رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 31 ديسمبر، 2012 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 27 )باب: القراءة مما تيسر

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

284. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّلَامَ ثُمَّ قَالَ: «ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» فَرَجَعَ الرَّجُلُ فَصَلَّى كَمَا كَانَ صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَعَلَيْكَ السَّلَامُ» ثُمَّ قَالَ: «ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا أُحْسِنُ غَيْرَ هَذَا، عَلِّمْنِي، قَالَ: «إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِن الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا».

 الشرح:  قال المنذري: باب: القراءة مما تيسر. والحديث رواه مسلم في الصلاة (1/ 298) وبوب عليه النووي الباب السابق.

قال النووي: هذا الحديث مشتمل على فوائد كثيرة وليعلم أولا: أنه محمول على بيان الواجبات دون السنن.

فإنْ قيل: لم يذكر فيه كل الواجبات، فقد بقي واجبات مجمع عليها ومختلف فيها، فمن المجمع عليه: النية، والقعود في التشهد الأخير، وترتيب أركان الصلاة.

ومن المختلف فيه: التشهد الأخير، والصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه، والسلام، وهذه الثلاثة واجبة عند الشافعي رحمه الله.

وقال بوجوب السلام الجمهور، وأوجب التشهد  كثيرون، وأوجب الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع الشافعي: الشعبي وأحمد وأصحابهما.

وأوجب جماعة من أصحاب الشافعي: نية الحروج من الصلاة!

وأوجب أحمد رحمه الله تعالى التشهد الأول. وكذلك التسبيح وتكبيرات الانتقالات.

     قال: فالجواب: أن الواجبات الثلاثة المجمع عليها، كانت معلومةً عند السائل، فلم يحتج إلى بيانها، وكذا المختلف فيه عند من يوجبه، يحمله على أنه كان معلوما عنده.  وأيضا: فإن الحديث روي من طرق وبألفاظ كثيرة جمعت جملة الواجبات.

     وهذا الحديث: حجة في وجوب الطهارة، واستقبال القبلة، وتكبيرة الإحرام، والقراءة، ووجوب الاعتدال من الركوع، والجلوس بين السجدتين، ووجوب الطمأنينة في الركوع والسجود، والجلوس بين السجدتين.

     وخالف الحنفية في كثير من هذه الأركان، والحديث حجة عليهم. وفيه: وجوب القراءة للقرآن في الركعات كلها، والمقصود بالقراءة للقرآن هاهنا: الفاتحة، كما دلّت عليه الأحاديث في الباب السابق.

     وفيه: أن التعوذ ودعاء الاستفتاح، ليسا بواجبين. وفيه: دليل على أن إقامة الصلاة ليست واجبة.  وفيه: أنّ من أخل ببعض أركان الصلاة لم تصح صلاته، بل تبطل، ولا يُسمى مصلياً، بل يقال له: إنك لم تصل، كما في نص الحديث.

وهذا من أخطر ما يكون على المسلم!

     وقد صح في الحديث قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تُجزئُ صلاةٌ لا يُقيم الرجل فيها صلبهُ في الركوع والسجود» رواه أحمد والنسائي وابن ماجة من حديث أبي مسعود البدري رضي الله عنه.

وفي لفظ: «حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود».

     وهو من أسوأ الناس سرقة، كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أسوأُ الناس سرقة، الذي يسرق من صلاته» قالوا: يا رسول الله، كيف يسرق من صلاته ؟ قال: «لا يتم ركوعها ولا سجودها، أو قال: لا يقيم صلبه في الركوع والسجود» رواه أحمد والطبراني وصححه ابن خزيمة والألباني في الترغيب (524).

      وعن أبي عبد الله الأشعري: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى رجلا لا يتم ركوعه، وينقر في سجوده، وهو يصلي، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لو ماتَ هذا على حاله هذه، مات على غير ملة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».

     ثم قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مثَلُ الذي لا يتم ركوعه، وينقر في سجوده،  مثل الجائع، يأكل التمرة والتمرتين، لا يغنيان عنه شيئا»  رواه الطبراني وأبو يعلى وصححه ابن خزيمة. 

والله تعالى يعرض عن أمثال هذا، فقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا ينظر الله إلى عبد لا يقيم صلبه بين ركوعه وسجوده» رواه أحمد.

     وفي الحديث: «إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عشر صلاته، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها» رواه أبوداود (796) في الصلاة، باب ما جاء في نقصان الصلاة، وأحمد (4/321) .

     قال الشوكاني في السيل الجرار (1/ 216): ولأهل الرأي في عدم إيجاب الطمأنينة، كلامٌ يَعرف فساده من يعرف الاستدلال ويدري بكيفيته، وقد أفضى ذلك إلى أنْ يصلي غالب عامتهم، وبعض خاصتهم، صلاة لا ينظر الله إلى صاحبها، ولا تجزئه، كما نطق بذلك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قال: فكانت هذه الرزية النازلة بهم، هي ثمرتهم المستفادة من تقليدهم. انتهى.

     وفي الحديث: أن المفتي إذا سئل عن شيء، وكان هناك شيء آخر يحتاج إليه السائل ولم يسأله عنه، يستحب له أن يذكره له، ويكون هذا من النصيحة لا من الكلام فيما لا يعني، وذلك أن الرجل قال: «علمني يا رسول الله» أي: علّمني الصلاة، فعلّمه الصلاة واستقبال القبلة والوضوء، وليسا من الصلاة، لكنهما شرطان لها.

     وفيه: الرفق بالمتعلم والجاهل، وملاطفته، وإيضاح المسألة له، وتلخيص المقاصد له، والاقتصار في حقه على المهم من المسائل، دون الأمور التي لا يحتملها حفظه وفهمه. وفي الحديث: استحباب السلام عند اللقاء، ووجوب ردّه، وأنه يستحب تكراره إذا تكرر اللقاء وإنْ قرُب العهد.

وأنه يجب ردّه في كل مرة.

     وأن صيغة رد السلام تكون بـ: وعليكم، أو: وعليك، كما في هذا الحديث، ويجوز بحذف الواو، كما قال تعالى: {قالوا سلاما قال سلام} (هود: 69). وقد استدرك الدارقطني على إسناد حديث الباب.

     وتعقبه النووي وقال: فحصل أن الحديث صحيح، لا علة فيه، ولو كان الصحيح ما رواه الأكثرون لم يضر في صحة المتن، وقد سبق بيان مثل هذا مرات في أول الكتاب، ومقصودي بذكر هذا ألا يغتر بذكر الدارقطني أو غيره له في الاستدراكات، والله عز وجل أعلم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك