رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 17 فبراير، 2013 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 10 ) باب: ما يُقال إذا رفع من الركوع

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

298.عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، قَالَ: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، مِلْء السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَمِلْء مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ، أَحَقّ مَا قَالَ الْعَبْدُ، وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ».

الشرح:  قال المنذري: باب ما يقال إذا رفع من الركوع.

والحديث رواه مسلم في الصلاة (1/347) وبوب عليه النووي: باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع.

ورواه من حديث عبدالله بن أبي أوفى رضي الله عنه، ومن حديث أبي عبيدة في باب: اعتدال أركان الصلاة.

قوله «رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، مِلْء السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ» الأشهر في «ملء» النصب على الحاليّة.

     قال الخطابي: وهو تمثيل لكثرة عدد الحمد، أي حمداً لو كان جسما، لملأ عدده ما بين السماء والأرض. وقيل المراد: ثوابها. وقيل: يراد بذلك عظم الكلمة.

     قوله «وَمِلْء مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ» قيل: إنه اعترافٌ بالعجز عن أداء حق الحمد بعد إفراغ الوسع؛ فإنّ حمده ملء السموات هو نهاية حمد القائم به، ثم ارتفع فأحال الأمر فيه على المشيئة، وليس وراء ذلك للحمد منتهى، فإنّ حمد الله تعالى أعزّ من أنْ يعتوره الحسبان، أو يكتنفه الزمان والمكان، ولم ينته أحدٌ من الخلق في الحمد منتهاه، وبهذه الرتبة استحق صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يسمى أحمد.

     قوله «أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ» أهل: الأشهر فيه أنه منصوب على النداء، أي يأهل الثناء، أو نصب على المدح، ويجوز الرفع على الخبر، أي: أنت أهل الثناء، والثناء هو: الذكر الجميل، والحمد أعم من الثناء المجرد؛ فإن الحمد: هو الثناء على المحمود بما له من صفات الكمال.

والمجد هو نهاية الشرف.

     قوله «أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ» يحتمل أن يكون خبرا عما قبله من الحمد الكثير، أي: الحمد المذكور أحق ما قال العبد. وحرف «ما» يحتمل أن تكون موصولة أو نكرة موصوفة، أي: أحق شيء قاله العبد.  والتعريف في العبد يحتمل الجنس فيكون لجميع العباد، ويحتمل أنه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للعهد.

     وقوله «أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ» دليل على فضيلة هذا الدعاء وشرفه، فقد أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى: أن هذا أحق ما قال العبد، فينبغي أن نحافظ عليه ولا نهمله، كما نبه عليه العلماء.

و«كلنا لك عبد» تأكيد، وشهادة من لا ينطق عن الهوى، تؤكد أن يديم الإنسان هذا الذكر.

     قوله «اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ» وهذا من انفراده تبارك وتعالى بالملك والتدبير والتصرف، والعطاء والمنع، كما قال تعالى: {ما يفتح الله للناس من رحمةٍ فلا مُمسك لها وما يُمسك فلا مرسلَ له من بعده وهو العزيز الحكيم} (فاطر: 2).

     وهذا مما يوجب التعلق بالله تعالى، والافتقار إليه من جميع الوجوه، وألا يدعى إلا هو، ولا يخاف ولا يرجى إلا هو، وهو العزيز الذي قهر كل شيء، الحكيم في عطائه ومنعه.

     قوله «وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ» الأكثر على أن الجد بفتح الجيم، وفسّر بالحظ، أي: الحظ منك في الدنيا في المال والولد، لا ينفع في الآخرة، وإنما ينفع فيها الإيمان العمل الصالح.

كما قال تعالى: {المالُ والبنون زينةُ الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خيرٌ عند ربك ثوابا وخيرٌ أملا} (الكهف: 46).

وقيل: الجد: الغِنى، وقيل: العظمة والسلطان، ومنه قوله تعالى: {وأنه تعالى جد ربنا} (الجن: 3).

أي: لا ينفع ذا الحظ في الدنيا بالمال والولد والسلطان؛ وذلك إنما ينفعه إيمانه وعمله الصالح.

    وحكى الشيباني فيه الكسر، أي: ولا ينفع ذا الاجتهاد اجتهاده، إلا أن تكون له سابقة خير؛ فإن العمل لا ينجي بنفسه، وإنما ينجي فضل الله عز وجل، كما قال صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة أحدٌ منكم بعمله» متفق عليه.

     وقد يكون المراد: الاجتهاد في كسب الدنيا، والتحفظ عن المكاره، أي لا يكتسب أحد إلا ما قضي له، ولا يسلم إلا مما وقي، وهذا أشبه بظاهر الحديث وهو أصل في التسليم وإثبات القدر؛ ولذا ترجم عليه البخاري وأدخله في باب القدر.

     وقوله «منك» على الفتح بمعنى «بدل»، أي: لا ينفع منك ذا الحظ حظه بدل طاعته، كقوله تعالى: {لجعلنا منكم ملائكة} (الزخرف: 60) أي بدلكم. وقيل: هي بمعنى «عند» أي: لا ينفع ذا الحظ حظه عندك، وقيل: المراد بالجد العظمة، أي لا ينفع ذا العظمة عظمته. (انظر شرح النووي وإكمال المعلم للأبي 2/ 368).

100- باب: فضل السجود والترغيب في الإكثار منه

299. حَدَّثَنِي مَعْدَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمَرِيُّ قَالَ: لَقِيتُ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ أَعْمَلُهُ يُدْخِلُنِي اللَّهُ بِهِ الْجَنَّةَ، أَوْ قَالَ: قُلْتُ: بِأَحَبِّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ؟ فَسَكَتَ، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَسَكَتَ، ثُمَّ سَأَلْتُهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ؛ فَإِنَّكَ لَا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً، إِلَّا رَفَعَكَ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً» قَالَ مَعْدَانُ: ثُمَّ لَقِيتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ لِي مِثْلَ مَا قَالَ لِي ثَوْبَانُ.

الشرح:  قال المنذري: باب فضل السجود والترغيب في الإكثار منه. والحديث أخرجه مسلم (488) وبوب عليه النووي: باب فضل السجود والحثّ عليه. ومعدان بن أبي طلحة اليعمري، شامي تابعي ثقة , روى له الستة.

     وثوبان الهاشمي مولى رسول الله عليه الصلاة والسلام, صحب رسول الله ولازمه , ونزل بعده الشام، ومات بحمص سنة أربع وخمسين، وروى له مسلم والأربعة. قوله «فسكت» يحتمل أنه تفكّر في الجواب، أو تنشيطا لسماع المزيد من السائل.

     قوله «عليك بكثرة السجود لله» يعني كثرة الصلاة؛ لأنه يكون فيها، سواء كانت فرضاً أو نفلاً , جماعة أو فرداً  لأن السجود لا يشرع غالباً إلا في الصلاة , كما حمله على ذلك جماعة من أهل العلم منهم الحافظ ابن حجر.

ويدخل فيه: سجود التلاوة وكذلك سجود الشكر.

     وذهب الشوكاني في «الفتح الرباني» إلى أن السجود وحده من غير انضمامه إلى صلاة ودخوله فيها عبادة مستقلة! يأجر الله عبده عليها، ووافقه عليه صديق حسن، واستدلوا لذلك بعموم النصوص الواردة في فضل السجود، والأول أرجح، والله أعلم.

     وسبب الحث عليه: أن السجود من أشرف العبادات، وأن العبد أقرب ما يكون من ربه وهو ساجد، كما صح في الحديث، وهو موافق لقول الله تعالى: {واسجد واقترب} (العلق:19). ولأن السجود غاية التواضع والعبودية لله تعالى؛ لأنه تمكينٌ لأعز أعضاء الإنسان وأعلاها وهو وجهه من التراب والأرض التي تداس وتمتهن.

     قوله «فَإِنَّكَ لَا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً، إِلَّا رَفَعَكَ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً» زاد ابن ماجة في أوله: «إلا كتب لك بها حسنة» وقال: «فاستكثروا من السجود».

قوله «قَالَ مَعْدَانُ: ثُمَّ لَقِيتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ لِي مِثْلَ مَا قَالَ لِي ثَوْبَانُ» أي تعزز الحديث بروايته عن أبي الدرداء رضي الله عنه أيضا.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك