رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 12 نوفمبر، 2012 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 20 ) باب ما يفتتح به الصلاة ويختم

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

 

 

273- عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَستفتح الصلاة، بالتكبير، والقراءة بـ: {الحمدُ لله ربّ العالمين}، وكان إذا ركع لم يُشْخِص رأسَه ولم يُصَوّبه، ولكن بين ذلك، وكان إذا رَفعَ رأسه من الركوع ، لم يَسجد حتى يستوي قائماً، وكان إذا رفع رأسه من السجدة، لم يسجد حتى يستوي جالسا، وكان يقولُ في كل ركعتين: التحيّةَ، وكان يَفْرشُ رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى، وكان ينهى عن عُقبة الشيطان، وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السَّبُع، وكان يختمُ الصلاةَ بالتسليم».

الشرح: قال المنذري : باب ما يفتتح به الصلاة ويختم .

     والحديث رواه مسلم في الصلاة (1/359) وبوب عليه النووي (4/213): باب ما يجمع صفة الصلاة، وما يفتتح به ويختم به، وصفة الركوع، والاعتدال منه، والسجود والاعتدال منه، والتشهد بعد كل ركعتين من الرباعية، وصفة الجلوس بين السجدتين، وفي التشهد الأول.

قولها: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَستفتح الصلاة بالتكبير» أي: يبتدئ صلاته بتكبيرة الإحرام.

والقراءة بـ : {الحمدُ لله ربّ العالمين} أي: يبتدئ قراءة القرآن بسورة الفاتحة، لا بسورة غيرها.

- وقد استدل بهذا : على أنه صلى الله عليه وسلم لا يجهر بـ:{بسم الله الرحمن الرحيم} سواء قلنا إنها آية من سورة الفاتحة، أم ليست منها على الراجح من أقوال أهل العلم.

- قولها: «وكان إذا ركع لم يُشْخِص رأسَه ولم يُصَوّبه» لم يشخص أي لم يرفع رأسه، ولم يصوبه أي: لم يخفضه خفضا بليغا «ولكن بين ذلك» بين الإشخاص والتصويب.

- قولها: «وكان إذا رَفعَ رأسه من الركوع، لم يَسجد حتى يستوي قائماً» فيه: وجوب الاعتدال والطمأنينة فيه، إذا رفع رأسه من الركوع، وهو من أركان الصلاة التي لا تصح دونه.

- قولها: «وكان إذا رفع رأسه من السجدة، لم يسجد حتى يستوي جالسا» فيه وجوب الجلوس بين السجدتين، والطمأنينة فيه.

- قولها: «وكان يقولُ في كل ركعتين: التحيّة» فيه حجةٌ للإمام أحمد ومن وافقه من الفقهاء والمحدثين، أن التشهد الأول والأخير واجبان.

- وقال مالك وأبو حنيفة : هما سنتان!

- وقال الشافعي: الأول سنة! والثاني واجب.

واحتج أحمد بهذا الحديث، مع قوله صلى الله عليه وسلم : «صلوا كما رأيتموني أصلي» وبقوله: «كان يُعلّمنا التشهد كما يُعلمنا السورة من القرآن» وبقوله: «إذا صلى أحدُكم فليقل: التحياتُ لله..» الحديث، والأمر للوجوب ، ولم تفرق الأحاديث بين التشهد الأول والأخير .

وإذا نسيه المصلي جبره بسجود السهو.

- قولها: «وكان يَفْرشُ رجله اليسرى، وينصب رجله اليمنى» أي: يجلس مفترشا، بأن يبسط قدمه اليسرى ويجلس عليها ، وينصب قدمه اليمنى. وكان ينهى عن عُقبة الشيطان، وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السَّبُع، وكان يختمُ الصلاةَ بالتسليم.

- قال الشافعي: السنة أن يجلس كل الجلسات مفترشا، إلا التي يعقبها السلام.

     واحتج بحديث أبي حميد الساعدي في البخاري، وفيه تصريح بالافتراش في الجلوس الأول، والتورك في آخر الصلاة، قاله النووي. وقال: وجلوس المرأة كجلوس الرجل، وصلاة النفل كصلاة الفرض في الجلوس.

- هذا مذهب الشافعي ومالك والجمهور، وحكى عياض عن بعض السلف:  أن سُنّة المرأة التربّع ، والصواب الأول.

- قولها: «وكان ينهى عن عُقبة الشيطان» وفي رواية: «وكان يَنهى عنْ عَقِبِ الشيطان» والعقب: هو مؤخر القدم.

- وفسره أبو عبيدة وغيره: بالإقعاء، وهو أن يلصق إليتيه بالأرض، وينصب ساقيه، ويضع يديه على الأرض كما يفرش الكلب وغيره من السباع .

- والحكمة في النهي عنه: أنه يشعر بالتهاون بالصلاة ، وقلة الاعتناء بها. وهو غير الإقعاء ذكره الإمام مسلم بعد هذا الحديث، في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وهو أن يجعل إليتيه على عقبيه بين السجدتين ، وقال عنه: هو سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم .

- قولها: «وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السَّبُع» والافتراش أن تجعل الذراع كاملا على الأرض، والصحيح: أن ترفع مؤخر الذراع - وهو المرفق - عن الأرض، وتضع الكفين فقط؛ لأن التصاق الذراع بالأرض هي صفة السباع، وقد نهي المصلي عن ذلك، كما نهي عن أن يتشبه في صلاته بالحيوانات، فنهي عن افتراش السبع، وإقعاء الكلب، ونقر الديك والغراب، والتفات الثعلب، كما ورد في الأحاديث الصحيحة .

 - وكان يختمُ الصلاةَ بالتسليم فيه دليل على وجوب التسليم، مع قوله صلى الله عليه وسلم : «صلوا كما رأيتموني أصلي» وقوله: «وتحليلها التسليم».

- وقد قال جمهور العلماء من السلف والخلف: بأن السلام فرضٌ، ولا تصح الصلاة إلا به.

- وقال أبوحنيفة والثوري والأوزاعي: هو سنة؟! وما سبق من الأحاديث ترد قولهم.

- ثم المشروع عند جمهور العلماء: تسليمتان، كما دلت عليه الأحاديث الكثيرة، يقول فيهما: السلام عليكم ورحمة الله .

- ففي حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عند النسائي (3/63) قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم  يُكبّر كل خفضٍ ورفع وقيام وقعود، ويُسلّم عن يمينه وعن شماله: السلام عليكم ورحمة الله، حتى يُرى بياض خديه، ورأيت أبا بكر وعمر رضي الله عنهما يفعلان ذلك. ورواه الترمذي .

- وفي صحيح مسلم: عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: كنت أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم  يسلم عن يمينه وعن يساره، حتى أرى بياض خده.  وورد عنه صلى الله عليه وسلم : أنه كان أحيانا يسلم تسليمة واحدة في النفل وصلاة الجنازة.

- فروى الترمذي (2/90) وابن ماجة وصححه ابن حبان : من حديث عائشة رضي الله عنها: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  كان يُسلّم في الصلاة تسليمةً واحدة تلقاء وجهه، يميل إلى الشق الأيمن شيئا».

- وجاء في مسند أحمد وابن حبان: أن ذلك كان في صلاة الليل .

     وقد ضعفه غير واحد كالعقيلي والنووي وابن القيم، ورجحوا أحاديث التسليمتين، في حين حسنه جماعة من المحدثين كابن حبان والحاكم، ومن المعاصرين العلامتان أحمد شاكر في تعليقه على الترمذي، والألباني في «صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم » رحم الله الجميع.

- وقال العلامة أحمد شاكر: والذي أراه أن حديث عائشة حديث صحيح، وأن التسليمة الواحدة كانت منه في بعض الأحيان في صلاة الليل، وأن الذين رووا عنه التسليمين إنما يحكون التسليم الذي رأوه في صلاة المسجد وفي الجماعة، وبهذا نجمع بين الروايتين. (سنن الترمذي 2/92) .

     وقد ورد ما يدل على أن من مقصود التسليم: أن يكون على من عن يمينه وشماله من إخوانه المصلين: فروى مسلم: عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: كنا إذا صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم  قلنا: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، وأشار بيده إلى الجانبين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «علام تؤمنون بأيديكم كأنها أذناب خيلٍ شُمس، إنما يكفي أحدكم أنْ يضعَ يده على فخذه، ثم يُسلم على أخيه من على يمينه وشماله».

- وفي الحديث هذا: النهي عن رفع اليد عند التسليم من الصلاة.

وورد في سنن أبي داود زيادة «وبركاته» في التسليمتين، وقد ضعفها كثير من العلماء، كالنووي.

وصحح بعضهم ثبوتها قي التسليمة الأولى لا الثانية، وهو الصواب، ويكون الإتيان بها أحيانا.

والله تعالى أعلم.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك