رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 5 أبريل، 2015 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 130 ) باب: ما تقصر فيه الصلاة من السفر

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

438-عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قال: صَلَّيْتُ مع رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم  الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وصَلَّيْتُ معه الْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ.

الشرح:   قال المنذري : باب : ما تقصر فيه الصلاة من السفر .   والحديث أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (1/480).

وقد رواه البخاري في كتاب تقصير الصلاة (2/569) باب يقصر إذا خرج من موضعه. ومواضع أخرى كثيرة.

     قوله: باب: ما تقصر فيه الصلاة من السفر، أي: مقدار المسافة التي تُقصر فيها الصلاة، وفي البخاري : (باب يقصر إذا خرج من موضعه) يعني إذا قصد سفراً، وهي من المسائل المختلف فيها. قال ابن المنذر: أجمعوا على أنّ لمن يريد السفر، أنْ يقصر إذا خرج عن جميع بيوت القرية التي يخرج منها، واختلفوا فيما قبل الخروج عن البيوت، فذهب الجمهور إلى: أنه لا بد من مفارقة جميع البيوت، وذهب بعض الكوفيين: إلى أنه إذا أراد السفر يصلي ركعتين ولو كان في منزله! ومنهم من قال: إذا ركب قصر إنْ شاء، ورجّح ابن المنذر الأول، بأنهم اتفقوا على أنه يقصر إذا فارق البيوت، واختلفوا فيما قبل ذلك، فعليه الإتمام على أصل ما كان عليه حتى يثبت أنّ له القصر، قال: ولا أعلم النبي صلى الله عليه وسلم  قصر في شيء من أسفاره، إلا بعد خروجه عن المدينة . انتهى الفتح (2/569 ) .

      فالصحيح أنه لا بد أنْ يُغادر عمران البلد، وهو أنْ يُفارق بيوت المدينة أو البلدة أو القرية التي يسكن فيها ؛ لقول الله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} (النساء: 101)، ومن لم يفارق البيوت لم يضرب في الأرض ، فلا يسمى مسافراً إلا إذا ارتحل؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم  ما كان يقصر صلاته، إلا إذا ارتحل من المدينة، كما في حديث أنس رضي الله عنه هاهنا.

     ومن خرج مسافراً مسافة تبيح القصر، ثم بدا له أنْ يرجع قبل استكمال المسافة، فلا يعيد الصلاة التي صلاها أثناء سفره؛ لأن المعتبر نية قطع مسافة القصر، لا قطع المسافة نفسها، بدليل أنه يبتدئ القصر بعد مغادرة عمران البلد، وهي ليست مسافة قصر.

      قوله: «صليت الظهر مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعا، وبذي الحليفة ركعتين»، في رواية (الكشميهني) في البخاري «والعصر بذي الحليفة ركعتين»، وهي ثابتة في رواية مسلم، وكذا في رواية أنس عند البخاري في الحج، قال الحافظ: «واستدل به: على استباحة قصر الصلاة في السفر القصير؛ لأن بين المدينة وذي الحليفة ستة أميال، وتعقب: بأنّ ذا الحليفة  لم تكن منتهى السفر، وإنما خرج إليها؛ حيث كان قاصداً إلى مكة، فاتفق نزوله بها، وكانت أول صلاة حَضَرت بها العصر، فقصرها واستمر يقصر إلى أنْ رجع».

قال: «استدل به على أنّ من أراد السفر لا يقصر حتى يبرز من البلد، خلافاً لمن قال من السلف: يقصر ولو في بيته! وفيه حجة على مجاهد في قوله: لا يقصر حتى يدخل الليل». انتهى 

     وقد روى عبد الرزاق: من طريق علي بن ربيعة الأسدي قال: خرجنا مع علي -رضي الله عنه- ونحن ننظر إلى الكوفة، فصلى ركعتين، ثم رجع فصلى ركعتين وهو ينظر إلى القَرية ، فقلنا له: ألا تُصَلي أربعا ؟ قال: حتى ندخلها.

ورَوى: عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يَقْصر الصلاة حين يخرج من بُيوت المدينة ، ويَقْصر إذا رَجع حتى يَدخل بيوتها.

قال الإمام مالك: لا يَقصر الصلاة الذي يريد السفر، حتى يخرج من بيوت القرية، ولا يُتِمّ حتى يدخلها أو يُقَارِبها.

قال ابن عبد البر رحمه الله: وهو مذهب جماعة العلماء إلاَّ من شـذّ.

 ولو عَزَم المسافر على السَّفر، وقد نُودِي للصَّلاة وهو في البَلَد، ثم فَارَق البلد، فكيف يُصلي؟

جُمهور أهل العِلْم على أنه يُصلي صلاة مسافر؛ لأن العِبْرَة بالأداء، وهو يُؤدِّيها أداء مُسافِر.

     خلافاً لمن قال من فقهاء الحنابلة: إذا دخل وقت الصلاة وهو مقيم ثم سافر صلاها أربعاً؛ قالوا: لأن الصلاة وجبت في ذمته وهو مقيم غير مسافر، ومن كان هذا حاله فحقه الإتمام لا القصر! وحديث الباب يرده.

     وقد اختلف أهل العلم في مسافة القصر، فقالت طائفة: يجوز القصر في السفر الطويل والقصير، روي  ذلك عن أنس رضي الله عنه، وقال  عمرو بن دينار: قال لي جابر بن زيد: اقصر بعرفة،  أما عامة الفقهاء فلا يجوزون القصر في السفر القصير.

     واختلف في حدِّ ما يجوز به القصر، فقال الأوزاعي: مسيرة يوم، وكان ابن عمر وابن عباس -رضي الله- عنهم يقصران ويفطران في أربعة بُرُد، وهي ستة عشر فرسخا، وإليه ذهب مالك وأحمد وإسحق، وقول الحسن   والزهري قريب من ذلك، قالا: مسيرة يومين، وإليه ذهب الشافعي  -رضي الله عنه- قال: مسيرة ليلتين قاصدتين، وقال في موضع: ستة وأربعون ميلا بالهاشمي، وقال سفيان الثوري وأصحاب الرأي: مسيرة ثلاثة أيام.

     والصحيح: أن هذه تقديرات اجتهادية، وليست نصوصا يجب المصير إليها، أو مسافة مطلوبة، والصواب: أن كل من أطلق عليه اسم (المسافر) لخروجه من وطنه إلى مكان آخر، فهو مسافر، جاز له قصر الصلاة، والفطر في رمضان.

     ويشرع القصر للمسافر، ولو طالت المدة، كمن يأتي مسافراً إلى بلد لحاجة ويقول اليوم أخرج، غداً أخرج؛ فهذا له أنْ يقصر الصلاة ولو بقي أكثر من أربعة أيام؛ لما جاء عن أَنسِ بن مالكٍ قال: خَرَجْنَا مع رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم من الْمدِينَةِ إلَى مكَّةَ، فصَلَّى ركعتَينِ ركعتَينِ، حتى رَجَعَ، قلتُ: كَمْ أَقَامَ بِمَكَّةَ؟ قَال: عَشْرًا.

وعن جابر قال: أَقَامَ رسولُ اللهصلى الله عليه وسلم  بِتَبُوكَ عشْرينَ يوماً، يَقْصُرُ الصَّلاةَ. رواه أحمد وأبو داود بإسناد صحيح. وسيأتي الكلام عليه.

 أما الأحوال التي لا يُشرع فيها القصر للمسافر، ويجب عليه أنْ يتم صلاته، فهو فيما يلي:

ا- إذا اقتدى المسافر بإمامٍ مقيم؛ لما روى موسى بن سلمة قال: كُنَّا مَع ابْنِ عباسٍ بمكَّةَ، فقلتُ: إِنَّا إِذا كُنَّا معكم صَلَينا أَرْبَعًا، وإِذا رَجَعنا إلَى رِحَالِنَا صَلَينا ركْعَتَيْنِ؟ قال: تِلك سُنَّةُ أَبي الْقَاسم[. رواه أحمد بإسناد حسن .

وقال نافع: كان ابن عمر إذا صلى مع الإمام صلاها أربعاً، وإذا صلى وحده صلاها ركعتين. رواه مسلم .

 ب- إذا نوى المسافرُ الإقامة مطلقاً من غير تحديد؛ كالعُمَّال المقيمين للعمل، والطالب المقيم للدراسة ونحوهم، فهؤلاء حكمهم حكم المقيمين؛ لأن السفر المبيح للقصر قد انقطع بنيَّة الإقامة الطويلة.

     أما إذا أقام في بلد بسبب الحبس فيها ظُلماً، أو لعُذر الثلج أو المطر ونحوها، فإنه يقصر الصلاة ولو أقام سنين؛ لما جاء: عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: «أَرْتَجَ علَينَا الثَّلْجُ، ونحنُ بِأَذْرَبِيجَانَ ستَّةَ أَشْهرٍ في غَزَاةٍ. قال ابنُ عمرَ: فَكُنَّا نُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ». رواه البيهقي بإسناد صحيح .

-  تنبيه (1): اشترط بعض الفقهاء لجواز القصر للمسافر أن يكون سفره سفر طاعة، لا سفر معصية! والأدلة لم تفرق بين سفرٍ وسفر، وليس في ذلك دليل يصار إليه .

- تنبيه (2): يظن كثير من الناس، أنه إذا قصر الصلاة، فلا بد له من الجمع بين الصلاتين!

وهذا خطأ، فلا تلازم بين القصر والجمع، فالجمع إنما يشرع للحاجة والتعب والمرض أو للتنقل.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك