيبر: وهم سلام بن أبي الحقيق، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، وحيي بن أخطب، فلما نزلوها نزلوا بأحقادهم ضد المسلمين؛ ولذا كانوا كلما وجدوا فرصة للانتقام من المسلمين انتهزوها، ووجدوا في قريش وبعض قبائل العرب بغيتهم، فألبوهم ضد المسلمين، ثم جروهم إلى غزوة الخندق، وسعوا في إقناع بني قريظة بالانضمام إليهم والغدر بالمسلمين؛ ولذا كانت تلك العقوبة الرادعة التي أنزلها المسلمون بهم بعدما صرف الله عنهم الأحزاب، وأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم سرية عبد الله بن عتيك للقضاء على رأس من رؤوسهم أفلت من العقاب يوم قريظة، وهو سلام بن أبي الحقيق، فقتلوه.

       وكانت هدنة الحديبية فرصة أمام المسلمين للقضاء على ما يشكل خطورة على أمن المسلمين، وقد وعد الله المسلمين بمغانم كثيرة يأخذونها إذا هزموا يهود خيبر، وقد كان ذلك، فغنموا الأراضي والأموال والنساء والذراري وغيرها، ولله الحمد والمنة.

       قوله صلى الله عليه وسلم: «منْ أكل من هذه الشجرة - يعني الثوم -فلا يأتين المساجد» وفي الرواية الأخرى: «فلا يقربنّ مساجدنا حتى يذهب ريحها».

وفي حديث أنس رضي الله عنه عند مسلم: «فلا يقربنا ولا يصلي معنا» وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «لا يُؤذينا بريح الثوم».

       وهذا كله فيه تصريحٌ بالنهي عن أكل الثوم ونحوه ثم دخول المسجد، وهذا مذهب أهل العلم كافة، وقال بعض أهل العلم: إنه خاص بمسجد الرسول صلى الله عليه وسلم! لكن حديث الباب يرده؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «فلا يأتين المساجد» وهذا فيه تعميم، فيشمل عموم المساجد، فالنهي عام لكل لمن أكل بصلا أو ثوما أن يحضر المسجد أي مسجد كان، ويلحق به: من أكل فجلا وكان يتجشأ، قاله عياض.

وقال ابن المرابط: ويلحق به من به بَخَر في فيه، أو به جرح أو رائحة. والبخر هو النتن الذي يكون في الفم من علة.

       وهكذا يلحق بالثوم والبصل والكراث، كل ما له رائحة كريهة من المأكولات وغيرها، أو ظهور رائحة العرق، بجامع الرائحة المنفرة، فالحديث فيه معنى ونص، أما النص فهو النهي عن أكل الثوم، وسيأتي أيضا النهي عن أكل البصل والكراث، وأما المعنى في الحديث: فهو النهي عن أكل أي شيء له رائحة منتنة أو منفره، ثم حضور المساجد؛ لأنها مكان اجتماع الناس للصلاة والذكر، ومحل اجتماع الملائكة وهي تتأذى مما يتأذى منه الناس.

       وقاس العلماء على المساجد: مجامع المسلمين الأخرى غير المسجد، كمصلى العيد والاستسقاء والجنائز بجامع اجتماع الناس فيها، وكذلك مجامع العلم والذكر، كالحلق العلمية والمحاضرات، وحلق قراءة القرآن وتدارسه وتعلمه وتعليمه ونحوها، ولا ُيلحق بها الأسواق ولا الطرقات وغيرها.

       وفي الحديث: أن منع أكل الثوم إنما هو عند إتيان المساجد ونحوها فقط، أو الوقت الذي تقام فيه الصلاة؛ لئلا يذهب بعد أن يأكل البصل أو الثوم فيؤذي المسلمين، وليس فيه تحريم الثوم أو البصل مطلقا؛ لأنه مما أباحه الله تعالى.

       ومن أدلة إباحة البصل والثوم: قول الرسول صلى الله عليه وسلم للصحابي: «ُكلْ، فإني أناجي من لا تناجي» كما سيأتي في الحديث الذي بعده.

       ومنها: حديث أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم: «منْ أكلَ من هذه الشجرة الخبيثة شيئاً، فلا يَقربنا في مسجدنا» فقال الناس: حرّمتْ حرمت، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أيها الناس، إنه ليس بي تحريمُ ما أحلّ الله لي، ولكنها شَجرةٌ أكرهُ ريحها» رواه مسلم (1/395).

       وقال أهل الظاهر: إنّ هذه البقلة إذا منعتْ من حضور الجماعة فهي حرامٌ؛ لأن الجماعة واجبة عند الظاهرية، وهو القول الصحيح عند أهل الحديث.

 57- باب: اعتزال المسجد منْ أكلَ البّصل والكُراث والثّوم

252. عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: إَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْنَا، أَوْ لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا، وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ» وَإِنَّهُ أُتِيَ بِقِدْرٍ فِيهِ خَضِرَاتٌ مِنْ بُقُولٍ، فَوَجَدَ لَهَا رِيحًا، فَسَأَلَ فَأُخْبِرَ بِمَا فِيهَا مِنْ الْبُقُولِ، فَقَالَ: «قَرِّبُوهَا» إِلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا رَآهُ كَرِهَ أَكْلَهَا، قَالَ: «كُلْ، فَإِنِّي أُنَاجِي مَنْ لَا تُنَاجِي».

الشرح:

قال المنذري: باب اعتزال المسجد من أكل البصل والكراث والثوم.

الحديث أورده الإمام مسلم في الموضع السابق (1/394) وهو في الباب المتقدم فيه.

       قوله: إن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أكل ثوما أو بصلاً فليعتزلنا، أو ليعتزلْ مسجدنا، وليقعدْ في بيته» وهذا دليل على منع من أكل البصل أو الثوم من دخول المساجد، كما سبق ذكره، وكذلك منعه من حضور مجامع المؤمنين التي يجلسون فيها ويجتمعون؛ لأن قوله صلى الله عليه وسلم: «فليعتزلنا» يفيد أيضا المنع من حضور مجامع المسلمين كحلق الذكر والعلم ونحوها.

       قوله: «وليقعد في بيته»، يعني لا يجوز له أن يصلي مع الجماعة إذا أكل بصلاً أو ثوما، وليس هذا برخصة له أن يصلي في بيته، إنما هو منع له من حضور الجماعة؛ لئلا يتضرّر به الناس، وإذا تعمد الأكل من البصل أو الثوم وقت الصلاة ثم ترك الجماعة بسبب ذلك، فهو آثم، وإذا قدر على إزالة الرائحة من فمه بعد أن أكل البصل والثوم، فهذا واجب، كأن يأكل بعض الأعشاب أو بعض الأطعمة المطيبة لرائحة الفم، فإنه يجب من أجل ألا تفوت عليه صلاة الجماعة.

       قوله: «وانه صلى الله عليه وسلم أُتي بقدر فيه خضرات» والخضرات هي البقول، وفي بعض الروايات: «أتي ببدر» والبدر في اللغة يطلق على الطبق المستدير، الذي يتخذ من الخوص وهو ورق النخل، وسمي بدراً لأنه مستدير كبدر السماء.

       قوله: «فوجد لها ريحا» ذلك أن رائحة الثوم أو البصل أو الكراث تكون نفاذة وظاهرة في الطعام، «فسأل عما فيه من بقول، فأخبر بما فيها، فلما أخبر بما فيها من البقول، قال: «قربوها»، إلى بعض أصحابه، يعني أعطوها فلانا لرجل من أصحابه فليأكلها، فلما رآه الصحابي كره أكلها ودفعها إليه، كأنه كره أن يأكل منها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم له: «كُلْ؛ فإني أناجي من لا تناجي» أي: هناك فرقٌ بيني وبينك فأنت لست مثلي، ليس من جهة البشرية، وإنما من جهة الوحي ومناجاة الله تعالى، فأنا يوحى إلي، كما قال الله عز وجل: {قلْ إنما أنَا بشرٌ مثلكم يُوحى إليّ}.

       فقوله: «فإني أناجي من لا تناجي» قال أهل العلم: المقصود به المناجاة مع جبريل عليه الصلاة والسلام، فإن جبريل كان ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالوحي من القرآن والسنة، ومعلوم أن الملائكة تتأذى مما يتأذى به بنو آدم من الروائح الكريهة والخبيثة.

       فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أكل البصل والثوم والكراث فلا يَقْربنّ مسجدنا؛ فإنّ الملائكة تتأذّى مما يتأذّى منه بنو آدم» وفي لفظ «مما يتأذى منه الإنس». رواه مسلم (1/ 394-395).

       أي إن الملائكة تكره الروائح الخبيثة، كما يكره بنو آدم الروائح الكريهة، بخلاف الشياطين فإنها تميل إلى الأماكن الخبيثة والنجسة والروائح الخبيثة، كالخلاء ومواضع قضاء الحاجات، وما أشبه ذلك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا: «إنّ هذه الحُشوش محتَضَرة، فإذا أتى أحدُكم الخلاء فليقل: أعوذُ بالله من الخُبُثِ والخبائث» رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة. والحشوش جمع حُش، وهو مكان قضاء الحاجة، ومحتضرة يعني تحضرها الشياطين وتكثر فيها، أما الملائكة فإنها تتنزه عن أماكن النجاسات، ومواضع قضاء الحاجة، والمواضع ذوات الروائح الكريهة.

       وهذا الحديث يدل على إباحة أكل الطعام الذي فيه بصل أو ثوم أو كراث، لأنه صلى الله عليه وسلم قال للصحابي: «كل» وهذا لفظ أمرٍ يفيد الإباحة على أقل الأحوال.

        بل استنبط منه بعض الأطباء المعاصرين منه: أن النبي صلى الله عليه وسلم حثّ على أكل الثوم والبصل، وقال للصحابي: كل، وهو لفظ أمر، وأقل أحوال الأمر أن يفيد الاستحباب والحث، وأخذ من ذلك أن هذه النبتة فيها فوائد طبية جمّة للبدن، فثبت أن لها فوائد في تخفيض ضغط الدم، وتخفيض نسبة الدهون بالدم، ومكافحة الفطريات والجراثيم والميكروبات، ففيها مادة فعاله قاتلة للجراثيم وغير ذلك.

وكذلك البصل، ففيه فوائد ومنافع أيضا، ففيه مادة اليود، وهي مادة قاتلة للجراثيم، وفي الأمثال يقولون: أرض تصلها، كُل بصلها، أي: إذا وصلت أرضا مسافرا، فلأجل ألا تصاب بشيء من الحمى أو المرض، أو تستوخم البلد بسبب اختلاف الهواء، أو بسبب اختلاف الطعام، كل من بصل هذه الأرض، فسيحميك الله به من الأمراض.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك