رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 25 مارس، 2013 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 38 ) باب: صفة الجلوس في الصلاة

 الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

304.عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَعَدَ فِي الصَّلَاةِ، جَعَلَ قَدَمَهُ الْيُسْرَى بَيْنَ فَخِذِهِ وَسَاقِهِ، وَفَرَشَ قَدَمَهُ الْيُمْنَى، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُسْرَى، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ».

الشرح: قال المنذري: باب: صفة الجلوس في الصلاة. والحديث أخرجه مسلم في الصلاة (1/408) وبوب النووي عليه (5/79): باب صفة الجلوس في الصلاة، وكيفية وضع اليدين على الفخذين.

     قوله «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَعَدَ فِي الصَّلَاةِ، جَعَلَ قَدَمَهُ الْيُسْرَى بَيْنَ فَخِذِهِ وَسَاقِهِ، وَفَرَشَ قَدَمَهُ الْيُمْنَى» هذا الذي ذكر ابن الزبير هو صفة التورك، قال النووي: لكن قوله «وَفَرَشَ قَدَمَهُ الْيُمْنَى» مشكل، لأن السُّنّة في القدم اليمنى أن تكون منصوبة باتفاق العلماء، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على ذلك في صحيح البخاري وغيره.

     ثم نقل عن القاضي عياض قوله: وقد تكون الرواية صحيحة في اليمنى، ويكون معنى فرشها: أنه لم ينصبها على أطراف أصابعه في هذه المرة، ولا فتح أصابعها، كما كان يفعل في غالب الأحوال.

     قال النووي: وهذا التأويل الأخير الذي ذكره هو المختار، ويكون فعل هذا لبيان الجواز، وأنّ وضعَ أطراف الأصابع على الأرض وإن كان مستحبا، يجوز تركه، وهذا التأويل له نظائر كثيرة، ولا سيما في باب الصلاة، وهو أولى من تغليط رواية ثابتة في الصحيح، واتفق عليها جميع نسخ مسلم. انتهى.

     وقد سبق بيان أنّ الافتراش يكون في التشهد الأول، والتورّك يكون في التشهد الأخير؛ لحديث أبي حميد الساعدي في عشرة من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما في صحيح البخاري وغيره، وهو صريحٌ في التفريق بين التشهدين. قال ابن عمر رضي الله عنهما: إنّ من السُّنة في الصلاة: أنْ تُضجع رجلك اليسرى، وتنصب اليمنى، إذا جلست في الصلاة. رواه أبو داود (958) وابن خزيمة (678) واللفظ له.

     قوله: «ووضع يده اليسرى على ركبته» وفي الرواية الأخرى: «بسطها عليها» وفي رواية ثالثة: «ويُلْقم كفه اليسرى ركبته» أي: عند الجلوس بين السجدتين، وعند التشهد.

قال النووي: والحكمة في وضعها عند الرُّكبة: منعها من العبث.

     وفي حديث أبي داود (957) والنسائي بسند صحيح: عن وائل بن حجر رضي الله عنه قال: «... ووضع يده اليُسرى على فخذه اليسرى، وحدّ مِرفقه الأيمن – أي نهايته - على فخذه اليمنى».

     قوله: «وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ» وفي الرواية الأخرى «وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ ووضع إبهامه على إصبعه الوسطى» وفي الرواية الثالثة: «وعَقَد ثلاثاً وخمسين» وفي رواية أبي داود (957): «وقبض اثنتين وحلّق حلقة، ورأيته يقول هكذا، وحلّق بشرٌ الإبهام والوسطى، وأشار بالسبابة».

أي: تارة يفعل هذا، وتارة يفعل هذا، وكلها سنةٌ.

قال النووي: وأما الإشارة بالمسبّحة، فمستحبةٌ عندنا للأحاديث الصحيحة، قال أصحابنا: يشير عند قوله: لا إله إلا الله، من الشهادة. انتهى.

     والراجح: أنه يشير بها عند ذكر لفظ الجلالة في كل التشهد حتى الدعاء، كما في حديث ابن عمر: «ورفع إصبعه اليمنى التي تلي الإبهام، فدعا بها» رواه مسلم (1/408).

وفي حديث وائل بن حجر: «ثم قبضَ ثنتين من أصابعه، وحلّق حلقة ثم رفع إصْبعه، فرأيته يُحركها يَدْعو بها» رواه ابن خزيمة (714).

قال الطحاوي: وقوله «يدعو بها» فيه دليل على أنه كان في آخر الصلاة.

     وقال العلامة الألباني: ففيه دليل على أن السنة أن يستمر في الإشارة وفي تحريكها إلى السلام؛ لأن الدعاء قبله، وهو مذهب مالك وغيره، وسئل الإمام أحمد: هل يشير الرجل بإصبعه في الصلاة ؟ قال: نعم، شديدا. (مسائل ابن هانئ ص 80).

     قال: ومنه يتبين أن تحريك الإصبع في التشهد سنةٌ ثابتة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمل بها أحمد وغيره من أئمة السنة، فليتق الله رجالٌ يزعمون أن ذلك عبثٌ لا يليق بالصلاة، فهم من أجل ذلك لا يحركونها مع علمهم بثبوتها! ويتكلفون في تأويلها بما لا يدل عليه الأسلوب العربي، ويخالف فهم الأئمة له.

     قال صديق حسن: وهذه المسألة أيضا مما فيه خلاف بين الحنفية وبين رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! قد زلت قدم أكثرهم في هذا المقام، حتى فاه منهم بالطعن في ذلك على اهل الحديث الكرام، ولا غرو؛ فإن الرأي في الدين تحريف! ويفضي إلى أكثر من هذه المزلة والذلة، عصمنا الله وإخواننا المتبعين من ذلك. انتهى.

وقوله: «يحركها» هو السنة الثابتة، أي: يشير بها للأعلى.

وقال عبد الله بن الزبير رضي الله عنه: لا يُجاوز بصره إشارته. رواه أبو داود (990) وابن خزيمة (718).

106- باب: الإقعاء على القدمين

305.عن طَاووس قال: قُلْنَا لِابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي الْإِقْعَاءِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ، فَقَالَ: هِيَ السُّنَّةُ، فَقُلْنَا لَهُ: إِنَّا لَنَرَاهُ جَفَاءً بِالرَّجُلِ ! فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «بَلْ هِيَ سُنَّةُ نَبِيِّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».

الشرح: قال المنذري: باب: الإقعاء على القدمين. والحديث أخرجه مسلم في الصلاة (1/380-381) وبوب عليه النووي (5/18): باب جواز الإقعاء على العقبين.

     قوله «قُلْنَا لِابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي الْإِقْعَاءِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ، فَقَالَ: هِيَ السُّنَّةُ» والإقعاء ورد فيه حديثان، هذا الحديث وفيه تصريح لابن عباس أنه سنة، وهو أن يجلس على عقبيه بين السجدتين.

والحديث الثاني: «وكان ينهى عن عقبة الشيطان» رواه مسلم.

قال النووي: وقد اختلف العلماء في حكم الإقعاء وفي تفسيره اختلافا كثيرا، لهذه الأحاديث.

والصواب الذي لا معدل عنه: أنّ الإقعاء نوعان:

- أحدهما: أنْ يُلصق أليتيه بالأرض، وينصب ساقيه، ويضع يديه على الأرض، كإقعاء الكلب، هكذا فسره أبو عبيد (القاسم بن سلام) وآخرون من أهل اللغة، وهذا النوع هو المكروه الذي ورد فيه النهي.

- والنوع الثاني: أن يجعل أليتيه على عقبيه بين السجدتين، وهذا هو مراد ابن عباس رضي الله عنهما بقوله: «سنة نبيكم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم، وقد نص الشافعي رضي الله عنه في «البويطي» و«الإملاء» على استحبابه في الجلوس بين السجدتين. انتهى.

وذهب إليه جماعةٌ من المحققين: البيهقي والقاضي عياض وآخرون، وقال عياض: وقد روي عن جماعة من الصحابة والسلف: أنهم كانوا يفعلونه.

وقد روى أبو إسحاق الحربي في غريب الحديث – كما في صفة الصلاة ص 152 – عن طاووس: أنه رأى ابن عمر وابن عباس يقعيان. وسنده صحيح.

     فهما على الصحيح: سنتان نبويتان، والأشهر أنّ السُّنة في الجلوس بين السجدتين: الافتراش. قوله «إنا نراه جفاء بالرجل» بفتح الراء وضم الجيم، أي: بالإنسان، قال النووي: وكذا نقله القاضي عن جميع رواة مسلم. قال: وضبطه أبو عمر بن عبد البر: بكسر الراء وإسكان الجيم وهي القَدَم ! وردّ الجمهور عليه، وقالوا: الصواب الضم، وهو الذي يليق به إضافة الجفاء إليه.

     قال صديق حسن: ثم لا يخفى عليك، أن المرأة في ذلك كالرجل غالبا؛ لأنّ النساء شقائق الرجال، فما شرعه الله تعالى للرجال، من هذه الشريعة، فالنساء مثلهم، إلا أنْ يأتي دليلٌ يدل على إخراجهن من ذلك الشرع العام، وكان ذلك مخصصا لهن، وسواء كان التخصيص متضمناً للتخفيف، وذلك ما اختصّ وجوبه بالرجال من الأحكام كالجهاد، أو متضمناً التغليظ عليهن كالحجاب، والله أعلم. انتهى.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك