رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 4 فبراير، 2013 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 32 )بـاب: التّطْـبيـق فـي الركــوع

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

294.عَنْ الْأَسْوَدِ وَعَلْقَمَةَ قَالَا: أَتَيْنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه فِي دَارِهِ، فَقَالَ: أَصَلَّى هَؤُلَاءِ خَلْفَكُمْ؟ فَقُلْنَا: لَا، قَالَ: فَقُومُوا فَصَلُّوا، فَلَمْ يَأْمُرْنَا بِأَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ، قَالَ: وَذَهَبْنَا لِنَقُومَ خَلْفَهُ، فَأَخَذَ بِأَيْدِينَا، فَجَعَلَ أَحَدَنَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرَ عَنْ شِمَالِهِ، قَالَ: فَلَمَّا رَكَعَ وَضَعْنَا أَيْدِيَنَا عَلَى رُكَبِنَا، قَالَ: فَضَرَبَ أَيْدِيَنَا وَطَبَّقَ بَيْنَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ أَدْخَلَهُمَا بَيْنَ فَخِذَيْهِ، قَالَ: فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: إِنَّهُ سَتَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ مِيقَاتِهَا، وَيَخْنُقُونَهَا إِلَى شَرَقِ الْمَوْتَى، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ قَدْ فَعَلُوا ذَلِكَ، فَصَلُّوا الصَّلَاةَ لِمِيقَاتِهَا، وَاجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُمْ سُبْحَةً، وَإِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً فَصَلُّوا جَمِيعًا، وَإِذَا كُنْتُمْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلْيَؤُمَّكُمْ أَحَدُكُمْ، وَإِذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَلْيفْرِشْ ذِرَاعَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَلْيَجْنَأْ وَلْيُطَبِّقْ بَيْنَ كَفَّيْهِ، فَلَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى اخْتِلَافِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرَاهُمْ.

الشرح: قال المنذري: باب التطبيق في الركوع.

والحديث أخرجه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة (1/378) وبوب النووي عليه باب: الندب إلى وضع الأيدي على الرُّكب في الركوع ونسخ التطبيق.

الأسود هو ابن يزيد بن قيس النّخعي، مخضرم ثقة، فقيه مكثر، مات سنة 74 أو 75 هـ، روى له الستة.

وعلقمة هو ابن قيس أبو شبيل النخعي، تابعي ثقة ثبت فقيه عابد، مات بعد الستين، وقيل: غير ذلك، روى له الستة.

قوله «أَصَلَّى هَؤُلَاءِ خَلْفَكُمْ؟» يعني الأمير وأتباعه.

     قوله «قَالَ: فَقُومُوا فَصَلُّوا، فَلَمْ يَأْمُرْنَا بِأَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ» استدل به على عدم وجوب الأذان والإقامة لمن صلى وحده بالبلد الذي يؤذن فيه ويقام لصلاة الجماعة، بل يكفي أذانهم وإقامتهم، وهو مذهب ابن مسعود رضي الله عنه ومن وافقه. وذهب الجمهور من السلف والخلف إلى أن الإقامة سُنةٌ في حقّه. واختلفوا في الأذان، والصحيح أنه يشرع للمنفرد ويستحب، كما سبق بيانه في الأذان.

     قوله «قَالَ: وَذَهَبْنَا لِنَقُومَ خَلْفَهُ، فَأَخَذَ بِأَيْدِينَا، فَجَعَلَ أَحَدَنَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرَ عَنْ شِمَالِهِ» وهذا مذهبه رضي الله عنه وصاحبيه، أنه يصلي بينهما، وقد فعله النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرة.

وذهب عامة أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم فقالوا: إذا كان مع الإمام رجلان وقفا وراءه صفا؛ لحديث جابر وجبار بن صخر الذي رواه مسلم وقد سبق.

وأجمعوا على أنهم إذا كانوا ثلاثة: أنهم يقفون خلفه. وأما الواحد: فيقف عن يمين الإمام عند كافة أهل العلم؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما.

     قوله «فَلَمَّا رَكَعَ وَضَعْنَا أَيْدِيَنَا عَلَى رُكَبِنَا، قَالَ: فَضَرَبَ أَيْدِيَنَا وَطَبَّقَ بَيْنَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ أَدْخَلَهُمَا بَيْنَ فَخِذَيْهِ» طبق: أي ألصق باطني كفيه في الركوع، وهذا يدل على أن ابن مسعود رضي الله عنه يرى أن التطبيق سنة، ولعله لم يبلغه الناسخ، وهو حديث سعد رضي الله عنه الآتي، وهو مذهب العلماء كافة، أن السنة: وضع اليدين على الركبتين وكراهة التطبيق؛ لثبوت النسخ الصريح للتطبيق.

     قَولَه «فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: إِنَّهُ سَتَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ مِيقَاتِهَا، وَيَخْنُقُونَهَا إِلَى شَرَقِ الْمَوْتَى» أي يتعمدون تأخير الصلاة المكتوبة عن أول وقتها المؤقت لها، لا عن جميع وقتها.

     وهو من المرفوع من أشراط الساعة التي أخبر بها النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال كما في مسلم (648) أيضا أنه قال لأبي ذر رضي الله عنه: «كَيْف أَنْتَ إِذَا كَانَتْ عَلَيْك أُمَرَاء يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاة عَنْ وَقْتهَا، أَوْ يُمِيتُونَ الصَّلاة عَنْ وَقْتهَا؟ قَالَ: قُلْت: فَمَا تَأْمُرنِي؟ قَالَ: صَلِّ الصَّلاة لِوَقْتِهَا، فَإِنْ أَدْرَكْتهَا مَعَهُمْ فَصَلِّ فَإِنَّهَا لَك نَافِلَة».

     ومَعْنَى «يُمِيتُونَ الصَّلَاة» أي: يُؤَخِّرُونَهَا، فَيَجْعَلُونَهَا كَالْمَيِّتِ الَّذِي خَرَجَتْ رُوحه، وَالْمُرَاد بِتَأْخِيرِهَا عَنْ وَقْتهَا، أَيْ عَنْ وَقْتهَا الْمُخْتَار لا عَنْ جَمِيع وَقْتهَا، فَإِنَّ الْمَنْقُول عَنْ الأُمَرَاء الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ إِنَّمَا هُوَ تَأْخِيرهَا عَنْ وَقْتهَا الْمُخْتَار، وَلَمْ يُؤَخِّرهَا أَحَد مِنْهُمْ عَنْ جَمِيع وَقْتهَا، فَوَجَبَ حَمْل هَذِهِ الأَخْبَار عَلَى مَا هُوَ الْوَاقِع. اهـ. (شرح صحيح مسلم 5 / 147 وما بعدها).

وقوله «وَيَخْنُقُونَهَا» أي: يجعلونها في خناق، أي: في ضيق، والمختنق: المضيق.

     وقوله «وَيَخْنُقُونَهَا إِلَى شَرَقِ الْمَوْتَى» قال ابن الأعرابي: فيه معنيان: أحدهما: أن الشمس في ذلك الوقت – وهو آخر النهار – تبقى ساعة ثم تغيب. والثاني: أنه من قولهم: شرق الميت بريقه، إذا لم يبق بعده إلا يسيرا ثم يموت.

     قوله «فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ قَدْ فَعَلُوا ذَلِكَ، فَصَلُّوا الصَّلَاةَ لِمِيقَاتِهَا، وَاجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُمْ سُبْحَةً» أي: صلوا الصلاة في أول الوقت لتدركوا الفرض بوقته، ثم صلوا معهم لئلا تقع فتنة بسبب التخلف عن الصلاة مع الإمام، وتختلف كلمة المسلمين، فتدركوا فضيلة أول الوقت، وفضيلة الجماعة.

وفيه دليل على جواز الصلاة مرتين: الأولى بنية الفرض، والثانية تطوعا. وفي الحديث أيضا: جواز صلاة المكتوبة في البيوت، إذا كان الأئمة يؤخرونها عن وقتها.

     قوله «وَإِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً فَصَلُّوا جَمِيعًا، وَإِذَا كُنْتُمْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلْيَؤُمَّكُمْ أَحَدُكُمْ، وَإِذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَلْيفْرِشْ ذِرَاعَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَلْيَجْنَأْ وَلْيُطَبِّقْ بَيْنَ كَفَّيْهِ، فَلَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى اخْتِلَافِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرَاهُمْ» سبق بيان ذلك آنفا، وأن التطبيق منسوخ.  وفي الحديث: إنكار الصحابي ابن مسعود رضي الله عنه على من يؤخر الصلاة عن وقتها. وفيه: أن المكلف يعمل بالنص من الآية والحديث، إلى أن يبلغه الناسخ.

وأن الصحابي الجليل ابن مسعود رضي الله عنه على علمه وفضله، لم يبلغه الناسخ، وقد وقع نحو هذا لكثير من الصحابة وعلماء السلف، رضي الله عنهم ورحمهم الله.

96- باب: وضع اليدين على الركب ونسخ التطبيق

295.عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ أَبِي، قَالَ: وَجَعَلْتُ يَدَيَّ بَيْنَ رُكْبَتَيَّ، فَقَالَ لِي أَبِي: اضْرِبْ بِكَفَّيْكَ عَلَى رُكْبَتَيْكَ، قَالَ: ثُمَّ فَعَلْتُ ذَلِكَ مَرَّةً أُخْرَى، فَضَرَبَ يَدَيَّ، وَقَالَ: إِنَّا نُهِينَا عَنْ هَذَا، وَأُمِرْنَا أَنْ نَضْرِبَ بِالْأَكُفِّ عَلَى الرُّكَبِ.

الشرح:  قال المنذري: باب وضع اليدين على الركب ونسخ التطبيق. والحديث أخرجه مسلم في الموضع السابق.

وأخرجه البخاري في الأذان (790) باب: وضع الأكف على الركب في الركوع.

     مصعب بن سعد هو ابن أبي وقاص، أبو زرارة، تابعي ثقة، روى عن أبيه وعلي وطلحة رضي الله عنهم، توفي سنة 103 هـ، روى له الستة.  قوله «صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ أَبِي، قَالَ: وَجَعَلْتُ يَدَيَّ بَيْنَ رُكْبَتَيَّ» أي: إنه طبق بين كفيه في الركوع. قوله «فَقَالَ لِي أَبِي: اضْرِبْ بِكَفَّيْكَ عَلَى رُكْبَتَيْكَ» أي: كل كف على ركبة.

     قوله «قَالَ: ثُمَّ فَعَلْتُ ذَلِكَ مَرَّةً أُخْرَى، فَضَرَبَ يَدَيَّ، وَقَالَ: إِنَّا نُهِينَا عَنْ هَذَا، وَأُمِرْنَا أَنْ نَضْرِبَ بِالْأَكُفِّ عَلَى الرُّكَبِ» وهذا تصريح بنسخ التطبيق، والأمر بوضع الأكف على الركب في حال الركوع.

قال الترمذي: التطبيق منسوخٌ عند أهل العلم، لا خلاف بين العلماء في ذلك، إلا ما روي عن ابن مسعود وبعض أصحابه، أنهم كانوا يطبقون. انتهى.

     وروى الإمام ابن خزيمة: عن علقمة عن ابن مسعود قال: «علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أراد أن يركع طبق يديه بين ركبتيه فركع، فبلغ ذلك سعدا فقال: صدق أخي، كنا نفعل هذا ثم أمرنا بهذا».

     وقوله «إِنَّا نُهِينَا عَنْ هَذَا، وَأُمِرْنَا أَنْ نَضْرِبَ بِالْأَكُفِّ عَلَى الرُّكَبِ» استدل به على نسخ التطبيق؛ بناء على أن المراد بالآمر والناهي في ذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الراجح عند أهل العلم، وأن حكمه الرفع.

وبه استدل به ابن خزيمة على أن التطبيق غير جائز (الفتح:2/ 338). والله أعلم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك