رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 4 مارس، 2013 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 35 ) بـاب: الدعـــاء فـــي السـجـــود

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

300.عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رضي الله عنه:َ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ؛ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ».

الشرح:  قال المنذري: باب الدعاء في السجود.

والحديث أخرجه مسلم في الصلاة (1/ 350) وبوب عليه النووي: باب ما يقال في الركوع والسجود.

قوله: «أَقْرَبُ» على وزن أفعل، وهو مبتدأ حذف خبره وجوبا لسد الحال مسدّه، وهو قوله: «وهو ساجد»، فهو مثل قولهم: أخطب ما يكون الأمير قائما.

وقوله: «أقرب مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ» قال النووي: معناه: أقرب ما يكون من رحمة ربه وفضله. انتهى.

وهو كما قال الله تعالى: {فاسجد واقترب} (العلق: 19).

ففيها: أن السجود من العبادات العظيمة، والطاعات الكريمة، التي تقرب من الله عز وجل، وتدني من رحمته وإحسانه.

وفي الحديث: أن السجود من أفضل من القيام، وسائر أركان الصلاة.

وقد اختلف العلماء: أيها أفضل: تطويل السجود، أم تطويل القيام؟ على ثلاثة أقوال:

الأول: تطويل السجود أفضل، حكاه الترمذي والبغوي عن جماعة.

الثاني: أن تطويل القيام أفضل، وهو مذهب الشافعي وجماعة؛ لحديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أفضل الصلاة طول القنوت» رواه مسلم. والمراد بالقنوت: القيام.

قالوا: ولأن ذكر القيام: قراءة القرآن، وذكر السجود: التسبيح، وقراءة القرآن أفضل.

ولأن المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يطول القيام أكثر من تطويل السجود.

الثالث: أنهما سواء.

وقال الإمام إسحق بن راهويه: أما في النهار: فتكثير الركوع والسجود أفضل، وأما في الليل: فتطويل القيام.

قال الترمذي: إنما قال إسحق هذا؛ لأنهم وصفوا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل بطول القيام، ولم يُوصف من تطويله بالنهار ما وُصف بالليل. انتهى.

قوله «فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ» حثٌ على الإكثار من الدعوات في هذه الحال التي يقرب فيها العبد من ربه.

     وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه تعالى بأنواع الأدعية، التي نقلها عنه أصحابه وأزواجه، وهي جامعة لخيري الدنيا والآخرة، فينبغي للمسلم والمسلمة حفظها، ودعاء الله تعالى بها؛ فإنها من أنفع ما يكون له ولأهله وذريته وأمته.

     وقد سبق ذكر حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: «... وأما السجودُ فاجتهدوا في الدعاء، فقمنٌ أنْ يُستجاب لكم» أي: حقيق وجدير أن يستجاب لكم.

     ومن الأخطاء الشائعة عند بعض المصلين: تأخير الدعاء حتى الخروج من الصلاة! فترى كثيرا من الناس يغفل عن الدعاء في سجوده، فإذا انتهى من الصلاة رفع يديه ودعا!

فيترك ما ورد الحث عليه بالأحاديث النبوية قولا وفعلا، ويفعل شيئا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله!

     هذا وقد ورد قرب الله تعالى في مواضع أخرى من الكتاب والسنة النبوية، و«القريب» من أسمائه الحسنى، قال تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريبٌ أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون} (البقرة:186).

     ومن معاني القريب: أنه قريب بإجابة الدعاء، وهو مشروط بالاستجابة له، فمن الناس من يستجيب لله فيزيدهم من فضله: {ويستجيب الذين آمنوا وعلموا الصالحات ويزيدهم من فضله} (الشورى:26) فهو سبحانه الذي يُقابِل السؤالَ والدُّعاء، بالقَبُول والعَطاء.

     وهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه، ويغيث الملهوف إذا ناداه، ويكشف السوء عن عباده، ويرفع البلاء عن أحبائه، وكل الخلائق مفتقرة إليه، قال تعالى: {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} (الرحمن: 29)، فجميع الخلائق تصمد إليه، وتعتمد عليه.

وهو الذي ينصرهم على عدوهم ويؤيدهم، كما قال سبحانه: {أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} (البقرة:214).

     وهو القريب من العابدين والداعين والذاكرين، يؤنسهم ويحفظهم وينصرهم، ويثبت قلوبهم وأقدامهم، ويجيب دعاءهم، قال سبحانه كما في الحديث القدسي: «أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني».

وفى الحديث الآخر: «أقربُ ما يكون الرب من عبده، فى جوف الليل الآخر» رواه الترمذي (3579) وهو حديث صحيح.

وذلك حين ينزل تبارك وتعالى في الثلث الأخير من الليل، فيقول: «هل من سائل فأعطيه، هل من داع فأستجيب له، هل من مستغفر فأغفر له».

     وهو سبحانه القريب من التائبين يجيب دعاءهم، ويذيقهم من حلاوة القرب منه ما يعوضهم فقد ما فقدوه، قال سبحانه: {يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ} (هود:61)، ومن معاني القريب: أنه الذي يرى ويسمع كل شيء، ولا يخفى عليه شيء، وهو قريب من جميع عباده بعلمه وسمعه وبصره المحيط بكل شيء.

والله أعلم.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك