رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 11 مارس، 2013 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 36 ) باب: على كم يسجد؟

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

301.عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ: الْجَبْهَةِ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى أَنْفِهِ - وَالْيَدَيْنِ، وَالرِّجْلَيْنِ، وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ، وَلَا نَكْفِتَ الثِّيَابَ، وَلَا الشَّعرَ».

 الشرح:قال المنذري: باب على كم يسجد؟

 والحديث رواه مسلم في الصلاة (1/354) وبوب عليه النووي (4/206): باب أعضاء السجود والنهي عن كف الشعر والثوب وعقص الرأس في الصلاة.

قوله «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ..» وفي الرواية الأخرى له: «أُمرَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنْ يسجدَ على سبعٍ، ونُهي أن يكفت الشعر والثياب».

قوله «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ..» فيه: أن أعضاء السجود سبعة، وأنه ينبغي للساجد أن يسجد عليها كلها.

قوله «سَبْعَةِ أَعْظُمٍ» سمى كل عضو عظما، وإنْ كان فيه عظام كثيرة.

 وهي كما فصلها في الحديث «الْجَبْهَةِ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى أَنْفِهِ - وَالْيَدَيْنِ، وَالرِّجْلَيْنِ، وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ» هذا تفصيل أعضاء السجود.

فأولها: الجبهة ومعها الأنف، فيجب وضعهما على الأرض جميعا، فهما كعضو واحد، وهو قول أحمد وابن حبيب من أصحاب مالك.

وقال مالك والشافعي: يكفي وضع بعض الجبهة والأنف مستحب؟!

وقولهما مرجوح؛ لمخالفته ظاهر الحديث، فلا يكمل السجود إلا بهما.

وقد ثبت في حديث المسيء صلاته: أنه صلى الله عليه وسلم أمره بأن يمكن جبهته من الأرض.

     وأخرج الترمذي (270): عن أبي حميد الساعدي: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد أمكن أنفه وجبهته من الأرض، ونحّى يديه عن جنبيه...» وصححه ابن حبان (5/189).

وقال الترمذي: والعمل عليه عند أهل العلم: أن يسجد الرجل على جبهته وأنفه.

     ثاني الأعضاء وثالثها: اليدان، أي: الكفان، وهو المراد عند الإطلاق، كما في قوله تعالى: {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه} (المائدة: 6)، ولأن المصلي ممنوعٌ من بسط ذراعه على الأرض، كما مضى معنا في الحديث. ورابعها وخامسها: الرجلان، وهما الرُّكبتان، كما في الرواية الأخرى.

وسادسها وسابعها: أطراف القدمين، وهي الأصابع، وبعض المصلين قد يرفع إحدى قدميه وهو ساجد، وهذا خطأ !

وهكذا لو أخلّ بعضوٍ من هذه الأعضاء، لم تصح صلاته.

وإذا عجز عن السجود على بعض أعضاء السجود، سقط عنه؛ للقاعدة الشرعية: لا واجب مع العجز؛ لقوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} (التغابن: 16).

فمن لم يستطع السجود لعذر، أَومأَ برأسه قدر إمكانه.

وهل يجب أن تكون هذه الأعضاء مكشوفة عند السجود؟

فقال الشافعي بوجوب كشف الجبهة واليدين.

والراجح: عدم وجوب ذلك، وإنما يستحب السجود على الأرض دون حائل.

وقد قسم العلماء السّجود على حائل إلى قسمين:

     الأول: حائل متصل بالمصلي، كالعمامة والثوب، فهذا يُكره أنْ يسجد عليه إلا من حاجة، كحر أو برد؛ لحديث أنس رضي الله عنه قال: كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم في شدّة الحر، فإذا لم يستطعْ أحدُنا أن يمكّن جبهته من الأرض، بَسَط ثوبه فسجد عليه. أخرجه البخاري (385) ومسلم (620).

     الثاني: إذا كان الحائلُ منفصلاً، كالسجادة والحصير ونحوها، فهذا لا بأس به ما دام طاهراً، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على الخمرة (وهي السجادة الصغيرة) رواه البخاري (333) ومسلم (613) من حديث ميمونة رضي الله عنها.

     قوله «وَلَا نَكْفِتَ الثِّيَابَ» لا نكفت بفتح النون وكسر الفاء، وهو الجمعُ والضّم، أي: لا نضمها ولا نجمعها، ومنه قوله تعالى {ألم نجعل الأرض كفاتا} (المرسلات: 25). أي: تجمع الناس في حياتهم وموتهم.

فنهى المصلي عن الصلاة وثوبه مشمّر، أو كمه ونحوه مكفوت.

     قوله «وَلَا الشَّعرَ» أي: لا نجمع الشعر، أي تحت العمامة ونحوها، وفي رواية لمسلم: عن ابن عباس: أنه رأى عبد الله بن الحارث يصلي ورأسه معقوصٌ من ورائه، فقام خلفه فجعل يحلُه، فلما انصرف أقبل إلى ابن عباس فقال: ما لك ورأسي؟ فقال: إني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما مَثَلُ هذا، مثلً الذي يُصلي وهو مكتوفٌ».

قال العلماء: والحكمة في ذلك أن يسجد الشعر والثوب معه على الأرض، ولهذا مثله في حديث ابن عباس: بالذي يصلي وهو مكتوف.

وإذا خالف وصلى كذلك فقد أساء وأثم لمخالفته النهي النبوي، ولكن صلاته صحيحة، قال النووي: باتفاق العلماء.

     ومما ورد في فضل أعضاء السجود: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ اللهَ حرّمَ على النارِ، أن تأكلَ أعضاءَ السُّجود» رواه البخاري في الأذان (806) ومسلم في الإيمان (182).

أي إنّ عُصاة الموحدين لو دخلوا النار، فإنّ النار لا تأكل أعضاء السجود منهم، بل توقرها وتحترمها ولا تؤثر فيها، فسبحان الله!

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك