رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 21 يناير، 2013 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 30 ) باب: القراءة في العشاء الآخرة

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

291. عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ مُعَاذٌ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَأْتِي فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ، فَصَلَّى لَيْلَةً مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ، ثُمَّ أَتَى قَوْمَهُ فَأَمَّهُمْ، فَافْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَانْحَرَفَ رَجُلٌ فَسَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ وَانْصَرَفَ، فَقَالُوا لَهُ: أَنَافَقْتَ يَا فُلَانُ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ، وَلَآتِيَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَأُخْبِرَنَّهُ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا أَصْحَابُ نَوَاضِحَ نَعْمَلُ بِالنَّهَارِ، وَإِنَّ مُعَاذًا صَلَّى مَعَكَ الْعِشَاءَ، ثُمَّ أَتَى فَافْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مُعَاذٍ فَقَالَ: يَا مُعَاذُ، أَفَتَّانٌ أَنْتَ؟! اقْرَأْ بِكَذَا وَاقْرَأْ بِكَذَا. قَالَ سُفْيَانُ: فَقُلْتُ لِعَمْرٍو: إِنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ حَدَّثَنَا عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ: «اقْرَأْ (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا) و(َالضُّحَى) و(اللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى) وَ(سَبِّح اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى)». فَقَالَ عَمْرٌو: نَحْوَ هَذَا.

 الشرح: قال المنذري: باب القراءة في العشاء الآخرة.

والحديث أخرجه مسلم في الصلاة (1/ 339) وبوب عليه النووي: باب القراءة في العشاء.

وأخرجه البخاري في الأذان (700 – 701) باب: إذا طول الإمام وكان للرجل حاجة فخرج فصلى.

     قوله «كَانَ مُعَاذٌ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَأْتِي فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ» فيه جواز صلاة المفترض خلف المتنفل؛ لأن معاذا كان يصلي الفربضة مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم يذهب إلى قومه فيصلي بهم العشاء مرة ثانية متنفلا، فهي له تطوع ولهم فريضة، وقد جاء هكذا مصرحا به في رواية غير مسلم.

     قال النووي: وهذا جائز عند الشافعي رحمه الله تعالى، ولم يجزه ربيعة ومالك وأبو حنيفة رضي الله عنهم، وتأولوا حديث معاذ رضي الله عنه على أنه كان يصلي مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تنفلا! ومنهم من تأوله على أنه لم يعلم به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! ومنهم من قال: حديث معاذ كان في أول الأمر ثم نسخ!

ثم قال: وكل هذه التأويلات دعاوى لا أصل لها، فلا يترك ظاهر الحديث بها. انتهى.

     وقال صديق حسن: تصريحه هو وغيره أن التي صلاها مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هي الفريضة، والتي صلاها بقومه نافلة له، دليل واضح، وحجة نيرة في هذا الباب، يدفع كل برهان داحض، ويقطع عرق كل تعليلٍ عليل، ويدفع كل خيال مختل، وما أجيب به عن ذلك، من أنه قول صحابي لا حجة فيه، فتعسف شديد؛ فإن الصحابي أخبرنا بذلك، وهو أجل قدرا من أن يروي بمجرد الظن والتخمين، وقد وقع هذا في عصره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والقرآن ينزل، فلو كان غير جائز، لما وقع التقرير عليه.

     وأيضا الأصل صحة ذلك، والدليل على من منع منه، وأما الاستدلال بحديث «تختلفوا على أئمتكم» فوضع الدليل في غير موضعه؛ فإن النهي على فرض شموله لغير ما هو مذكور بعده من التفصيل، لا يتناول إلا ما كان له ظاهر في المخالفة من الأركان والأذكار، وفعل القلب لا يدخل في ذلك؛ لعدم ظهور أثر المخالفة فيه.

ولو قدرنا دخوله، لكان مخصوصا بدليل الجواز. انتهى.

قوله «فَافْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ» فيه: جواز قول «سورة البقرة» و«سورة آل عمران» و«سورة النساء» وهكذا، ومن منع منه، فهذا الحديث وغيره حجة عليه.

     قوله «فَانْحَرَفَ رَجُلٌ فَسَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ وَانْصَرَفَ» استدل به على أنه يجوز للمأموم أن يقطع صلاته مع الإمام، ويصلي منفردا، للعذر والحاجة الطارئة، على أصح الأقوال.

والعذر: هو ما تسقط به الجماعة ابتداء، ويعذر في التخلف عنها بسببه.

     وقال الحافظ: وأما قوله في الترجمة «فخرج» فيحتمل أنه خرج من القدوة، أو من الصلاة رأسا، أو من المسجد. قال ابن رشيد: الظاهر أن المراد: خرج إلى منزله فصلى فيه، وهو ظاهر قوله في الحديث «فانصرف الرجل». فتعقبه الحافظ بقوله: قلت: وليس الواقع كذلك؛ فإن في رواية النسائي «فانصرف الرجل فصلى في ناحية المسجد».

وأعلّ البيهقي قوله «ثم سلم» وقال الحافظ: وسائر الروايات تدل على أنه قطع القدوة فقط، ولم يخرج من الصلاة، بل استمر فيها منفردا (الفتح: 2/194).

     قوله «فقالوا لَهُ: أَنَافَقْتَ يَا فُلَانُ؟» فيه: الإنكار من أهل المسجد على من ارتكب منكرا وخطأ من المصلين. وفيه: أن التخلف عن الجماعة، من صفة المنافق عند الصحابة ر ضي الله عنهم.

قوله «قَالَ: لَا وَاللَّهِ، وَلَآتِيَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَأُخْبِرَنَّهُ» أي: ما نافقت، ولكن فعلت ذلك بسبب التعب الشديد، كما سيأتي.

     قوله «فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا أَصْحَابُ نَوَاضِحَ نَعْمَلُ بِالنَّهَارِ» النواضح هي الإبل التي يسقى عليها، جمع ناضح، ومعنى قوله: أننا أصحاب عمل وتعب؛ فلا نستطيع تطويل الصلاة.

قوله «وَإِنَّ مُعَاذًا صَلَّى مَعَكَ الْعِشَاءَ، ثُمَّ أَتَى فَافْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ» فيه: علم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصلاة معاذ رضي الله عنه معه، ثم ذهابه لقومه للصلاة بهم بعده.

     قوله «فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مُعَاذٍ فَقَالَ: يَا مُعَاذُ، أَفَتَّانٌ أَنْتَ؟! اقْرَأْ بِكَذَا وَاقْرَأْ بِكَذَا» فأنكر عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعله هذا، وهو التطويل في الصلاة بهم، وقوله «أفتان» وفي رواية البخاري «فتانٌ فتان فتان» أي: منفرٌ عن الدين وصادٌ عنه، والتكرار للتأكيد؛ لأن التطويل قد يكون سببا لكراهة الصلاة جماعة.

     ففيه: الحث على التخفيف مراعاة لحال المأمومين، إذا كانوا لا يطيقون التطويل، أو لا يرضون بالتطويل. وروى البيهقي في «الشعب» بإسناد صحيح: عن عمر قال: «لا تبغّضوا الله إلى عباده، يكون أحدكم إماما فيطوّل على القوم حتى يبغّض إليهم ما هم فيه».

وقال الداودي: يحتمل أن يريد بقوله «فتان» أي: معذبٌ؛ لأنه عذبهم بالتطويل، ومنه قوله تعالى: {إن الذين فتنوا المؤمنين} قيل: معناه عذبوهم (الفتح 2/195).

وفيه: التعزير بالقول والاكتفاء به.

     قَالَ سُفْيَانُ: فَقُلْتُ لِعَمْرٍو: إِنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ حَدَّثَنَا عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ: «اقْرَأْ (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا) و(َالضُّحَى) و(اللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى) وَ(سَبِّح اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى)». فَقَالَ عَمْرٌو: نَحْوَ هَذَا. ظاهر هذا أنه موقوف على جابر رضي الله عنه، لكن هو قد ثبت مرفوعا إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وفي الحديث: جواز صلاة المنفرد في المسجد الذي يصلى فيه بالجماعة إذا كان لعذر.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك