رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 13 يناير، 2013 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 29 )باب: في القراءة في الظهر والعصر

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

288. عن أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ، وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا، وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ».

 الشرح: قال المنذري: باب في القراءة في الظهر والعصر، وأورد فيه حديثين: الأول حديث أبي قتادة رضي الله عنه، والحديث رواه مسلم في الصلاة (1/ 333) وبوب عليه النووي (4 / 171)  تبويب المنذري نفسه.

ورواه البخاري في الأذان (762) فهو من المتفق عليه.

     قوله: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ» وهذا ثابتٌ عنه، لا يكاد يختلف فيه أحد، أنه كان يقرأ في كل ركعة من الركعتين الأوليين الفاتحة وسورة، وذكر الشوكاني فيه الإجماع.

وفي حديث سعد رضي الله عنه في هذا الباب لمسلم قال: «إني لأركدُ بهم في الأوليين، وأحذف في الأخريين». وفي لفظ «فأمدّ في الأوليين».

     وفي حديث أبي سعيد رضي الله عنه الآخر في الباب نفسه قال: «لقد كانت صلاة الظهر تقام، فيذهبُ الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته، ثم يتوضأ، ثم يأتي ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى، مما يُطوّلها».

     قوله: «بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ»، وفي الرواية الأخرى: «بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتين» قال النووي: فيه دليلٌ لما قاله أصحابنا: أن قراءة سورة قصيرة بكمالها، أفضل من قراءة قدرها من طويلة: لأن المستحب للقارئ أن يبتدئ من أول الكلام المرتبط، ويقف عند انتهاء المرتبط، وقد يخفى الارتباط على أكثر الناس أو كثير، فندب منهم إلى إكمال السورة، ليحترز عن الوقوف دون الارتباط. انتهى.

     وسيأتي بيان السور التي كان يقرأ بها صلى الله عليه وسلم في الظهر والعصر. قوله: «وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا» فيه جواز إسماع الآية أحيانا، برفع الصوت بها في الصلاة السرية.

قال النووي: هذا محمولٌ على أنه أراد به بيان جواز الجهر بالقراءة السرية ! وأن الإسرار ليس بشرط لصحة الصلاة، بل هو سُنة.

قال: ويحتمل أن الجهر بالآية كان يحصل بسبق اللسان؛ للاستغراق في التدبر، والله أعلم. قلت: أما الجهر بالسرية فلم يعرف عنه قط، والله أعلم.

قوله: «وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وهذا يدل على تخفيف الركعتين الأخيرتين من الظهر والعصر.

     وورد أنه كان يقرأ فيهما بِفَاتِحَةِ الْكِتَاب وسورة أحيانا، وهو يدل على مشروعية ذلك وسنيّته، بحسب الأحوال من التخفيف والتطويل. قال العلماء: السنة أن يقرأ في الصبح والظهر بطوال المفصل، وتكون الصبح أطول، وفي العشاء والعصر بأوساطه، وفي المغرب بقصاره.

     قالوا: والحكمة في إطالة الصبح والظهر: أنهما في وقت غفلة بالنوم آخر الليل وفي القائلة، فيطولهما ليدركهما المتأخر بغفلة ونحوها، والعصر ليست كذلك، بل تفعل في وقت تعب أهل الأعمال فخففت عن ذلك، والمغرب ضيقة الوقت فاحتيج إلى تخفيفها لذلك، ولحاجة الناس إلى عشاء صائمهم وضيفهم، والعشاء في وقت غلبة النوم والنعاس، ولكن وقتها واسع فأشبهت العصر، والله أعلم، نقله النووي.  

 والحديث الثاني:

289. عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ، فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةً، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً، أَوْ قَالَ: نِصْفَ ذَلِكَ،

وَفِي الْعَصْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ قِرَاءَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ نِصْفِ ذَلِكَ.

 الشرح:  والحديث في الموضع السابق من صحيح مسلم، وفي الباب نفسه.

     قوله:  «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ، فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةً »، وهذا بالتقدير، كما في الرواية الأخرى عنه: «كنا نَحْزُرُ قيام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الظهر والعصر، فحَزَرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر والعصر، قدر قراءة (آلم) تنزيل السجدة، وحَزَرنا قيامه في الأخريين قدر النصف من ذلك، وحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من العصر، على قدر قيامه في الأُخريين من الظهر، وفي الأخريين من العصر، على النصف من ذلك» فقوله «نحزر» أي: نخمن ونقدر. وهذا فيه أيضا: أن القراءة في الأوليين، أطول منها في الأخريين.

     وقال بعض الفقهاء: إنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يطول الأولى، وأن السبب في الطول: وجود دعاء الافتتاح والتعوذ، أو لسماع دخول داخل إلى الصلاة ونحوه، لا في القراءة!

وهو قولٌ ضعيفٌ، يرده ظاهر السنة النبوية. والحديث فيه: أن صلاة العصر أخف من صلاة الظهر.

     وروى مسلم أيضا: عن جابر بن سمرة رضي الله عنه: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقرأ في الظهر بـ (سبّح اسم ربك الأعلى) وفي الصبح بأطول من ذلك.

وروى أيضا عنه قال: كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ في الظهر بـ (الليل إذا يغشى) وفي العصر نحو ذلك، وفي الصُبْح أطول من ذلك.

 91- باب: في القراءة في صلاة المغرب

290.عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: إِنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ سَمِعَتْهُ وَهُوَ يَقْرَأُ (وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا) فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ، لَقَدْ ذَكَّرْتَنِي بِقِرَاءَتِكَ هَذِهِ السُّورَةَ، إِنَّهَا لَآخِرُ مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهَا فِي الْمَغْرِبِ.

 الشرح: قال المنذري: باب في القراءة في صلاة المغرب.

والحديث رواه مسلم في الصلاة، وبوب عليه النووي (4/180): باب القراءة في الصبح.

والحديث رواه البخاري في الأذان (763).

قولها: «يا بُنَيَّ، لَقَدْ ذَكَّرْتَنِي» أي: إنها كانت قد نسيت ذلك.

     قولها: «إِنَّهَا لَآخِرُ مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهَا فِي الْمَغْرِبِ» وفي رواية البخاري أنها آخر صلوات النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فروى في باب وفاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: «ثم ما صلى لنا بعدها حتى قبضه الله».

     والحديث يدل على جواز القراءة في المغرب بغير قصار المفصل. ويدل عليه أيضا: حديث جبير بن مطعم قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ في المغرب بالطور. رواه البخاري (765) ومسلم.

     وكذا حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه: أنه قال لمروان بن الحكم: ما لك تقرأ في المغرب بقصار المفصّل، وقد سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ بطُولى الطوليين». رواه البخاري (764).

وطولى الطوليين: أي بأطول السورتين، وهي الأعراف.

     لكن ثبت أن تقصير المغرب هو الأكثر؛ لحديث سليمان بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: «ما رأيت أحدا أشبه صلاة برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من فلان» قال سليمان: فكان يقرأ في الصبح بطوال المفصل، وفي المغرب بقصار المفصل، وفي العشاء بأواسط المفصل» رواه النسائي وصححه ابن خزيمة وغيره.

قال الحافظ ابن حجر في الفتح (2/ 308): وهذا يشعر بالمواظبة على ذلك.

وكذا حديث أبي رافع رضي الله عنه: أنهم كانوا ينتضلون – أي يرمون بالسهام – بعد صلاة المغرب. رواه البخاري.

     وقال الحافظ: وطريق الجمع بين هذه الأحاديث أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يطيل القراءة أحيانا في المغرب إما لبيان الجواز، وإما لعلمه بعدم المشقة على المأمومين، وليس في حديث جبير بن مطعم دليل على أن ذلك تكرر منه، وأما حديث زيد بن ثابت ففيه إشعارٌ بذلك لكونه أنكر على مروان المواظبة على القراءة بقصار المفصل. انتهى باختصار يسير.

     فائدة: المفصّل من القرآن: أوله سورة (ق) على الصحيح وآخره آخر القرآن، كما في حديث أوس بن حذيفة رضي الله عنه في تحزيب الصحابة للقرآن، أخرجه أحمد وأبو داود.

 والله أعلم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك