رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 3 ديسمبر، 2012 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 23 ) وضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

279- عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ رضي الله عنه: «أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ، كَبَّرَ - وَصَفَ هَمَّامٌ حِيَالَ أُذُنَيْهِ - ثُمَّ الْتَحَفَ بِثَوْبِهِ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ أَخْرَجَ يَدَيْهِ مِنْ الثَّوْبِ، ثُمَّ رَفَعَهُمَا، ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ، فَلَمَّا قَالَ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» رَفَعَ يَدَيْهِ، فَلَمَّا سَجَدَ، سَجَدَ بَيْنَ كَفَّيْهِ».

 الشرح: قال المنذري: باب: وضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة.

     والحديث أخرجه مسلم في الصلاة (1/301) وبوب عليه النووي (4/114): باب وضع يده اليمنى على اليسرى بعد تكبيرة الإحرام تحت صدره فوق سرته، ووضعهما في السجود على الأرض حذو منكبيه. قوله: «أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ، كَبَّر» أي: عند تكبيرة الإحرام.

- قوله: «وَصَفَ هَمَّامٌ حِيَالَ أُذُنَيْهِ» حيال أذنيه، أي قبالتهما، وقد سبق بيانه. قوله: «ثُمَّ الْتَحَفَ بِثَوْبِهِ» فيه: أن العمل القليل في الصلاة لا يبطلها، خاصة إن كان لحاجة .

- قوله: «ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى» فيه الدليل على وضع اليد اليمنى على اليسرى بعد تكبيرة الإحرام، وبه قال عامة أهل العلم. وعن مالك روايتان: إحداهما: يضعهما تحت صدره، والثانية: يرسلهما ولا يضع إحداهما على الأخرى.

أما القول بإرسال اليدين في الصلاة فقولٌ ضعيف، تردّه الأدلة الكثيرة من السنة النبوية، وهاهي باختصار:

1- عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ: أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ الْيَدَ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلاة.

     رواه البخاري في بَاب: وضْعِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فِي الصَّلاة،  ورواه مالك في الموطأ (426)، ورواه أحمد في مسنده. ورواية مالك رحمه الله له في الموطأ، تدل على اختياره له وأخذه به؛ لأنه كتابه الذي يتضمن اختياراته وفقهه ومذهبه.

     قال الإمام مالك في الموطأ: في كتاب الصلاة: (49) - باب وضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة: عن عبد الكريم بن أبي المخارق البصري أنه قال: من كلام النبوة: إذا لم تستح فاصنع ما شئت، ووضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة...(وقد جاء مرفوعا صحيحا).

     ثم روى عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد أنه قال: «كان الناس يُؤمرون أنْ يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة». قال أبو حازم: لا أعلمه إلا أنه يُنمي ذلك (أي يرفعه) إلى النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى.

     فوضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة، هو مذهب الإمام مالك الصحيح عنه، وما شاع عند كثير من الناس أن مذهب مالك هو السدل! فليس بصحيح، بل لا أصل له في السنة النبوية، ولا عن الإمام مالك، وقد تفرد بهذا القول عنه فقط ابن القاسم من تلاميذه في المدونة، والحقيقة أنه سوء فهم لكلام الإمام مالك.

     ومن المعروف في علم الحديث: أنه إذا تفرد راو واحد برواية وخالف من هو أوثق منه وأكثر، فإنّ هذه الرواية تكون شاذة وضعيفة، وبالتالي يؤخذ برواية الأكثر؛ لأنهم أحفظ من الواحد، فكيف لو اجتمع هذا مع مخالفة السنة الصحيحة؟!

- قال ابن عبد البر: «وروى ابن نافع وعبد الملك ومطرف عن مالك أنه قال: «توضع اليمنى على اليسرى في الصلاة في الفريضة والنافلة، قال: لا بأس بذلك» قال أبو عمر: هو قول المدنيين من أصحابه. (الاستذكار2/291). وقال أشهب:سألت مالك عن وضع الرجل إحدى يديه على الأخرى في الصلاة المكتوبة ؟ فقال: «لا أرى بذلك بأسا في المكتوبة والنافلة». البيان والتحصيل (1/394).

فهذا قول المشاهير من أصحاب الإمام مالك رحم الله الجميع.

     وقال العلامة الشوكاني رحمه الله في «نيل الأوطار»: والحديث يصلح للاستدلال به على وجوب وضع اليد على اليد؛ للتصريح من سهل بن سعد بأن الناس كانوا «يؤمرون...».

- وقال: ومع هذا، فطول ملازمته صلى الله عليه وآله وسلم لهذه السنة، معلوم لكل ناقل، وهو بمجرده كاف في إثبات الوجوب عند بعض أهل الأصول، فالقول بالوجوب هو المتعين. اهـ باختصار.

2- وعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى الْيُمْنَى، فَرَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى.

- رواه أبو داود في سننه: باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة، ورواه النسائي في سننه: باب في الإمام إذا رأى الرجل قد وضع شماله على يمينه، ورواه ابن ماجة في سننه: باب وضع اليمين على الشمال في الصلاة، والحديث حسنه العلامة الألباني.

3- وعَنْ قَبِيصَةَ بْنِ هُلْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَمَ يَؤُمُّنَا، فَيَأْخُذُ شِمَالَهُ بِيَمِينِهِ.

- رواه الترمذي في باب: ما جاء في وضع اليمين على الشمال في الصلاة، وقَالَ: حَدِيثُ هُلْبٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، يَرَوْنَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ فِي الصَّلَاةِ، وَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنْ يَضَعَهُمَا فَوْقَ السُّرَّةِ، وَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنْ يَضَعَهُمَا تَحْتَ السُّرَّةِ، وَكُلُّ ذَلكَ وَاسِعٌ عِنْدَهُمْ. ورواه ابن ماجة وأحمد في مسنده، وقال العلامة الألباني: حسن صحيح.

4- وعنِ ابْنِ عَباسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِى صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّا مَعْشَرَ الأَنْبِيَاءِ أُمِرْنَا بِتَعْجِيلِ فِطْرنَا، وَتَأْخِيرِ سحورِنَا، وَأَنْ نَضَعَ أَيمَانَنا عَلَى شَمَائِلِنَا فِى الصَّلاَةِ».  رواه الطيالسي في مسنده وعبد بن حميد والطبراني في الكبير، وصححه ابن حبان والعلامة الألباني في (صفة الصلاة ص 87).

     ولم يثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه أرسل يديه في الصلاة قط، لا في الفرض ولا في النفل، على كثرة من روى عنه صفة صلاته من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، ومن ادّعى غير ذلك فعليه البرهان والدليل، ولن يجد إلى ذلك سبيلا!

     وعلى المؤمن أن يتقي الله عز وجل في دينه وعبادته، ويتابع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأعماله في صلاته وغيرها من عباداته.

     ولا يحل للمؤمن الحق أن يقدم أقوال الرجال واجتهاداتهم وآراءهم، على قول وهدي محمد صلى الله عليه وسلم، بل ليكن كما قال القائل:

دَعُوا كلَّ قولٍ عند قول محمد

                         فما آمنٌ في دينه كمُخاطر

- أما موضع اليدين: فالصحيح أنه يضعهما على الصدر، فقد روى الصحابي وائل بن حجر رضي الله عنه قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره.  رواه ابن خزيمة في صحيحة (479) ورواه أحمد وغيره، وهو صحيح بطرقه.

     وذكره النووي في شرحه (4/115) وقال: وأما  حديث علي رضي الله عنه أنه قال: من السُنة في الصلاة وضع الأكف على الأكف تحت السُّرَّة، فضعيف متفق على تضعيفه، رواه الدارقطني والبيهقي من رواية أبي شيبة عبدالرحمن بن إسحاق الواسطي وهو ضعيف باتفاق العلماء , قال: قال العلماء: والحكمة في وضع إحداهما على الأخرى، أنه أقرب إلى الخشوع، ومنعهما من العبث، والله أعلم.

- قوله: «فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ أَخْرَجَ يَدَيْهِ مِنْ الثَّوْبِ، ثُمَّ رَفَعَهُمَا، ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ» وفيه: استحباب كشف اليدين عند الرفع.

- قوله «فَلَمَّا قَالَ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» رَفَعَ يَدَيْهِ، فَلَمَّا سَجَدَ، سَجَدَ بَيْنَ كَفَّيْهِ» فيه: رفع اليدين عند الرفع من الركوع، وقول: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» عند الرفع منه، وقد سبق.

- وفيه: وضع اليدين في السجود على الأرض حذو منكبيه.

والله أعلم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك