رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 8 أكتوبر، 2012 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 16 ) باب: إذا أُقيمت الصلاة فلا صلاةَ إلا المكتوبة

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

263 – عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أُقيمتْ الصلاةُ، فلا صلاةَ إلا المكتوبة».

الشرح:  قال المنذري: باب : إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة.

     والحديث أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (1/493) وبوب عليه النووي (4 /221): باب كراهة الشروع في نافلة بعد شروع المؤذن في الإقامة.

     وترجم به البخاري في الأذان حديث (663) وهو حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا وقد أقيمت الصلاة يصلي ركعتين، فلما انصرف رسول الله  صلى الله عليه وسلم لاث به الناس، وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصبحَ أربعاً، آلصبح أربعاً؟!».

قوله «إذا أقيمت الصلاة» أي: شرع في الصلاة.

     قوله «فلا صلاة» أي: صحيحة، أو كاملة. قال الحافظ ابن حجر: والتقدير الأول أولى؛ لأنه أقرب إلى نفي الحقيقة، لكن لما لم يقطع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة المصلي، واقتصر على الإنكار – يعني في حديث ابن عباس – دلّ على أن المراد نفي الكمال.

قال: ويحتمل أن يكون النفي بمعنى النهي، أي: فلا تصلوا حينئذ.

     قوله «إلا المكتوبة» أي المفروضة، ففيه منع التنفل بعد الشروع في إقامة الصلاة، سواء كانت راتبة أم غيرها.

     قال النووي: فيها النهي الصريح عن افتتاح نافلة بعد إقامة الصلاة، سواء كانت راتبة أم غيرها، وهذا مذهب الشافعي والجمهور.

وقال أبو حنيفة: يصلي الصبح، ما لم يخش فوت الركعة الثانية!

     وهو خطأ! مخالفٌ لحديث الباب، كما أن فيه تقديما للسنة على الفريضة، والمحافظة عليها أولى!

     وفي إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على المتنفّل بقوله «آلصبح أربعا؟!» وإعادة ذلك عليه تأكيد للإنكار، والمعنى: هل تصلي الصبح أربعا؟! أي: حتى لا تلتبس صلاة الراتبة بالفريضة، أو تكون كالفريضة في الدرجة.

     واستدل بعضهم بالاستمرار في الصلاة بقوله تعالى: {ولا تبطلوا أعمالكم}! والصحيح: أنه لا حجة فيها؛لأن الآية فيمن يبطل عمله برياء أو شرك ونحوهما من مبطلات الأعمال، أو يقطعها بلا موجب. وقال عياض: وفيه حكمة أخرى، وهي: النهي عن الاختلاف على الأئمة.

     وقال ابن عبد االبر وغيره: الحجة عند التنازع السنة، فمن أدلى بها فقد أفلح، وترك التنفّل عند إقامة الصلاة، وتداركها بعد قضاء الفرض أقرب إلى اتباع السنة، ويتأيد ذلك من حيث المعنى بأن قوله في الإقامة: «حي على الصلاة» معناه: هلمّوا إلى الصلاة التي يقام لها، فأسعدُ الناس بامتثال هذا الأمر، منْ لم يتشاغل عنه بغيره، والله أعلم (الفتح).

     قال العلامة صديق حسن خان نقلا عن «السيل الجرار» للشوكاني: ظاهر الحديث الصحيح عند مسلم وأحمد وأهل السنن وغيرهم: أن الخروج – أي من الصلاة - واجبٌ إذا سمع إقامة الصلاة، وهي قول المؤذن: قد قامت الصلاة، هذا هو المراد.

     وإن كان المراد: القيام إلى الصلاة، كان الواجب عليه إذا عاين قيامهم إلى الصلاة، أن يخرج؛ لأن ظاهر قوله «فلا صلاة» نفي الصلاة الشرعية، فالمتنفّل عند إقامة الصلاة قد بطلت صلاته! فإذا استمر فيها فقد استمر في صلاة غير شرعية، وخالف ما جاء عن الشارع.

      وإن كان المراد: المعنى المجازي في قوله: «فلا صلاة»، فقد تقرر أن نفي الصحة هو أقرب المجازين إلى الحقيقة، فيجب عليه العمل؛ لأنه يستلزم نفي صحة الصلاة.

     وبهذا تعرف أنه لا وجه للتقييد بقولهم: لخشية فوتها، ولا لجعل الخروج منها مندوبا فقط. انتهى.

 باب: متى يقوم الناس للصلاة إذا أقيمت؟

264- عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أقيمت الصلاة، فلا تقوموا حتى تروني».

الشرح: قال المنذري: باب: متى يقوم الناس للصلاة إذا أقيمت؟

والحديث رواه مسلم في المساجد (1/422)  وبوب عليه النووي: باب متى يقوم الناس للصلاة؟

ورواه البخاري في الأذان (637) باب: متى يقوم الناس إذا رأوا الإمام عند الإقامة؟

      ورواه في الباب الذي بعده (638) باب: لا يسعى إلى الصلاة مستعجلاً، وليقم بالسكينة والوقار، وفيه زيادة «وعليكم السّكينة».

قوله «إذا أقيمت الصلاة» أي: أخذ المؤذن بالإقامة.

     قوله «فلا تقوموا حتى تروني»  أي: لا تقوموا حتى تروا الإمام؛ لئلا يَطول عليهم القيام لأنه قد يَعرض له عارضٌ فيتأخر  بسببه.

     وجاء عن جابر بن سمرة: أن بلالا كان لا يُقيم حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم.

وقيل: يستحب ألا يقوم أحدٌ حتى يفرغ المؤذن من الإقامة.

وقال مالك في الموطأ: لم أسمع في قيام الناس حين تقام الصلاة بحدٍ محدود، إلا أني أرى ذلك على طاقة الناس؛ فإنّ منهم الثقيل والخفيف.

قال الحافظ ابن حجر: وذهب الأكثرون إلى أنهم إذا كان الإمام معهم في المسجد لم يقوموا حتى تفرغ الإقامة.

وعن أنس: أنه كان يقوم إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة. رواه ابن المنذر.

     لكن ورد عند البخاري (639) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج وقد أقيمت الصلاة، وعدلت الصفوف حتى إذا قام في مصلاه..».

     وفي رواية مسلم (1/422): «أقيمت الصلاةُ فقمنا فعدّلنا الصفوف قبل أن يخرج إلينا النبي صلى الله عليه وسلم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم  حتى قام في مصلاه قبل أن يكبر، ذكر فانصرف، وقال لنا: مكانكم..».

     قال الحافظ: فيجمع بينه وبين حديث أبي قتادة – حديث الباب – بأن ذلك ربما وقع لبيان الجواز، وبأن صنيعهم في حديث أبي هريرة كان سبب النّهي عن ذلك في حديث أبي قتادة، وأنهم كانوا يقومون ساعة تقام الصلاة، ولو لم يخرج النبي صلى الله عليه وسلم، فنهاهم عن ذلك؛ لاحتمال أن يقع له شغلٌ يبطئ فيه عن الخروج، فيشقّ عليهم انتظاره، ولا يرد هذا حديث أنس الآتي أنه قام في مقامه طويلا في حاجة بعض القوم؛ لاحتمال أن يكون ذلك وقع نادرا، أو فعله لبيان الجواز. انتهى.

وجمهور أهل العلم من السلف والخلف: على أنه لا يكبر الإمام حتى يفرغ المؤذن من الإقامة.

والله تعالى أعلم.

باب إقامة الصلاة إذا خرج الإمام

265- عن جابر بن سمرة: كان بلالٌ يؤذن إذا دَحَضت، فلا يُقيم حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا خرج أقام الصلاة حين يراه.   

الشرح:  جابر بن سمرة هو ابن جنادة السُّوائي، صحابي ابن صحابي، نزل الكوفة ومات بها بعد سنة سبعين.

     قال عياض: يجمع بين مختلف هذه الأحاديث: أن بلالا كان يراقب خروج النبي صلى الله عليه وسلم من حيث لا يراه غيره، أو إلا القليل، فعند أول خروجه يقيم، ولا يقوم الناس حتى يروه، ثم لا يقوم مقامه، حتى يعدلوا الصفوف.

ولعل أخذ الناس مصافهم قبل خروجه كان مرة أو مرتين ونحوها لبيان الجواز أو لعذر.

ولعل قوله صلى الله عليه وسلم: «فلا تقوموا حتى تروني» كان بعد ذلك، والله أعلم.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك