رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 23 أكتوبر، 2012 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 18 ) باب فضل الصف المقدم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

268 – عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو يَعلمُ الناسُ ما في النّداء، والصّف الأولِ، ثم لم يَجدُوا إلا أنْ يَسْتَهمُوا عليه لاسْتهمُوا، ولو يَعلمون ما في التّهجير لاسْتبقوا إليه، ولو يَعلمون ما في العَتمََة والصُبح، لأَتوهُما ولو حَبْواً».

الشرح:  قال المنذري رحمه الله: باب فضل الصّف المقدّم.

الحديث رواه مسلم في الصلاة (1/325) وبوب عليه النووي الباب السابق.

وأخرجه البخاري في الأذان (615) باب: الاستهام في الأذان، وفي باب: الصف الأول (721)، فهو متفق عليه.

قوله «ما في النّداء» هو الأذان.

     قوله «إلا أنْ يَسْتَهمُوا» الاستهام هو الاقتراع، ومنه قوله تعالى: {فساهم فكان من المدحضين} (الصافات: 141).

     قال الخطابي وغيره: قيل له «الاستهام»؛ لأنهم كانوا يكتبون أسماءهم على سهام إذا اختلفوا في الشيء، فمن خَرَج سهمه غلب.

     قال الحافظ ابن حجر: أي لم يجدوا شيئاً من وجوه الأولوية، أما في الأذان فبأن يستووا في معرفة الوقت، وحُسن الصوت، ونحو ذلك من شرائط المؤذّن وتكملاته، وأما في الصف الأول فبأن يصلوا دفعة واحدة، ويستووا في الفضل فيُقرع بينهم، إذا لم يتراضوا فيما بينهم في الحالين.

     وقال النووي: ومعناه أنهم لو علموا فضيلة الأذان وقدرها، وعظيم جزائه، ثم لم يجدوا طريقاً يُحصّلونه به، لضيق الوقت، عن أذان بعد أذان، أو كونه لا يُؤذن للمسجد إلا واحد، لاقترعوا في تحصيله.

     قوله: «والصّف الأولِ»، وفي الرواية الأخرى لمسلم: «لو تعلمون – أو يعلمون – ما في الصف المقدّم، لكانت قرعة»، أي: لو يعلمون ما في الصف الأول من الفضيلة، وجاؤوا إليه دُفعة واحدة، وضاق عنهم، ثم لم يسمح بعضهم لبعض به، لاقترعوا عليه. وقوله: «عليه»، أي: على ما ذكر، فيشمل الأمرين: الأذان والصف الأول.

قوله: «التهجير»: هو التبكير إلى الصلاة، أي صلاةٍ كانت.

     قال الحافظ: قال الهروي: وحمله الخليل وغيره على ظاهره فقالوا: المراد الإتيان إلى صلاة الظهر، في أول الوقت؛ لأن التهجير مشتقٌ من الهاجرة، وهي شدّة الحرّ نصف النهار، وهو أول الوقت، وإلى ذلك مال المصنف (يعني البخاري) كما سيأتي.

     قال: ولا يَرد على ذلك مشروعية الإبراد لأنه أُريد به الرفق، وأما منْ ترك قائلته، وقصد إلى المسجد لينتظر الصلاة، فلا يخفى ما له من الفضل (الفتح 2/97).

     قوله: «لاسْتبقوا إليه» قال ابن أبي جمرة: المراد الاستباق معنى لا حِساً، لأنّ المسابقة على الأقدام حِساً؛ تقتضي السرعة في المشي وهو ممنوع منه. انتهى.

قوله: «العتمة» هي العشاء.

     قوله: «لأَتوهُما ولو حَبْواً»، الحبو: أن يمشي على يديه وركبتيه أو استه، وحبا البعير: إذا برك وزحف من الإعياء، وحبا الصبي: إذا زحف على استه. «النهاية».

     قال النووي: فيه الحثُّ العظيم على على حضور جماعة هاتين الصلاتين، والفضل الكثير في ذلك؛ لما فيهما من المشقة الزائدة على النفس، من تنغيص أول نومها وآخره.

ولهذا كانتا أثقل الصلاة على المنافقين.

     قال: وفي الحديث: تسمية العشاء «عَتَمة»، وقد ثبت النهي عنه، فكان بياناً للجواز، وأنّ النّهي ليس للتحريم.

باب منه

269 – عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيرُ صُفُوفِ الرجالِ أولُها، وشرُّها آخرُها، وخيرُ صُفوف النساءِ آخرُها، وشَرُّها أَولها».

الشرح: الحديث أخرجه مسلم في الصلاة (1/326) وهو في الباب السابق.

قوله: «خيرُ صُفُوفِ الرجالِ أولُها» هذا على عمومه أبدا، وأفضلها الصف الأول وهو الذي يلي الإمام.

     قال العلماء: في الحضّ على الصفّ الأول: المسارعة إلى إخلاص الذّمة، والسّبق لدخول المسجد، والقُرب من الإمام، واستماع قراءته، والتعلّم منه، والفتح عليه، والتبليغ عنه، والسلامة من اختراق المارة بين يديه، وسلامة البال من ُرؤية من يكون قدّامه، وسلامة موضع سجوده من أذيال المصلين. (الفتح 2/208).

     قوله: «وخيرُ صُفوف النساءِ آخرُها، وشَرُّها أَولها»، أي: النساء اللواتي يُصلين خلف الرجال بالمسجد، وأما إذا صلين مُتميّزات (أي: بمصلى وحدهن) ليس مع الرجال، فهنّ كالرجال: خيرُ صفوفهن أولها، وشرُّها آخرها.

     قوله: «وشرها آخرها»، المراد بشرّ الصّفوف فيهما: أقلُّها ثواباً وفضلاً، وأبعدها من مطلوب الشرع، وخيرها بعكس ذلك، قاله النووي.

     قال: وإنما فضّل آخرَ صفوف النّساء الحاضرات مع الرجال؛ لبُعدهن منْ مُخالطة الرجال ورؤيتهم، وتعلّق القلب بهم عند رؤية حركاتهم، وسماع كلامهم، ونحو ذلك.

باب: السِّواك عند كلّ صلاة

270 – عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَولا أنْ أشقَّ على المُؤْمنين (وفي حديث زهير: على أُمتي) لأَمرتُهم بالسِّواكِ عند كلّ صلاةٍ».

 الشرح:  قال المنذري: باب: السِّواك عند كلّ صلاة. والحديث أخرجه مسلم في الطهارة (1/220) وبوّب عليه النووي: باب السواك. وأخرجه البخاري في الجمعة (887) بلفظ: «لأَمرتُهم بالسّواك مع كلّ صُلاةٍ».

السواك: هو العُود الذي يتسوَّك به، لتذهبَ به الرائحة عن الفم، ولتزول به الصفرة عن الأسنان.

     قوله: «لَولا أنْ أشقَّ على المُؤْمنين أو على أُمتي» الشك من الراوي، قال البيضاوي: «لولا» كلمة تدل على انتفاء الشيء لثبوت غيره.

قوله: «لأمرتهم بالسواك» أي: باستعمال السواك.

     قوله: «عند كلّ صلاةٍ»، وهي رواية مالك في الموطأ، وفي رواية البخاري: «مع كل صلاة»، وهذا يفيد استحبابه وتأكده عند الصلاة، وهو شامل للفرائض والنوافل.

قال الحافظ: وفيه دليل على أن الأمر للوجوب من وجهين:

- أحدهما: أنه نفى الأمر مع ثبوت الندبية، ولو كان للنّدب لما جاز النفي.

- ثانيهما: أنه جعل الأمر مشقة عليهم، وذلك إنما يتحقق إذا كان  الأمر للوجوب؛ إذْ الندب لا مشقة فيه لأنه جائز الترك.

     قال الشافعي: فيه دليلٌ على أن السّواك ليس بواجبٍ؛ لأنه لو كان واجباً لأمرهم، شَقّ عليهم به أو لم يشق.

والقول بعدم وجوبه هو قول أكثر أهل العلم، وقال داود: هو واجبٌ لكن ليس بشرط.

وقال المهلب: فيه أن المندوبات ترتفع إذا خُشي منها الحرج.

ورواه مالك والشافعي بلفظ: «لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء».

     واستدل به النسائي على استحباب السواك للصائم بعد الزوال؛ لعموم قوله: «عند كل صلاة» (الفتح 2/ 376).

     قال ابن دقيق العيد: الحكمة في استحباب السواك عند القيام إلى الصلاة كونها حالاً تقرب إلى الله، فاقتضى أن تكون حال كمال ونظافة؛ إظهاراً لشرف العبادة.

     وقد ورد أن الأمر يتعلق بالمَلََك الذي يستمع القرآن من المصلي، فعن علي رضي الله عنه: أنه أمرنا بالسواك وقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنّ العبدَ إذا تسوّك ثم قام يُصلي، قام الملك خلفه فَيَستمع لقراءته فيدْنو منه - أو كلمة نحوها - حتى يَضعَ فاهُ على فيه، وما يَخرج منْ فيه شيءٌ من القرآن، إلا صارَ في جَوف الملَك، فطهّروا أفواهَكم للقُرآن». رواه البزار والبيهقي والضياء في «المختارة»، وصححه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (3 / 214).

وفي الحديث: ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الشّفقة والرحمة بأمته.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك