رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 18 ديسمبر، 2012 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 25 ) باب: ترك الجهر بـ{بسم الله الرحمن الرحيم}

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

281- عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقْرَأُ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ).

 الشرح: قال المنذري: باب: ترك الجهر بـ(بسم الله الرحمن الرحيم)

والحديث رواه مسلم في الصلاة (1/299) وبوب عليه النووي (4/110) باب: حُجة من قال: لا يجهر بالبسملة.

- قوله: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقْرَأُ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) أي: كانوا لا يجهرون  بالبسملة في القراءة في الصلاة الجهرية.

- وفي الرواية الأخرى قال: «صَلَّيْتُ خلف رَسُولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، فكانوا يستفتحون بـ(الحمد رب العالمين)، لا يذكرون (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) في أول قراءةٍ ولا في آخرها».

وأخرجه البخاري في الأذان (743).

أي: في الصلوات الجهرية؛ لأن السرية لا يجهر فيها لا بالبسملة ولا غيرها.

وقد استدل بهذا منْ لا يرى البسملة من الفاتحة، ومن يراها منها ويقول: لا يجهر، وهو الأصح.

قال النووي: ومذهب الشافعي رحمه الله تعالى وطوائف من السلف والخلف: أن البسملة آيةٌ من الفاتحة، وأنها يُجهر بها بالفاتحة حيث يجهر بالفاتحة !

- قال: واعتمد أصحابنا ومن قال إنها آية من الفاتحة: أنها كتبت في المصحف بخط المصحف، وكان هذا باتفاق الصحابة وإجماعهم على ألا يثبتوا فيه بخط القرآن غير القرآن، وأجمع بعدهم المسلمون كلهم في كل الأعصار إلى يومنا أنها ليست في أول (براءة)، وأنها لا تكتب فيها وهذا يؤكد ما قلناه. انتهى.

- وقد استدل من قال: إنها ليست من الفاتحة، بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «قال الله تعالى: قسمتُ الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: الحمد لله رب العالمين، قال الله: حمدني عبدي...» الحديث، أخرجه مسلم في الصلاة (395) فلم يذكر البسملة.

أما معنى قولنا: باسم الله، أي: باسم الله أقرأ، أو ابتدأ قراءتي باسم الله.

والله: عَلَمٌ على الرب عز وجل، وأصله: إله بمعنى مألوه، والمألوه هو المعبود.

والرحمن الرحيم: اسمان دالان على الرحمة الواسعة للخلائق، والرحمن أشد مبالغة من الرحيم، وهو خاص بالله تعالى فلا يطلق على غير الله سبحانه. 

 باب: في بسم الله الرحمن الرحيم

282- عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، إِذْ أَغْفَى إِغْفَاءَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّمًا، فَقُلْنَا: مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ، فَقَرَأَ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ  إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ  فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} ثُمَّ قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْكَوْثَرُ؟» فَقُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ! قَالَ: «فَإِنَّهُ نَهْرٌ وَعَدَنِيهِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، عَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ، هُوَ حَوْضٌ تَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، آنِيَتُهُ عَدَدُ النُّجُومِ، فَيُخْتَلَجُ الْعَبْدُ مِنْهُمْ، فَأَقُولُ: رَبِّ إِنَّهُ مِنْ أُمَّتِي؟! فَيَقُولُ: مَا تَدْرِي مَا أَحْدَثَتْ بَعْدَكَ؟!».

 الشرح:  قال المنذري: باب: في بسم الله الرحمن الرحيم.

والحديث أخرجه مسلم  في الصلاة (1/ 300)

وبوب عليه النووي: باب حجة من قال: البسملة آية من أول كل سورة سوى براءة.

قوله «بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ بَيْنَ أَظْهُرِنَا» أي: بيننا «إِذْ أَغْفَى إِغْفَاءَةً» أغفى إغفاءه، أي: نام.

قوله «أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ» آنفا، أي: قريبا.

قوله: فَقَرَأَ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) فيه: أن البسملة في أوائل السور من القرآن، وهو مقصود الإمام مسلم بذكر الحديث هاهنا.

     ولا منافاة بين هذا الحديث وبين الحديث السابق، فالقراءة للسورة من أولها  خارج الصلاة، يجهر فيها بـ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)، وأما في الصلاة فلا يجهر؛ اتباعا لهدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صلاته، وهدي الخلفاء الراشدين من بعده.

     قوله {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} الكوثر هو الخير الكثير، وقد فسره النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: «فَإِنَّهُ نَهْرٌ وَعَدَنِيهِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، عَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ، هُوَ حَوْضٌ تَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، آنِيَتُهُ عَدَدُ النُّجُومِ» وهو حوض عظيم، طوله شهر، وعرضه شهر، ماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، وأبرد من الثلج، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا، تشرب منه أمته في عرصات القيامة قبل دخولهم الجنة، والإيمان به واجب، وهو من معتقدات أهل السنة والجماعة الثابتة.

قوله «فَيُخْتَلَجُ الْعَبْدُ مِنْهُمْ» يختلج أي: يقتطع ويؤخذ، فيمنع من الشرب من الحوض والورود عليه، والذي يفعل به ذلك هم الملائكة كما ثبت.

قوله «فَأَقُولُ: رَبِّ إِنَّهُ مِنْ أُمَّتِي؟! فَيَقُولُ: مَا تَدْرِي مَا أَحْدَثَتْ بَعْدَكَ؟!»

وفيه: وقوع إحداث الأمة بعده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو علامة من علامات النبوة.

الإحداث يكون في الدين، بالبدع والزيادات التي لم يشرعها الله تعالى على لسان رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهؤلاء يطردون عن الحوض يوم القيامة.

     قال العلامة صديق حسن: وقد أحدثت أمته بعد نبيها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما أحدثت مما يطول ذكره ويعسر ضبطه، حتى أفضى بهم ذلك الإحداث إلى الإشراك بالله، وعبادة الأولياء، وفساد العقائد والأعمال والنيات.

     وأخرجهم عدوهم إبليس إلى أنواع من الضلالة والبدعة، ورفض الكتاب والسنة، وتقديم أقوال الأحبار والرهبان على محكمات الحديث والقرآن، وتأثيرها على واضحات الإيمان، وظاهرات الإحسان، وبينات الإسلام {وكان أمر الله قدرا مقدورا} (الأحزاب: 38). انتهى.

ومن الإحداث أيضا: الجرائم من الزنى والسرقة وشرب الخمر ونحوها.

قوله {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} خصّ هاتين العبادتين بالذكر؛ لأنهما أشرف وأفضل العبادات، فالصلاة تتضمن الخضوع والخشوع في القلب واللسان والجوارح.

والذبح والنحر لله تعالى من أفضل العبادات المالية التي يتقرب بها إليه.

 قوله {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} الشانئ هو المبغض والذام والمنتقص، والأبتر: هو المقطوع من كل خير.

وكان المشركون يقولون: إن محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس له عقب فهو منقطع الذكر؟!

     فرد الله عز وجل عليهم بأن محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الذي له الكمال الممكن للمخلوق، وهو الذي جعل الله تعالى له رفع الذكر، ولسان الصدق والثناء الحسن، على مر الزمان، مع كثرة الأتباع والأنصار الذين يحبونه ويتابعونه وينصرونه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم.

 والله تعالى أعلم

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك