رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 17 سبتمبر، 2012 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 13 )باب: قدْرُ ما يَسترُ المصلّي


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

 

258 – عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قامَ أحدُكم يُصلّي، فإنه يَسترُه إذا كان بين يديه مثلُ آخرةِ الرّحل، فإذا لم يكنْ بين يديه مثلُ آخرة الرّحل، فإنه يَقطعُ صلاته: الحمارُ، والمرأةُ، والكلب الأسودُ» قلت: يا أبا ذر، ما بالُ الكلبِ الأسودِ من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر ؟ قال: يابن أخي، سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني، فقال: «الكلبُ الأسود شيطانٌ».

الشرح:

قال المنذري رحمه الله: باب: قدر ما يستر المصلي.

والحديث رواه مسلم في الصلاة (1/365) وبوب عليه النووي: باب قدر ما يستر المصلي.

       ورواه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا بلفظ: «يقطعُ الصلاةَ: المرأةُ والحمار والكلب، ويقي منْ ذلك مثلُ مُؤْخِرة الرحل».

        قوله: «فإنه يَستره إذا كان بين يديه مثلُ آخرةِ الرّحل» آخرة الرحل هي العود الذي في آخر الرحل الذي على ظهر البعير، وهو قدر عظم الذراع وهو ثلثي الذراع، ويتكئ عليه الراكب.

وفي رواية: «مثل مُؤخرة الرحل» بضم الميم وكسر الخاء وهمزة ساكنة.

ويقال بفتح الخاء مع فتح الهمزة وتشديد الخاء، ومع إسكان الهمزة، وتخفيف الخاء.

        وفيه: استحباب الصلاة إلى السترة بين يدي المصلي، وهو قول جمهور العلماء، وأنه إذا صلى إلى غير سترة فإنه لا يأثم، كما في المجموع للنووي (2/209) والمغني (2/237) وغيرها.

وقيل: إنها واجبة.

        وقد احتج الجمهور على الاستحباب بأحاديث، منها: حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أنه أتى منى والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي فيها بأصحابه إلى غير جدار. رواه البخاري (1/76) ومسلم (504).

        واستحباب السترة هو للمنفرد والإمام، وأما المأموم فلا يسن له اتخاذ السترة؛ لأن الصحابة كانوا يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم ولا يتخذون خلفه سترة.

وفيه: بيان أقل السترة، وهو مؤخرة الرحل.

وتحصل السترة بأي شيء أقامه المصلي بين يديه مثلها أو أكثر.

        والحكمة فيها: كفّ البصر عما وراءه، ومنع من يجتاز بقربه، واستدل عياض بهذا الحديث على أن الخط بين يدي المصلي لا يكفي، وإن كان قد جاء به الحديث، وأخذ به أحمد بن حنبل فهو ضعيف.

        قلت: حديث الخط رواه أبو داود (689) وابن ماجة (943) عن أبي هريرة مرفوعا: «إذا صلى أحدُكم فليجعلْ تلقاء وجهه شيئا، فإنْ لم يجد فلينصبْ عصا، فإنْ لم يكن معه عصاً فليخطُط خطّا، ثم لا يضره ما مرّ أمامه».

        وهو كما نقل العلامة حسن خان أنه حديث ضعيف، وقد أعله سفيان بن عيينة وابن الصلاح والنووي والبغوي وغيرهم بالاختلاف والاضطراب، وكذا الألباني في ضعيف أبي داود (134).

ولم يصب الحافظ ابن حجر رحمه في البلوغ في قوله: «ولم يصب من زعم أنه مضطرب بل هو حسن» وانظر تلخيص الحبير (1/305).

ولم ير مالك ولا عامة الفقهاء الخط، وحديث الباب حجة في رد الخط.

        قال النووي (4/217): قال أصحابنا: ينبغي له أنْ يدنو من السترة ولا يزيد ما بينهما – أي بين المصلي والسُترة – على ثلاث أذرع، فإنْ لم يجد عصا ونحوها، جمع أحجارا أو ترابا أو متاعه، وإلا فليبسط مصلى، وإلا فليخط الخط !

وإذا صلى إلى سترة منع غيره من المرور بينه وبينها، وكذا يمنع من المرور بينه وبين الخط.

        قال: ويحرم المرور بينه وبينها، فلو لم يكن سترة، أو تباعد عنها، فقيل: له منعه، والأصح: أنه ليس له؛ لتقصيره، ولا يحرم حينئذ المرور بين يديه لكن يكره.

        قال: ولو وجد الداخل فرجة في الصف الأول، فله أن يمر يدي الصف الثاني، ويقف فيها لتقصير أهل الصف الثاني بتركها.

قال: والمستحب أن يجعل السترة عن يمينه أو شماله، ولا يصمد لها، والله أعلم. انتهى.

        وقول النووي «والمستحب أن يجعل السترة عن يمينه أو شماله» لا يثبت فيه الدليل، وهو ما رواه أبوداود (693) عن ضباعة بنت المقداد عن أبيها مرفوعا: «ما رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى عُود ولا عمود ولا شجرة، إلا جعله على حاجبة الأيمن، أو الأيسر، ولا يَصمد له صَمْدا». وفيه: المهلب بن حجر البهراني، مجهول. وضعفه الألباني في السنن (136).

        قوله: «فإذا لم يكنْ بين يديه مثلُ آخرة الرّحل، فإنه يَقطعُ صلاته: الحمارُ، والمرأةُ، والكلب الأسودُ» أي: إذا لم يكن له سترةٌ يقي بها صلاته من مرور هذه الأشياء، فإنها تقطع عليه صلاته.

وقال الإمام أحمد: يقطعها الكلب الأسود، وفي قلبي من الحمار والمرأة شيء!

        وهو مذهب أصحاب الإمام أحمد، كما في زاد المستقنع فيما يبطل الصلاة، قال: وتبطل بمرور كلب أسود بهيم فقط. انتهى.

        قال النووي: ووجه قوله: أن الكلب لم يجئ في الترخيص فيه شيء يعارض، وأما المرأة ففيها حديث عائشة المذكور بعد هذا، وفي «الحمار» حديث ابن عباس عند مسلم، وقال الجمهور من السلف والخلف: لا تبطل الصلاة بمرور شيء من هؤلاء ولا من غيرهم.

        وتأولوا الحديث على أن المراد بالقطع نقص الصلاة؛ لشغل القلب بهذه الأشياء، وليس المراد إبطالها!

        وقال بعضهم: إنه منسوخ ! بالحديث الآخر، وهو: «لا يقطع الصلاة شيء، وادرؤوا ما استطعتم، فإنما هو شيطان».

        قال صديق حسن: وهذا غير مرض؛ لأن النسخ لا يصار إليه إلا إذا تعذر الجمع بين الأحاديث وتأويلها، وليس هنا تاريخ، ولا تعذر الجمع والتأويل، بل يتأول على ما ذكرناه، مع أن حديث «لا يقطع صلاة المرء شيء» ضعيف، والله أعلم. انتهى.

قلت: وقد بوب البخاري في الصلاة (105): باب من قال يقطع الصلاة شيء.

        وهو حديث ضعيف كما قال، رواه أبوداود (719) وفيه: مجالد بن سعيد، ليس بالقوي. وضعفه الحافظ في الفتح تحت حديث (515) والألباني.

        قال الحافظ: ومال الشافعي وغيره إلى تأويل القطع في حديث أبي ذر بأن المراد منه نقص الخشوع، لا الخروج من الصلاة. ويؤيد ذلك أن الصحابي سأل عن الحكمة في التقييد بالأسود فأجيب بأنه شيطان، وقد علم أن الشيطان لو مرّ بين يدي المصلي لم تفسد صلاته،كما سيأتي في الصحيح: «إذا ثوّب بالصلاة أدبرَ الشيطانُ، فإذا قضى التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه...» الحديث. انتهى.

        وكل ما سبق لا يدل على عدم القطع وبطلان الصلاة المصرح به في هذا الحديث، ولا يصح أيضا حصر القطع بالكلب فقط، كما سيأتي بيانه في حديث عائشة رضي الله عنها، والله تعالى أعلم.

قوله: «قلت: يا أبا ذر، ما بالُ الكلبِ الأسودِ من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر؟ قال: يابن أخي، سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني، فقال: «الكلبُ الأسود شيطانٌ»، وقوله «شيطان» هل المقصود به شيطان جن أم شيطان كلاب ؟ هو محتمل».

        قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع: الصحيح أنه شيطان كلاب، لا شيطان جن، والشيطان ليس خاصا بالجن، قال الله تعالى: {وكذلك جعلنا لكلّ نبيٍ عدواً شياطينَ الإنسِ والجنَ} (الأنعام: 112). فالشيطان كما يكون في الجن يكون في الإنس، ويكون في الحيوان، فمعنى شيطان في الحديث أي شيطان الكلاب؛ لأنه أخبثها؛ ولذلك يقتل على كل حال، ولا يحل صيده بخلاف غيره. انتهى.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك