رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 4 سبتمبر، 2012 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 11 ) باب: النهي عن أن تنشد الضالة في المسجد


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

254 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «منْ سمعَ رجلاً يَنْشدُ ضالةً في المسجد، فليَقلْ: لا ردَّها اللهُ عليك؛ فإنّ المساجدَ لم تُبنَ لهذا».

 الشرح:

قال المنذري باب: النهي عن أن تنشد الضالة في المسجد.

وأخرجه مسلم في المساجد ( 1/397 ) وبوب عليه النووي (5/54 ) باب: النهي عن نشد الضالة في المسجد، وما يقوله من سمع الناشد.

       قوله: النهي عن نشد الضالة، من: نشدت الضالة أي طلبتها، وأنشدتها إذا عرّفتها، والضالة: هي الضائعة من كل ما يقتنى من الأموال، من الحيوان وغيره، يقال: ضل الشيء إذا ضاع، وتطلق على الذكر والأنثى والمفرد والجمع.

       قال ابن الأثير: وقد تطلق على المعاني، ومنه الحديث: «الحكمة ضالة المؤمن» أي: لا يزال يتطلبها كما يتطلب الرجل ضالته. اهـ.

       وحديث: «الكلمة الحكمة ضالة المؤمن» حديث ضعيف لا يصح، رواه الترمذي وابن ماجة وغيرهما، لكن معناه صحيح؛ فإنّ الحق أحقّ أن يتبع ولو جاء من العدو.

       قوله: «منْ سمعَ رجلاً يَنْشدُ ضالةً في المسجد» أي: من سمع من يطلب ضالته، ويسأل الناس بصوت مرتفع في المسجد عن ضالته.

       وفي رواية لمسلم (1/397): «أن رجلا نشد في المسجد، فقال: من دعا إلى الجمل الأحمر» أي: من وجد ضالتي وهو جملي الأحمر، فدعاني إليه.

       قوله: «لا ردَّها اللهُ عليك» وفي رواية: «لا وَجدتَ» وهذا دعاءٌ عليه، وعقوبة له على مخالفته وعصيانه للشرع.

       قوله: «فإنّ المساجدَ لم تُبنَ لهذا» وفي رواية: «إنما بُنيتْ المساجد لما ُبنيت له» أي: لم تبنَ المساجد للدنيا وأعمالها ونشد الضوال وما فقد من الأموال، إنما بنيت المساجد لذكر الله تعالى، والصلاة وقراءة القرآن، ودراسة الحديث، وتعليم العلوم الشرعية النافعة، ومذاكرة أحكام الحلال والحرام.

       قال النووي: ويلحق به ما في معناه من: البيع والشراء والإجارة ونحوها من العقود، وكراهة رفع الصوت في المسجد.

       قال القاضي عياض: فيه دليل على منع عمل الصانع في المسجد كالخياطة وشبهها، قال: وقد منع بعض العلماء من تعليم الصبيان في المسجد! قال: قال بعض شيوخنا: إنما يُمنع في المسجد من عمل الصنائع التي يختص بنفعها آحاد الناس، ويكتسب به فلا يتخذ المسجد متجرا، فأما الصنائع التي يشمل نفعها المسلمين في دينهم كإصلاح آلات الجهاد مما لا امتهان للمسجد في عمله، فلا بأس به. انتهى.

باب: النهي أن تُتخذ القبور مساجد

255 – عن عائشة وعبدالله بن عباس رضي الله عنهما قالا: لما نُزِل برسول الله[ طَفِق يَطرح خَميصةً له على وجهه، فإذا اغتنمّ كَشفها عن وجهه، فقال وهو كذلك: «لعنةُ اللهِ على اليهود والنّصارى، اتخذوا قُبور أنبيائهم» يُحذّر مثلَ ما صنعوا.

الشرح:  قال المنذري: باب: النهي أن تتخذ القبور مساجد.

       والحديث أخرجه مسلم في المساجد (1/ 377) وبوب عليه النووي: باب النهي عن بناء المساجد على القبور، واتخاذ الصور فيها، والنهي عن اتخاذ القبور مساجد.

وأخرجه البخاري في الصلاة (435، 436 ) وغيرها.

       قوله: «لما نزل برسول الله» نزل بضم النون وكسر الزاي، أي نزل به الموت، أو ملك الموت والملائكة الذين معه.

قوله « طفق» أي جعل «يطرح خميصة» هي كساء له أعلام، أي خطوط.

قوله: «فإذا اغتم بها» أي: كان إذا ضاق بها نَفَسه، أخّرها عن وجهه.

       قوله: «فقال وهو كذلك» أي: وهو في تلك الحال، قال الحافظ ابن حجر: وكأنه صلى الله عليه وسلم عَلِم أنه مرتحلٌ من ذلك المرض، فخاف أن يُعظّم قبره كما فعل من مضى، فلعنُ اليهود والنصارى إشارةٌ إلى ذم من يفعل فعلهم.

      قوله: «لعنةُ اللهِ على اليهود والنّصارى، اتخذوا قُبور أنبيائهم» واللعنة هي الطرد من رحمة الله تعالى، وهي دليل على قبح الشيء وشناعته وخبثه شرعا.

      وفي رواية له: «قاتل الله اليهود» وهي بمعناها،كقوله تعالى: {قُتِل الإنسانُ ما أَكفره} (عبس: 17).

      قوله: «يحذّر مثلَ ما صنعوا» جملة مستأنفة من كلام الرواي، وكأنه سُئل عن حكمة ذكر ذلك، فأجاب السائل.

      وفي رواية لمسلم (1/376 ): «قالت: فلولا ذاك أُبرز قبره، غير أنه خُشي أن يُتخذ مسجدا»، وخشي: ضبط بضم الخاء وفتحها، قاله النووي.

      قال في فتح المجيد: الظاهر أن قوله «يحذّر مثلَ ما صنعوا» من كلام عائشة رضي الله عنها؛ لأنها فهمت من قول النبي صلى الله عليه وسلم ذلك تحذير أمته من هذا الصنيع، الذي كانت تفعله اليهود والنصارى في قبور أنبيائهم، فإنه من الغلو في الأنبياء، ومن أعظم الوسائل إلى الشرك. قال: ومن غربة الإسلام: أن هذا الذي لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعليه، تحذيرا لأمته أن يفعلوه معه صلى الله عليه وسلم ومع الصالحين من أمته، فعله الخلق الكثير من متأخري هذه الأمة، واعتقدوه قربة من القربات!! وهو من أعظم السيئات والمنكرات.

وما شعروا أن ذلك محادة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم ؟!

       قال القرطبي: وكل ذلك لقطع الذريعة المؤدية إلى عبادة منْ فيها، كما كان السبب في عبادة الأصنام. انتهى.

إذ لا فرق بين عبادة القبور ومن فيها وعبادة الأصنام.

      قوله: «فلولا ذاك أبرز قبره» أي: لولا ما يخشى من اتخاذ قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسجداً لأُبرز قبره، وجعل مع قبور الصحابة الذين كانت قبورهم في البقيع.

       قوله: «غير أنه خُشي أن يُتخذ مسجدا» وخشي: كما ذكرنا ضبط بضم الخاء وفتحها، قال في «فتح المجيد»: فعلى الفتح يكون هو الذي خشي ذلك صلى الله عليه وسلم ، وأمرهم أن يدفنوه في المكان الذي قُبض فيه.

       وعلى رواية الضم يحتمل أن يكون الصحابة هم الذين خافوا أن يقع ذلك من بعض الأمة، فلم يبرزوا قبره، خشية أن يقع ذلك من بعض الأمة غلوا وتعظيماً، بما أبدى وأعاد من النهي والتحذير منه، ولعن فاعله.

       قال القرطبي: ولهذا بالغ المسلمون في سد الذريعة في قبر النبي صلى الله عليه وسلم فأغلقوا حيطان تُربته وسدوا المداخل إليها، وجعلوها محدقة بقبره صلى الله عليه وسلم ، ثم خافوا أن يُتخذ موضع قبره قبلة إذا كان مستقبل المصلين، فتصوّر الصلاة إليه بصورة العبادة، فبنوا جدارين من ركني القبر الشماليين، وحرفوهما حتى التقيا على زاوية مثلثة من ناحية الشمال، حتى لا يتمكّن أحدٌ من استقبال قبره. انتهى.

ويأتي مزيد بيان لهذه المسألة في الحديث التالي.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك