رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 13 أغسطس، 2012 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (10) باب: إخراج منْ وُجدَ منه ريح البصل والثوم من المسجد


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

253. عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه خَطَبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَذَكَرَ نَبِيَّ اللَّهِ وَذَكَرَ أَبَا بَكْرٍ، قَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ كَأَنَّ دِيكًا نَقَرَنِي ثَلَاثَ نَقَرَاتٍ، وَإِنِّي لَا أُرَاهُ إِلَّا حُضُورَ أَجَلِي، وَإِنَّ أَقْوَامًا يَأْمُرُونَنِي أَنْ أَسْتَخْلِفَ، وَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ لِيُضَيِّعَ دِينَهُ وَلَا خِلَافَتَهُ وَلَا الَّذِي بَعَثَ بِهِ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم، فَإِنْ عَجِلَ بِي أَمْرٌ فَالْخِلَافَةُ شُورَى بَيْنَ هَؤُلَاءِ السِّتَّةِ، الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ، وَإِنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ أَقْوَامًا يَطْعَنُونَ فِي هَذَا الْأَمْرِ أَنَا ضَرَبْتُهُمْ بِيَدِي هَذِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَأُولَئِكَ أَعْدَاءُ اللَّهِ الْكَفَرَةُ الضُّلَّالُ، ثُمَّ إِنِّي لَا أَدَعُ بَعْدِي شَيْئًا أَهَمَّ عِنْدِي مِنْ الْكَلَالَةِ، مَا رَاجَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ مَا رَاجَعْتُهُ فِي الْكَلَالَةِ، وَمَا أَغْلَظَ لِي فِي شَيْءٍ مَا أَغْلَظَ لِي فِيهِ، حَتَّى طَعَنَ بِإِصْبَعِهِ فِي صَدْرِي، فَقَالَ: يَا عُمَرُ، أَلَا تَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ الَّتِي فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ، وَإِنِّي إِنْ أَعِشْ أَقْضِ فِيهَا بِقَضِيَّةٍ يَقْضِي بِهَا مَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَمَنْ لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ عَلَى أُمَرَاءِ الْأَمْصَارِ، فَإِنِّي إِنَّمَا بَعَثْتُهُمْ عَلَيْهِمْ لِيَعْدِلُوا عَلَيْهِمْ، وَلِيُعَلِّمُوا النَّاسَ دِينَهُمْ، وَسُنَّةَ نَبِيِّهِمْ، وَيَقْسِمُوا فِيهِمْ فَيْئَهُمْ، وَيَرْفَعُوا إِلَيَّ مَا أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَمْرِهِمْ، ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ تَأْكُلُونَ شَجَرَتَيْنِ، لَا أَرَاهُمَا إِلَّا خَبِيثَتَيْنِ: هَذَا الْبَصَلَ وَهكذَا الثُّومَ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ إِذَا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنْ الرَّجُلِ فِي الْمَسْجِدِ، أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إِلَى الْبَقِيعِ، فَمَنْ أَكَلَهُمَا فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخًا.

الشرح:

       قال المنذري: باب إخراج من وجد منه ريح البصل والثوم من المسجد. والحديث رواه مسلم في الباب المتقدم.

      وهو حديث لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه طويل أنه «خطب يوم الجمعة، فذكر نبي الله تعالى، وذكر أبا بكر رضي الله عنه» يعني ذكر ولاية النبي صلى الله عليه وسلم على الأمة، ثم خلافة أبي بكر رضي الله عنه.

      ثم قال: «إني رأيت كأن ديكا نقرني ثلاث نقرات، وإني لا أراه إلا حضور أجلي» أي إن عمر رضي الله عنه رأى في المنام رؤيا، وهي كأن ديكا نقره ثلاث نقرات، فعبر ذلك بمن يطعنه أو يقتله بثلاث ضربات؛ ولهذا قال: وإني لا أراه إلا حضور أجلي.

      قوله: «وإن أقواما يأمرونني أن أستخلف، وإن الله لم يكن ليضيع دينه ولا خلافته» يقول: إن بعض الناس يقولون لي: استخلف خليفة، اجعل لك من يلي خلافة المسلمين بعدك إذا مت.

      ثم قال: «وإن الله عز وجل لم يكن ليضيع دينه ولا خلافته» أي: إن أستخلف فحسن، وإن تركت الاستخلاف فحسن، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستخلف أحدا، وإن الله عز وجل لم يكن ليضيع أمر المسلمين، بل الله سبحانه وتعالى يقيم للمسلمين من يقيم لهم أمر دينهم ودنياهم؛ لأن هذا الدين محفوظ بحفظ الله عز وجل وليس بحفظ الناس، وقد تكفل بأن يتم هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار.

      ثم قال: «ولا الذي بعث به نبيه صلى الله عليه وسلم» يعني لم يكن الله تعالى ليضيع دينه ولا خلافته والذي بعث نبيه صلى الله عليه وسلم.

      قوله: «فإن عجل بي أمر (يعني إن حصل الموت على عجالة أو فجأة) فالخلافة شورى بين هؤلاء الستة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض» والستة: هم عثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف، فهؤلاء الستة توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، وهم أيضا من العشرة المبشرين بالجنة. ولم لِمَ يذكر سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل معهم، وهو أحد العشرة المبشرين ؟ قالوا: لأن سعيدا له قرابة من عمر رضي الله عنه، فتورع عمر أن يدخله في الستة؛ لئلا يتهم بأنه يحابي قرابته رضي الله عنه وأرضاه، كما تورع أن يدخل معهم ابنه عبدالله رضي الله عنهم.

      قوله: «وإني قد علمتُ أن أقواما يطعنون في هذا الأمر» يعني يطعنون في أمر الخلافة، ويطعنون بفتح العين أصح.

      قوله: «أنا ضربتهم بيدي هذه على الإسلام» يعني هم الآن يطعنون ويعترضون علي، وعلى تولية الأمور لأهلها، وأنا كنتُ أحد من ضربهم بيدي على الإسلام، يعني قاتلتهم على الإسلام حتى أسلموا، ثم هم الآن يعترضون؟!

      قوله: «فإن فعلوا ذلك فأولئك أعداء الله الكفرة الضلال» أي: إذا فعلوا ذلك مستحلين له فهم كذلك، وإن لم يستحلوه فالمقصود أن فعلهم فعل الكفرة والضلال، وهذا يدل على خطورة الكلام في مثل هذا الأمر؛ لأنه يفرق جماعة المسلمين، ويشق صفهم.

      قوله: «ثم إني لا أدع بعدي شيئا أهم عندي من الكلالة، وما راجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء ما راجعته في الكلالة، وما أغلظ لي في شيء ما أغلظ لي فيه، حتى طعن بإصبعه في صدري فقال: يا عمر، ألا تكفيك آية الصيف، التي في آخر سورة النساء» أي إن عمر رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكلالة وأكثر السؤال عنه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا تكفيك آية الصيف» سميت بآية الصيف لأنها نزلت صيفا، وإن بعض الآيات نزلت صيفا وبعضها شتاء، مثال الآيات النازلة في الشتاء آية براءة عائشة رضي الله عنها من الإفك، فقالت: وإن جبينه ليتفصد عرقا في اليوم الشاتي.

      وهذا أيضا من تميز الصحابة رضي الله عنهم وحفظهم لكتاب الله تعالى ومواضع نزوله، وأوقات ذلك، وأسباب النزول مما يعين على فهم القرآن الكريم.

      وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «التي في آخر سورة النساء» يدل على جواز قول: سورة النساء، وسورة البقرة وسورة آل عمران وهكذا، وهو مذهب انعقد الإجماع عليه، كما قال النووي رحمه الله؛ لأن بعض السلف كان يمنع من ذلك ويقول: السورة التي يذكر فيها النساء، السورة التي يذكر فيها البقرة، لكن الدليل هنا واضح وفي غيره من الأحاديث.

      والآية هي قوله تعالى: {يَستفتُونك قلْ اللهُ يُفتيكم في الكَلالة إنْ امرؤٌ هلكَ ليس له ولدٌ وله أختٌ فلها نصفُ ما تركَ وهو يرثها إنْ لم يكن لها ولد} (النساء:176)، والكلالة هو من يهلك وليس له ولد ولا والد يرثه، فليس له ولد هو نص الآية، وقولنا: ولا والد، بدليل أن الله قال {وله أخت} فلو كان له والد لذكره الله عز وجل، ولأن الأخت لا ترث مع وجود الأب، كما هو معلوم بل هي محجوبة به، فالكلالة إذاً: من ليس له فرع وارث ولا أصل، فهذا يرثه الحواشي من أهله، وهم إخوانه وأخواته، أي الذكور والإناث.

      قوله: «وإني إن أعش أقضي فيها بقضية يقضي بها من يقرأ القرآن ومن لا يقرأ القرآن» يعني: يستوي في فهمها العالم والجاهل.

وقوله «وإني إن أعش» فيه دليل على جواز تأخير البيان إلى وقت الحاجة.

      ثم قال: «اللهم إني أشهدك على أمراء الأنصار وإني إنما بعثتهم عليهم ليعدلوا عليهم وليعلموا الناس دينهم وسنة نبيهم، ويقسموا فيهم فيئهم ويرفعوا إلي ما أشكل عليهم من أمرهم» وهذا غاية التقوى والإخلاص من عمر رضي الله عنه، والتبرؤ من أغلاط الأمراء والعمال والموظفين؛ إذ يقول: ما بعثت الولاة والعمال الذي هم أمراء عمر رضي الله عنهم على الأمصار والبلدان إلا ليعدلوا بين الناس في القضايا، وليعلموا الناس دينهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، و«يقسموا فيهم فيئهم» أي غنائمهم، و«يرفعوا إلي ما أشكل عليهم من أمرهم»، فإذا أشكل عليهم من أمرهم يراجعون الخليفة فيه. وإنما قال ذلك رضي الله عنه إشهادا لله عز وجل على عمله الذي يوافق ظاهره باطنه، وأيضا إنما قال ذلك تنبيها ونصحا للأمراء من بعده.

      ثم قال وهذا موضع الشاهد من الحديث كله: «ثم إنكم أيها الناس تأكلون شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين هذا البصل وهذا الثوم» وفيه وصف عمر رضي الله عنه للبصل والثوم بالشجرتين الخبيثتين، والخبيث في كلام العرب هو المكروه من قول أو فعل أو مال أو طعام أو شراب أو شخص، ولا يدل ذلك على تحريم البصل والثوم؛ لأن الثوم والبصل لو كانا حراما لحرمهما عمر، وإنما قال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع، فمن وجد منه ريح الثوم والبصل ونحوهما من الروائح المنفرة والخبيثة، فإنه يخرج من المسجد، وهذا لمن بيده سلطة وقدرة من وال ونحوه.

      وهذا فيه إنكار المنكر باليد، وإنكار المنكر باليد يشترط فيه الاستطاعة، والاستطاعة استطاعة شرعية واستطاعة بدنية، والمقصود هنا الاستطاعة الشرعية أن يخرجه إمام المسجد إن كان له سلطة أو يخرجه من له ولاية إن أمكنه ذلك.

      ثم قال: «فمن أكلها فليمتهما طبخا» أي يميت ويقطع رائحتها بالطبخ، من أمات الشيء، أي كسر حدته وقوته، هذا معنى إماتة الشيء.

      وفي هذا أن عمر رضي الله عنه نهى عن أكلهما نيئين لا مطبوخين، لأنهما إذا طبخا ذهبت الرائحة.

هذا وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك