رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 10 فبراير، 2013 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 33 )باب: ما يُقال في الركوع والسجود

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي» يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ.

الشرح: قال المنذري: باب ما يقال في الركوع والسجود.

والحديث أخرجه مسلم في الصلاة ( 1/350 ) وبوب عليه النووي بمثل عنوان المنذري.

قولها: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ» أي هو من أذكار الركوع والسجود.

وفي الرواية الأخرى: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ قبل أن يموت».

قولها: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي» وفي الرواية الأخرى: «سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ، أستغفرك وأتوبُ إليك».

وفي الرواية الثالثة: قالت: ما رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منذ نزل عليه {إذا جاءَ نصرُ الله والفتح...} يصلي صلاةً إلا دعا، أو قال فيها: «سبحانك ربي وبحمدك، اللهم اغفرْ لي».

     وفي الرواية الرابعة: قالت: فقلت: يا رسول الله، أراك تُكثر من قول «سُبْحَانَ اللَّهُ وَبِحَمْدِه، أستغْفِرُ الله وأتوب إليه»؟ فقال: «خبرني ربي أني سأرى علامةً في أمتي، فإذا رأيتها أكثرت من قول: سُبْحَانَ اللَّهُ وَبِحَمْدِه، أستغْفِرُ الله وأتوب إليه، فقد رأيتها {إذا جاءَ نصرُ الله والفتح...} فتح مكة، {ورأيتَ الناسَ يدخلون في دينِ الله أفواجا فسبّحْ بحمدِ ربّك واسْتغفره إنه كان توابا} النصر: (1- 3)».

     وفي الرواية الخامسة: قالت: افتقدتُ النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فظننتُ أنه ذهب إلى بعض نسائه، فتحسّست، فإذا هو راكع أو ساجد، يقول: «سبحانك وبحمدك، لا إله إلا أنت» فقلت: بأبي أنت وأمي، إني لفي شأن، وإنك لفي آخر».

     قولها: «يتأول القرآن» أي: يقول متأوّلاً القرآن، أي يفعل ما أُمر به فيه، مبينا المراد من قوله في الآية، أي: في قوله عز وجل: {فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً} (النصر: 3).

     فكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول هذا الكلام البديع في الجزالة، المستوفي ما أمر به في الآية، وكان يأتي به في الركوع والسجود؛ لأن حالة الصلاة أفضل من غيرها، قاله صديق حسن.

     ومعنى: «سبحانك» أي: من التسبيح وهو التنزيه، أي: أنزهك وأبرئك من كل عيبٍ ونقص. «وبحمدك» أي: سبحتك بتوفيقك لي، وهدايتك وفضلك علي، لا بحولي وقوتي. وفيه شكر الله تعالى على هذه النّعمة، والاعتراف بها، والتفويض إلى الله تعالى، وأنّ كل الأفعال له.

     وأما استغفاره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: «اللهم اغفر لي»، مع أنه مغفور له، فهو من باب العبودية لله تعالى والإذعان له، والافتقار إليه.

     والتسبيح في الركوع والسجود سنة متواترة من فعله صلى الله عليه وسلم. والأصل فيه: قول: سبحان ربي العظيم، في الركوع، وسبحان ربي الأعلى، في السجود.

     قال صديق حسن: وأقل ما يفعله المصلي من ذلك: ثلاث تسبيحات في الركوع، وثلاث تسبيحات في السجود، ويختمه بقوله: «سبحانك اللهم... إلخ».

     والأدعية في الركوع والسجود كثيرة، تراجع في مظانها من كتب السنة النبوية والأذكار، وقد جمع جملة منها العلامة الألباني رحمه الله في كتابه «صفة الصلاة».

98- باب: النهي عن القراءة في الركوع والسجود

297.عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السِّتَارَةَ وَالنَّاسُ صُفُوفٌ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ، يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ، أَلَا وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ؛ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ».

 الشرح: قال المنذري: باب النهي عن القراءة في الركوع والسجود.

والحديث أخرجه مسلم في الصلاة (479) وبوب عليه النووي: باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود.

     قوله: «كَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السِّتَارَةَ»، الستارة هي الستر الذي يكون على باب البيت. وفي رواية «ورأسه معصوبٌ في مرضه الذي مات فيه».

     قوله: «وَالنَّاسُ صُفُوفٌ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ»، هل قاله بعد إحرام الناس بالصلاة، أم قبل دخولهم الصلاة؟ قال النووي: الأظهر أنه قاله بعد إحرامهم، والغالب أنّ سماعهم له إنما يكون مع إصغاء، ففيه حجةٌ لما أجازه في المدونة من الإنصات لسماع خبرٍ يسير.

     قوله «إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ، يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ»، يريد انقطاع النبوة بموته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبقاء الرؤيا الصالحة بعده.

     قال المهلب: المراد غالب رؤيا الصالحين، وإلا فالصالحون قد يرون الأضغاث ولكنه نادر؛ لقلة تمكن الشيطان منهم، بخلاف عكسهم فإن الصدق فيهم نادر لغلبة تسلط الشيطان.

     وقال القرطبي: المسلم الصادق الصالح هو الذي يناسب حاله حال الأنبياء، فأكرم بنوع مما أكرم به الأنبياء وهو الاطلاع على الغيب، وأما الكافر والفاسق والمخلّط فلا، ولو صدقت رؤياهم أحيانا فذاك كما يصدق الكذوب، وليس كل من حدّث عن غيب يكون خبره من أجزاء النبوة كالكاهن والمنجم. (الفتح 12/362).

وقد استشكل كون الرؤيا جزءاً من النبوة، مع أن النبوة انقطعت بموت النبي صلى الله عليه وسلم؟!

     فقيل في الجواب: إنه لم يُردْ أنها نبوة باقية، وإنما أراد أنها أشبهت النبوة من جهة الاطلاع على بعض الغيب؛ ولذا فلا ينبغي التكلم في تأويلها بغير علم، وقد قال مالك رحمه لما سئل: أيعبر الرؤيا كل أحد؟ فقال: أبالنبوة يُلعب؟! ثم قال: الرؤيا جزء من النبوة فلا يلعب بالنبوة، حكاه عنه ابن عبد البر (الفتح 12/363).

     فالنبي صلى الله عليه وسلم أكد في آخر حياته فضل الرؤيا الصالحة الصادقة وعلو منزلتها في دين الإسلام، وقد كان صلى الله عليه وسلم يوصي في مرض موته بالصلاة والمماليك والجار والنساء، فكأن الرؤيا تحتل من الدين رتبة تلك الوصايا.

     قوله: «أَلَا وَإِنِّي نُهيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا»، نهيت: الخطاب له صلى الله عليه وسلم يشمل الأمة حتى يقوم دليل على قصره عليه، ويدل عليه أيضا قوله صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي».

     ويدل عليه أيضا قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قراءة القرآن وأنا راكع أو ساجد. رواه مسلم ( 480)؛ ولذا قال جمهور العلماء بحرمة القراءة في الموضعين، وقال بعضهم ببطلان الصلاة لأنه زاد ركنا. وقيل في الحكمة في المنع من القراءة: أن الركوع والسجود حالتا ذلٍ، فكره قراءة كلام الله العزيز جل وعلا فيهما.

     قوله: «فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ» أي: عظموه بالتسبيح ونزهوه فهو وظيفة الركوع. ولذا كره الجمهور الدعاء في الركوع. قوله: «وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ» أي: وظيفة السجود الاجتهاد في الدعاء، مع التسبيح كما سبق.

وهذا يشمل بعمومه الدعاء بخيري الدنيا والآخرة، والتخير من الدعاء النبوي أكمل وأشمل وأفضل.

قوله: «فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ» قمن: أي حقيقٌ وجدير، ويقال: قمين.

     وفي الحديث عَن أَبِي هُريْرة رَضِيَ الله عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ؛ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ». أخرجه مسلم (1/350 ).

والله تعالى أعلم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك